جمال مبارك والتغيير - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 5:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جمال مبارك والتغيير

نشر فى : الإثنين 17 أغسطس 2009 - 9:29 ص | آخر تحديث : الإثنين 17 أغسطس 2009 - 9:29 ص

 ربما كان «التغيير» الوحيد الذى قدر لمصر أن تشهده أخيرا فى الساحة السياسية التى يتصدرها الحزب الحاكم تمهيدا لانتخابات قد تكون قادمة، هو حوار الفيس بوك ومواقع الإنترنت المختلفة بين جمال مبارك رئيس لجنة السياسات ومجموعة منتقاة من الشباب..

وادعت صحيفة أمريكية أن أكثر من 12 ألف مواطن مصرى تابعوا هذا الحوار على شبكة الإنترنت، ووصفته بأنه ضمن برنامج لتعزيز شعبيته قبل الانتخابات الرئاسية عام 2011.

تبدو هذه المحاولة جريا وراء الأسلوب الذى اتبعه باراك أوباما حين استخدم الإنترنت فى حملته الانتخابية، وفى إجراء حوارات مع الشباب قيل إنها كانت وراء فوزه فى انتخابات الرئاسة التى جاءت به إلى البيت الأبيض.

ولكن شتان بين الحوارات التى تجرى على الفيس بوك المصرى والفيس بوك الأمريكانى الذى يذهب بعده المشاركون للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات حرة نزيهة هى التى تحدد ملامح «التغيير» فى المرحلة القادمة، أما الفيس بوك المصرى فيجرى فى ظل قرارات تلوح بالتضييق على الحريات بما فيها استخدامات الإنترنت، وقبل ساعات من اللقاء المقرر بين مبارك وأوباما حيث يشارك جمال مبارك فى الوفد المصرى ويحجم الشباب عادة عن المشاركة فى الانتخابات لأسباب معروفة.

ويصبح الأمل فى «التغيير» من خلال حوارات مهما يكن الترويج لها مجرد وهم، لأن الأطراف المشاركة فيه تدرك أن المسألة لا تعدو أن تكون «بروفة» أو «جس نبض» ولا شىء غير ذلك. ولا ينجم عنها قياس حقيقى لرأى الشباب، ولا يعقبها انتخابات نزيهة أو وعد بالتغيير..

بدليل أن إجابات جمال مبارك على أسئلة الشباب، وهى أسئلة تتردد فى أرجاء المجتمع، لم تختلف عن إجابات سابقة لقيادات حزبية اتسمت بالمراوغة، ولم تظهر فيها رغبة حقيقية فى تفهم هموم الشباب وتساؤلاتهم والتجاوب مع أحلامهم فى التجديد والتغيير.

فى حوارات الإنترنت التى أجراها أوباما وفريق حملته الانتخابية كان شعار «التغيير» فى كل شىء هو الذى يحرك خيال الناخبين من الشباب وغيرهم.. التغيير فى السياسات الداخلية والخارجية وفى الأشخاص والمسئوليات.. مع وعده بأن تكون المرحلة القادمة هى مرحلة «التغيير من أجل التقدم». ولذلك شارك الشباب فى الحوارات من خلال الإنترنت طواعية دون تكليف أو اختيار!.

ولكننا فى مصر وفى غيرها من الدول العربية نقاوم التغيير والتقدم، ونلقى اللوم على المجتمعات باعتبارها مسئولة عن التخلف التى هى غارقة فيه. وهو ما عبر عنه جمال مبارك حين قال فى حواره مع الشباب: إن المجتمع فى مصر يقاوم التغيير ويرفض التطوير.

وأرجع جمال مبارك ذلك إلى حالة الخوف من المجهول، وإلى حالة الخنوع التى تعطل تطور المجتمع. وهو تفسير قد يكون صحيحا فى جانب منه، ولكن نظام الحكم ــ وليس المجتمع ــ هو المسئول عنها.. أى عن التخويف والخنوع الذى يغرق الناس فيه ويعطلهم عن التقدم!.

وتبدو حجة مقاومة التغيير فى المجتمعات العربية، ورفضها للتطوير هى الحجة التى لا تجد النظم الحاكمة غيرها لتأجيل الإصلاح ومقاومة التغيير، والمحافظة على الأوضاع القائمة وتكريس الشخصيات الحاكمة، وإيجاد الأعذار التى تبرر انتشار الفساد وضعف الإدارة واستخدام القمع والتزوير فى الانتخابات لإبقاء الحال على ما هو عليه.

وبالتالى ففى ظل الاحتجاج بعجز المجتمع عن التغيير وخوفه من الأخذ بالنظم الحديثة فى الاقتصاد والبنوك والضرائب والتعليم والرى والإسكان وغيرها، وفى ظل انخفاض مستوى الدخل وانتشار الفقر، فلا حاجة للإسرع بالإصلاح السياسى والنظم الديمقراطية لكى يبقى الطريق إلى الإصلاح غير محدد المعالم.. شىء واحد ألمح إليه جمال مبارك عن تصوره المستقبلى غير استبعاد حدوث تغيير، هو احتمال قيام ثلاثة أحزاب فقط فى الساحة السياسية!!.

تظل هذه الحوارات «المكتومة» نوعا من السياسات التى ينتهجها الحزب الحاكم لمحاصرة الرأى العام ودفعه إلى الاعتقاد بوجود خيار واحد لا خيار غيره لتحديد مستقبل الحياة السياسية فى مصر خلال السنوات القليلة القادمة، من خلال اختيار مجموعات منتقاة من الشباب من الفئات المجتمعية المختلفة، يمكن إعدادها حزبيا وتنظيميا تمهيدا لاستكمال مهمة ما زالت غامضة الملامح..

غير أن النتيجة الطبيعية لذلك على المستوى الدولى، هى تعزير الاعتقاد بأن الشعوب العربية لا تصلح للديمقراطية، وأن تاريخها السياسى وتقاليدها ذات الجذور القبلية والقيم الدينية المحافظة والفكر التراثى غير المتحرر، كفيلة بتعطيل مسيرتها نحو التقدم.

ومن ثم فلا حاجة لإثارة هذا الموضوع فى أى محادثات سياسية على المستوى الدولى.. ويبدو أن هذا ما اتفق عليه فى محادثات واشنطن الجارية!! ونتيجة لذلك فسوف يبقى «التغيير» فى الدول العربية مهما أبدت رغبتها فى ملاحقة العصر، مجرد «مراوحة فى المكان»!.

وهى حجة يرددها الحكام العرب بصياغات ملفوفة فى خطاباتهم السياسية وفى محادثاتهم مع الآخرين، حين يرفضون الأخذ بأساليب الديمقراطية الغربية، وينكصون عن قبول إصلاحات سياسية على أساس أن شعوبهم لم تصل بعد إلى مرحلة النضج، وأن المجتمعات هى التى تقاوم التغيير وترفض التطوير!.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات