حالات حب «واحد صحيح» يمكنها أن تكون أكثر عمقا.. أطول عمرًا - خالد محمود - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حالات حب «واحد صحيح» يمكنها أن تكون أكثر عمقا.. أطول عمرًا

نشر فى : السبت 17 ديسمبر 2011 - 5:20 م | آخر تحديث : الخميس 22 ديسمبر 2011 - 9:45 ص

كل الأفلام لها حقوق المواطنة الكاملة على شاشة المهرجانات سواء اتفقت مع أهوائنا أم لا

أتفق مع العراقى عرفان رشيد مدير برنامج الأفلام العربية بمهرجان دبى فى أن كل الأفلام لها حقوق المواطنة الكاملة على شاشة المهرجان، لأن المهرجان ــ أى مهرجان ــ هو وطن حقيقى لكل صناع السينما المبدعين يكثفون من خلاله رؤاهم وموجاتهم وتياراتهم السينمائية الجديدة، مهما اتفقت أهواؤنا مع أفكارها أو اختلف، مهما كانت تستحق الخوض فى مضمار المنافسة بدرجة كافية أو لا تستحق، المهم أننا نشاهد ما يدور فى خيال السينمائيين ونرى كيف يعبرون عن ذواتهم ومجتمعاتهم وإنسان اليوم.

 

كان «الحب فى الزمن الصحيح وفى المكان الصعب.. وفى الظروف الصعبة» هو عنوان يعبر عن عدة أفلام طرحت قصصا إنسانية معذبة فى الحب وفى تقرير مصير مشاعرها تجاه الطرف الآخر، ومن هذه الأفلام المصرى «واحد صحيح»، الذى شارك فى مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان دبى السينمائى، ومن أول وهلة يشدك اسم الفيلم ويجعلك تتساءل ماذا يعنى واحد صحيح!، وواقع الأمر أن الإجابة كانت صعبة رغم وضوح معالمها.. فبطلنا عبدالله مهندس ديكور شهير وشاطر، يبحث عبر عدة علاقات نسائية متشعبة ومتشابكة عن حب حقيقى.. عن امرأة تجمع كل الصفات المتناثرة عبر عاشقاته واللاتى يمثلن أكثر من نموذج وروح ومشاعر وفكر، وهى التيمة التى غزلها المؤلف تامر حبيب ويجيدها ولعب على وترها كثيرا ولنذكر هنا على سبيل المثال «سهر الليالى».. تامر يجيد الهروب من التعرض للطبقة الدنيا فى أعماله، ويرى أنها موجودة بكثرة على شاشة السينما، لأنه هنا وفى أفلام أخرى يفضل أن «ينكمش» فى مشاعر وأفكار أبناء وبنات الطبقة فوق المتوسطة والعليا، ففى الفيلم نرى عدة نماذج عبرت عن أوجاعها وأحلامها وأيضا عن هروبها من واقع إلى عالم ربما يكون غير منطقى، فهنا عبدالله الذى يرتبط ارتباطا وثيقا بصديقته المصورة الفوتوغرافية ــ بسمة ــ المطلقة من صديقه وشريكه فى العمل فادى ــ عمرو يوسف ــ لشعور الزوج بأن اهتمامها بعبدالله ــ هانى سلامة ــ غير طبيعى وربما يكون هناك عاطفة تجاهه، ونرى أيضا فريدة ــ رانيا يوسف ــ زوجة رجل الأعمال الشهير ــ زكى فطين عبدالوهاب ــ والتى تقع فى غرام عبدالله عقب الاتفاق على ديكور مشروع. هى تجد فى عبدالله العشيق الذى يعوضها عن فوارق الإحساس بالمشاعر بينها وبين زوجها ــ الذى بدا كشاذ ــ لكن عبدالله الذى يجاريها ويقيم معها علاقات نزوية يتهرب منها فجأة لظهور حبيبته الأولى مرة أخرى بعد غياب سنوات، وهى أميرة  أو ــ كندة علوش ــ فتاة مسيحية ابوها اسلم وتزوج، لكنها تصر على التمسك بعقيدتها ولهذا ترى استحالة اكتمال مشروع حبها مع عبدالله الذى طلب منها الزواج لكنها وبعد أن شعرت بالضعف وقبل أن تستسلم تماما، قررت الهروب مرة أخرى لأنها لا تريد أن تتخلى عن عقيدتها الدينية وضحت بحبها، وتفاجئ الجميع بذهابها إلى الكنيسة وترتدى ملابس الراهبات لتحسم الأمر..

 

 أميرة ألقت بنفسها بين أيادى ربنا، وجعلت علاقتها بالسماء أكبر وأهم من علاقتها مع الأرض، كندة علوش قدمت أداء مدهشا ومبهرا لشخصية صعبة بحق، كانت تعبيرات عينها التى تتحجر فيها الدموع مثيرة وعبرت عن عمق الشخصية التى أعتقد أنها ستشكل جزءا فارقا فى مشوارها ونضجها كممثلة، وأمسك بخيوطها جيدا وبطريقة أداء سلسلة هانى سلامة تظهر لنا شخصية مريم المذيعة التليفزيونية، صديقة بسمة والتى تحاول أن تلقيها بالاتفاق مع الأم فى طريق عبدالله ليتزوجها، ومريم التى جسدتها ياسمين كشفت عن وجه سينمائى مبهج وبرىء وجماله من جمال الحياة الصافية هو وجه بحق لو اشتغلت على نفسها أكثر وآمنت بموهبتها موهبة حقيقية وتدربت عبر شخصيات تضيف لهاــ سيكون لها مكانة مختلفة على شاشة السينما، وربما ستعيد إلينا فاتن حمامة مرة أخرى إذا لم أكن غير مبالغ، ومع تطور الأحداث التى ربطتها بصورة سردية قدمها المخرج هادى الباجورى وسارت متناغمة بفضل الموسيقى التصويرية الملهمة للتعبير عن المشاعر وإن كانت زائدة بعض الشىء فى أكثر من مشهد، نجد عبدالله يقرر الزواج بعد هروب أميرة من حياته.. وفى ليلة الفرح ــ مشهد النهاية ــ المدهش، حيث يقرر عبدالله الهروب من الفرح وقبلها تشعر العروسة بأن هناك شيئا غريبا ربما يحدث، ونرى صديقته التى قررت عدم حضور الفرح لتكشف عن شىء من الحب، تحاول أن تداريه بالرجوع فى قرار الذهاب.. لكن عبدالله فى النهاية هرب لأنه كان يريد أجمل ما جذبه فى الفتيات الثلاث فى امرأة واحدة على طريقة «امرأة واحدة لا تكفى».

ربما يكون هذا هو المشهد الأهم فى الأداء لهانى سلامة عبر الشخصية التى لا تخفى أن تشعر معها بأجواء فيلم حتى وان اختلفت الرؤية والمضمون.. لكنها الروح.

 

 

واقع الأمر أن التجربة مبشرة لهادى الباجورى فى أول أعماله السينمائية الروائية الطويلة، وأرى أن تيمة تجارب الحب الضائع وربما المستحيل سوف تقرب العمل أكثر من الشباب الذين لم تكتمل تجارب عشقهم، حتى وان كانت بعض الشخصيات داخل الفيلم تسير وفق منهج غير مقبول لكنه سلوك المشاعر مثلما وجدنا فى شخصية رانيا يوسف «مسز بيرفكت» والتطهر من الحب مثلما جاءت شخصية كندة علوش، والصمت الحزين كما ظهرت شخصية فادى  ــ عمرو يوسف ــ والتمسك بالحبيب اللا مبالى كما ظهرت ياسمين وهانى.. وكلها خطوط متشابكة من واقع حياة أحيانا تتغلب فيها الروح عن الروحانية وأحيانا العكس، وربما كان يمكن للتجربة والعواطف ولموجات الحب بها أن تكون أكثر عمقا فى بعض ملامح شخصياتها وأكثر عمقا فى حوارها، حينئذ ستكون أطول عمرا وأكثر تأثيرا.

خالد محمود كاتب صحفي وناقد سينمائي
التعليقات