تداعيات عملية طوفان الأقصى الفلسطينية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الثلاثاء 14 مايو 2024 1:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تداعيات عملية طوفان الأقصى الفلسطينية

نشر فى : الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 8:30 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 أكتوبر 2023 - 8:30 م

إن عملية «طوفان الأقصى» التى نفذتها المقاومة الفلسطينية التابعة لحركة حماس والجهاد الإسلامى فى غزة، بالهجوم على المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود فى المنطقة التى تعرف «بغلاف غزة»، وعلى بعض المدن الإسرائيلية، تعد عملية نوعية غير مسبوقة من حيث الإعداد الجيد، والقدرة العالية على إحاطتها بالسرية التامة، والابتكار غير المتوقع فى استخدام أدوات بسيطة وعادية للقيام بهجوم مفاجئ تماما لكل الأطراف، سواء إسرائيل أو الأطراف الإقليمية والدولية، وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يكن غائبا عن حماس والجهاد الإسلامى أن رد إسرائيل سيكون قويا وعنيفا بحجم هول المفاجأة لعملية «طوفان الأقصى» التى أوجعت إسرائيل بدرجة عميقة. 

وقد كشفت عملية «طوفان الأقصى» الفلسطينية عدة أمور مهمة للغاية منها:

ــ أن إسرائيل، بما لديها من أجهزة مخابرات عسكرية وعامة، ومستعربين يخدمونها فى الضفة الغربية وغزة، وأحدث أجهزة الاستطلاع العادية والإلكترونية، إلى جانب التعاون الاستخباراتى بينها والولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنها رغم كل ذلك لم تنتبه إلى استعداد المقاومة الفلسطينية للقيام بهجوم على إسرائيل.

ــ أن السور المجهز إلكترونيا الذى أقامته إسرائيل على الحدود مع غزة والذى تكلف أكثر من مليار دولار أمريكى لرصد كل التحركات الفلسطينية القريبة منه سواء فوق الأرض أو تحتها لم يحمها من الهجوم، واستطاعت المقاومة الفلسطينية أن تزيل عدة قطاعات واسعة من هذا السور الإلكترونى بجرافات عادية، وتفتح الطريق لكتائب القسام ومن معها لشن هجوم مباغت على إسرائيل. 

ــ أن المستوطنات الإسرائيلية، والكيبوتسات (قرى نقاط التماس مع الأراضى الفلسطينية)، والموشاف (تعاونيات زراعية إسرائيلية)، يعد سكانها من احتياطى الجيش الإسرائيلى مدربين على السلاح والدفاع عن النفس ضد أى هجوم مفاجئ إلى أن تأتيهم النجدة من الجيش الإسرائيلى. وما حدث أن سكان المستوطنات لم يستطيعوا مواجهة مقاتلى المقاومة الفلسطينية، كما لم تأتِ نجدة الجيش الإسرائيلى إلا متأخرة كثيرا. وأدى ذلك إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية. 

ــ إن لدى إسرائيل ما يعرف «بالقبة الحديدية» المضادة للصواريخ وأحدث أجهزة الرادار وطائرات الاستطلاع إلى جانب التعاون المعلوماتى مع الأقمار الصناعية الأمريكية التى ترصد كل مكان أقل من نصف متر فى المنطقة، ومع ذلك استطاعت المقاومة الفلسطينية استخدام المنطاد لإسقاط جوى بالبراشوت على المستوطنات الإسرائيلية واستخدام الموتوسيكلات وسيارات ربع النقل، للهجوم ونقل الأسرى من المستوطنات إلى أماكن مختلفة فى غزة، دون عوائق تذكر فى الساعات الأولى والحاسمة من الهجوم.

لذا كانت صدمة إسرائيل عميقة وشاملة أشعرتها بكسر أمنها وإلحاق إهانة كبيرة بها رغم كل ما لديها من الإمكانيات المشار إليها، وتصنيف قواتها المسلحة بأنها واحدة من أقوى الجيوش فى منطقة الشرق الأوسط. ولكن استهانة إسرائيل بالمقاومة الفلسطينية، وتماديها فى الغرور والغطرسة وممارسة المداهمات على المجتمعات والأراضى الفلسطينية وأعمال القتل والسجن وهدم منازل الفلسطينيين، ورفض الالتزام بحل الدولتين، لم يترك خيارات أمام الفلسطينيين وهم يرون أن عملية السلام مع إسرائيل منذ اتفاق أوسلو عام 1993 لم تحقق لهم شيئا وخدمت إسرائيل فى دعم وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية، والمضى فى تهويد القدس الشرقية، وانتهاك حرمة المسجد الأقصى بانتظام وبقيادة وزراء فى الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، وقول رئيس الوزراء نتنياهو إن الأولوية هى التطبيع مع الدول العربية وبعدها يمكن التفكير فى منح الفلسطينيين حكما ذاتيا بدون القدس الشرقية. 

• • •

هذا على الجانب الإسرائيلى، أما ما كشفته عملية «طوفان الأقصى» على جانب الدول الغربية، فأهم مظاهره:

ــ إعلان الولايات المتحدة الأمريكية دعمها العسكرى لإسرائيل بإرسال حاملتى الطائرات فورد وأيزنهاور إلى البحر المتوسط، ترافقهما بوارج حربية، وأسلحة ومعدات عسكرية، وإعادة تأهيل القبة الحديدية الإسرائيلية، وأعقب ذلك وصول وزير الدفاع الأمريكى إلى إسرائيل للتنسيق معها تحسبا لأى تدخل فى الحرب من جانب أطراف إقليمية أخرى، إلى جانب الدعم المالى والسياسى والاقتصادى والإعلامى الملىء بالمغالطات والتحيز الصارخ لإسرائيل. واعتبار الهجوم المدمر الوحشى الإسرائيلى على غزة دفاعا عن النفس، ووصف حماس بأنها منظمة إرهابية ضد السامية وأنها مثل داعش ــ متجاهلة أن الفلسطينيين والعرب أنفسهم ساميون ــ وإعلان أن قرار وقف التصعيد لأعمال العنف والهدم والقتل بيد إسرائيل. ولكن عندما بلغت عمليات إسرائيل التمادى فى هدم المساكن وقتل المدنيين الفلسطينيين وفرض الحصار التام على غزة وقطع الكهرباء والمياه والأغذية والأدوية وأى معونات إنسانية وضرب معبر رفح المصرى من جهة غزة مرتين خلال 24 ساعة لمنع دخول المساعدات الإنسانية، بدأت واشنطن تطالب إسرائيل بعدم قتل المدنيين الفلسطينيين والاستجابة لمطلب مصر والأمم المتحدة بفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين والإفراج عن الأسرى الأمريكيين والأجانب لدى حماس. كما أوفدت واشنطن وزير الخارجية أنتونى بلينكن إلى إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية وقطر والسعودية والبحرين ومصر.. وغيرها لبحث الأزمة وإخراج الأسرى الأمريكيين والأجانب الآخرين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية فى إطار مطالب أسر الأسرى بالإفراج عنهم واعتبارات الحملة الانتخابية للرئيس بايدن ومسئولية إدارته عن المواطنين الأمريكيين وتطلعه لإرضاء الجالية اليهودية سعيا لتصويت أغلبيتها لصالحه فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر 2024. ومن أسباب خوف واشنطن على أمن إسرائيل أنها لم يكن لديها أى تحذير استخباراتى عن استعداد حماس لشن هجوم على إسرائيل، وفوجئت بعدم رصد إسرائيل لتحضيرات عملية «طوفان الأقصى»، وبحالة الصدمة والارتباك التى انتابت القيادات الإسرائيلية عقب الهجوم الفلسطينى. 

ــ كما كشفت العملية الفلسطينية عن مدى القلق الذى انتاب الدول الأوروبية التى تبارت فى إعلان أغلبيتها دعمها لإسرائيل، وقد أضاءت عدة دول أوروبية علم إسرائيل على أهم معالمها الرئيسية تضامنا معها، وسارع الاتحاد الأوروبى إلى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية ودعا وزير خارجية إسرائيل والسلطة الفلسطينية للمشاركة، كما دعا حلف شمال الأطلنطى إلى عقد اجتماع على مستوى وزراء الدفاع ودعا وزير الدفاع الإسرائيلى جالانت للمشاركة فيه. وكان من الملفت للانتباه الدعوة إلى وقف المعونة التنموية للفلسطينيين، وهو ما لم تلتزم به عدة دول أوروبية وأعلنت أنها ستستمر فى تقديم المعونة والمساعدات للفلسطينيين، وفى مقدمة هذه الدول ألمانيا والسويد.

ــ وإزاء بشاعة واستمرار ما تحدثه إسرائيل من دمار وقتل وحصار شامل للمدنيين فى غزة، انضمت الدول الأوروبية إلى المطالبة بعمل ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية وخروج الأسرى الأجانب لدى حماس والجهاد بمن فيهم الأوروبيون. وقد أثار الانتباه إعلان الهند تأييدها لإسرائيل، رغم ما هو معتاد من حياديتها وتأييدها حق تقرير المصير للفلسطينيين.

• • •

على المستوى العربى عقد اجتماع اسثنائى لوزراء الخارجية فى مقر جامعة الدول العربية بناء على دعوة من المغرب والسلطة الفلسطينية يوم 11 أكتوبر 2023، أى بعد أربعة أيام من عملية «طوفان الأقصى». وصدر قرار عن الاجتماع تضمن نحو عشرة بنود يطالب بوقف التصعيد، وتأكيد حقوق الشعب الفلسطينى وإقامة دولته المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وأدان القرار قتل المدنيين من الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى واستهدافهم، والتأكيد على ضرورة حمايتهم، وضرورة إطلاق سراح المدنيين وجميع الأسرى المعتقلين. وقد تحفظت على هذه الفقرة كل من الجزائر، وسوريا، والعراق، وتونس، وليبيا التى طالبت بتعديل نص فقرة أخرى بحيث تنص على دعم الشعب الفلسطينى فى الدفاع عن نفسه لما يتعرض له حاليا من عدوان وانتهاكات لحقوقه، ولم يؤخذ بذلك. كما تحفظ العراق على نص القرار الخاص بحل الدولتين. وأوضحت الدول المتحفظة أنها لا تقبل المساواة بين المحتل الإسرائيلى المعتدى والمقاومة الفلسطينية. 

ظلت مصر منذ اندلاع الأزمة مركزا للاتصالات من زعماء وقادة ووزراء خارجية دول عربية وأمريكية وأوروبية وغيرها، ومن أمين عام الأمم المتحدة ومنظمات أخرى، من أجل وقف التصعيد وما تقوم به إسرائيل من تدمير شامل لغزة وقتل المدنيين الأبرياء وفرض حصار شامل على غزة، ومن أجل فتح ممرات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية وخروج الأسرى والمحتجزين الأجانب، تمهيدا لوقف القتال والعمل على العودة إلى مفاوضات السلام وفقا للقرارات والمرجعيات الدولية ذات الصلة. 

لقد أصابت عملية «طوفان الأقصى» أمن وكرامة إسرائيل بكسور وجراح عميقة، وضربة قاصمة لنتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وهو ما دفع إسرائيل إلى القيام بعملية انتقام وتدمير شامل لغزة وسكانها فى إطار سعيها للقضاء على حماس، وتؤيدها واشنطن التى اعتبرت حماس مثل داعش. وإن كان ذلك يشفى جزئيا غليل إسرائيل، إلا أنه لن يجبر كسر أمنها وإهانة كرامتها، ولن يحمى نتنياهو من سقوط حكومته، ولن يعيد حاجز الخوف الذى كسرته عملية «طوفان الأقصى». وإن السبيل الأسلم والأكثر أمانا لإسرائيل فى الحاضر والمستقبل هو التخلى عن العناد والتعنت والغطرسة والاستجابة للعمل من أجل تحقيق السلام وحل الدولتين بإقامة دولة فلسطينية جنبا إلى جنب مع إسرائيل، وإنهاء الصراع الإسرائيلى العربى.

بدون ذلك لن تعيش إسرائيل فى أمان وسلام مهما دمرت وقتلت من الفلسطينيين. 

 

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات