الحرب والسلام ونوبل أوباما - ناعوم تشومسكي - بوابة الشروق
الثلاثاء 20 مايو 2025 9:48 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الحرب والسلام ونوبل أوباما

نشر فى : الثلاثاء 3 نوفمبر 2009 - 10:04 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 3 نوفمبر 2009 - 10:04 ص

 ليست الأجواء مواتية لتحقيق آمال وآفاق السلام، بل إن تحقيقها ليس حتى قريب المنال. وواجبنا نحن جعل هذه الآمال والآفاق أقرب إلى التحقق.. وبالتالى المفترض أن هذا كان هدف لجنة جائزة نوبل عندما اختارت الرئيس باراك أوباما.

«بدت كنوع من التوسل والتشجيع من جانب لجنة نوبل من أجل قيادة أمريكية مستقبلية فعالة وتحظى بقبول أكثر».. وفى صحيفة النيويورك تايمز كتب ستيفن إيرلانجر وشيريل ستولبرج بعد إعلان حصول أوباما على الجائزة.

وتشى طبيعة التحول فى أمريكا من بوش إلى أوباما باحتمال أن تؤدى التوسلات وحملات التشجيع إلى حدوث تغيير. وكانت مخاوف لجنة نوبل فى محلها، حيث تركزت على خطب أوباما حول تقليل الأسلحة النووية.

فالآن تتصدر طموحات إيران النووية عناوين الصحف. وتتمثل المحاذير فى أن إيران ربما تخفى شيئا عن أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقوم بخرق قرار مجلس الأمن الدولى رقم 1887 الذى صدر الشهر الماضى وجرت الإشادة به باعتباره انتصارا لجهود أوباما الرامية إلى احتواء إيران.

وفى الوقت نفسه، يستمر الجدل حول ما إذا كان قرار أوباما الأخير بتعديل نظام الدفاع الصاروخى فى أوروبا تعبيرا عن الاستسلام للروس أم أنه خطوة براجماتية تهدف إلى الدفاع عن الغرب فى مواجهة هجوم نووى إيرانى متوقع.

وغالبا ما يكون الصمت أكثر بلاغة من الضجة الصاخبة، لذا دعونا نركز على ما لم يقال علانية.
فوسط الجلبة التى ثارت بشأن الازدواجية الإيرانية، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية قرارا يدعو إسرائيل إلى الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووى، وفتح منشآتها النووية للتفتيش. وحاولت الولايات المتحدة وأوروبا منع صدور قرار الوكالة، ولكن جرى تمريره على أية حال، وتجاهلت وسائل الإعلام الحدث فعليا وبشكل مريب.

وأكدت الولايات المتحدة لإسرائيل أنها سوف تدعمها فى رفضها للقرار مما يؤكد مجددا وجود تفاهم سرى بين البلدين يسمح لإسرائيل بالإبقاء على ترسانتها النووية مغلقة فى وجه المفتشين الدوليين، وفقا لما قاله مسئولون على دراية بالتدابير المتفق عليها.. والتزمت وسائل الإعلام الصمت ثانية.

وأشاد المسئولون فى الهند بقرار مجلس الأمن الدولى 1887 عبر إعلان أن بلادهم «باستطاعتها الآن إنتاج أسلحة نووية بقوة الدمار نفسها المتوافرة لدى ترسانات الأسلحة النووية التى فى حوزة القوى النووية الكبرى»، وفقا لما أوردته صحيفة فاينانشيال تايمز.

وتقوم كل من الهند وباكستان بتوسعة ترسانتها النووية. كما أنهما اقتربتا مرتين من خطر الانخراط فى حرب نووية، ومازالت المشكلات التى بينهما وأشعلت خطر هذه الكارثة قائمة بقوة.

ورحب أوباما بالقرار رقم 1887 بطريقة مختلفة. ففى اليوم السابق على منحة جائزة نوبل بسبب التزامه القوى بالسلام، أعلن البنتاجون أنه يُعجل بتسليم الترسانة النووية الأمريكية الأسلحة غير النووية الأكثر فتكا: قنابل تزن 13 طنا ليتم إسقاطها من طائرتى الشبح بى 2 أو بى 52، والمصممة لتدمير المخابئ العميقة التى تحميها 10 آلاف رطل من الخرسانة المسلحة.

وليس سرا أنه يمكن نشر قنابل تدمير المخابئ فى مواجهة إيران فى أى وقت. وكان قد بدأ التخطيط لهذه «هذه الذخائر الضخمة القادرة على الاختراق» فى سنوات حكم بوش، لكن إنتاجها تباطأ إلى أن دعا أوباما إلى المسارعة فى تطويرها بعدما تقلد مهام منصبه.

ودعا القرار 1887 الذى حاز على الإجماع إلى التوقف عن التهديد باستخدام القوة، وانضمام جميع الدول إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وهو ما قامت به إيران قبل وقت طويل. وتم تناسى أن الدول غير الموقعة على المعاهدة هى الهند وإسرائيل وباكستان، كانت قد أنتجت أسلحة نووية بمساعدة الولايات المتحدة، منتهكة بذلك معاهدة حظر الانتشار النووى.

ومنذ مئات السنين، لم تقم إيران بغزو أى دولة على عكس الولايات المتحدة وإسرائيل والهند (التى تحتل كشمير احتلالا وحشيا).

ويُعد التهديد القادم من إيران محدودا. ذلك أنه إذا امتلكت إيران أسلحة نووية ونظم توصيل هذه الأسلحة إلى أهدافها، وأعدت لاستخدام هذه الأسلحة، فإن هذا البلد سوف يتبخر فى لحظات.

ويشير المحلل الاستراتيجى ليونارد ويس إلى أن الاعتقاد بأن إيران يمكن أن تستخدم الأسلحة النووية فى شن هجوم على إسرائيل، أو أية دول أخرى، يتضمن «افتراضا بأن قادة إيران مجانين»، وأنهم يتطلعون لأن يتم تحويلهم إلى «غبار مشع». ويضيف أن الغواصات الإسرائيلية حاملة الصواريخ «محصنة فعليا ضد الهجمات العسكرية الاستباقية»، ناهيك عن الترسانة الأمريكية الضخمة.

وفى المناورات البحرية التى أجريت فى يوليو الماضى، أرسلت إسرائيل غواصات من طراز دولفين، قادرة على حمل صواريخ نووية، عبر قناة السويس إلى البحر الأحمر، وأحيانا كانت تصاحبها سفن حربية، إلى موقع يمكن مهاجمة إيران انطلاقا منه حيث إن للإسرائيليين «حقا سياديا» فى القيام بذلك، حسب قول نائب الرئيس الأمريكى جو بايدن.

وهذه ليست المرة الأولى التى يجرى فيها التزام الصمت لإخفاء أشياء كان يمكن أن تتصدر عناوين الصحف فى مجتمعات تقدر قيمة حريتها وتهتم بمصير العالم.

والنظام الإيرانى قاسٍ وقمعى، وليس هناك شخص لديه حس إنسانى يريد أن يرى إيران أو غيرها تمتلك سلاحا نوويا. غير أن قدرا من الأمانة لن يضر فى التعامل مع هذه المشكلات.

وبطبيعة الحال فإن جائزة نوبل ليست معنية فقط بالحد من خطر الحرب النووية القاتلة. لكنها تعنى بالحرب بشكل عام، وكذلك بالاستعداد للحرب. وفى هذا الصدد، فإن اختيار أوباما أثار الدهشة، ليس أقلها فى إيران التى تحوطها جيوش الاحتلال الأمريكى. ففى كل من أفغانستان وباكستان الواقعتين على الحدود الإيرانية، صعد أوباما من الحرب التى شنها بوش، ومن المرجح أن يمضى قدما فى هذا الطريق، وربما بصورة حادة.

وأوضح أوباما أن الولايات المتحدة تنوى الإبقاء على وجودها فى المنطقة لفترة طويلة. ولعل ما يشير إلى ذلك ضخامة «المدينة داخل المدينة» التى يُطلق عليها «السفارة الأمريكية فى بغداد» ولا تضاهيها أى سفارة فى العالم.

وقد أعلن أوباما عن إنشاء سفارات ضخمة فى كابول وإسلام آباد، وقنصليات ضخمة فى بيشاور وغيرها.
وقال مراقبو الموازنة والأمن غير الحزبيين لمجلة Government Executive إن «طلب الإدارة 538 مليار دولار من أجل وزارة الدفاع فى السنة المالية 2010،

وعزمها المعلن على إبقاء مستوى التمويل مرتفعا فى الأعوام القادمة يضعان الرئيس على طريق إنفاق أموال على الدفاع وفقا للقيم الحقيقية للدولار تزيد عما أنفقه أى رئيس أمريكى آخر خلال فترة رئاسية واحدة منذ الحرب العالمية الثانية.

ولا يأخذ ذلك فى الحسبان الـ 130 مليار دولار الإضافية التى تطالب بها الإدارة الأمريكية، لتمويل حربى العراق وأفغانستان، فى ظل توقع المزيد من الإنفاق خلال السنوات القادمة».

كان بوسع لجنة نوبل أن تختار من هم أكثر جدارة حقا، ومن أبرز هذه الاختيارات الناشطة الأفغانية مالالاى جويا. فهذه المرأة الشجاعة تحملت الروس ثم الجماعات الإسلامية الراديكالية التى من فرط وحشيتها دفعت الشعب إلى الترحيب بطالبان. وصمدت جويا أمام طالبان وأمام عودة أمراء الحرب فى ظل حكومة قرضاى.

وخلال هذه الفترة، نشطت جويا بشكل فعال فى مجال حقوق الإنسان، وحقوق المرأة بشكل خاص. وانتخبت فى البرلمان، ثم طُردت منه نتيجة استمرارها فى التنديد بالويلات التى يسببها أمراء الحرب. وهى تعيش الآن فى مكان سرى وتحت حماية ضخمة، لكنها مستمرة فى النضال بالكلمة والفعل. وعبر تكرار هذه المواقف فى كل مكان قدر المستطاع، تتقدم آفاق السلام أكثر من تحقيق الآمال.
The New York Times Syndicate

تم مؤخرا تجميع كتابات ناعوم تشومسكى فى اللغوبات والسياسة فى كتاب «The Essential Chomsky» تحرير أنتونى أرنوف من دار «نيو برس». وتشومشكى أستاذ فخرى للغويات والفلسقة فى معهد مساتشوستس للتكنولوحيا بجامعة كمبريدج

ناعوم تشومسكي  مفكر وناشط سياسي أمريكي
التعليقات