نشر موقع 24 الإماراتى عرضا لمقال الكاتبة أنشال فوهرا على مجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، والتى أوردت فيه وجهات نظر أمريكية وغربية ترى فى محمود عباس الرهان الأفضل لإدارة قطاع غزة بعد تحقيق إسرائيل أهداف عمليتها العسكرية، والتى يأتى فى صدارتها القضاء على حماس.فى المقابل، تناولت الكاتبة آراء مسئولين إسرائيليين وفلسطينيين يرفضون المقترحات الغربية، مشككين فى قدرة عباس على إدارة القطاع، بالنظر إلى أنه فشل فى إدارة الضفة التى لايزال يحتاج لمساعدة الجيش الإسرائيلى فيها لفرض الأمن بها... نعرض من المقال ما يلى:
مع مرور أكثر من 40 يوما على الحرب فى غزة، لا يزال مستقبل القطاع بعد الحرب غامضا، وتحاول الولايات المتحدة الاستعداد لليوم التالى لاقتلاع حماس من السلطة، بالتزامن مع محاولات التودد إلى شخص فلسطينى مألوف لتولى المسئولية عن القطاع. والمشكلة هى أن المنقذ المحتمل لا يحظى بشعبية كبيرة.
فى زيارة إلى رام الله الأسبوع قبل الماضى، قال وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن إن السلطة الفلسطينية يجب أن تلعب دورا محوريا فى مستقبل غزة، ويتطلع إلى رئيسها محمود عباس، لتزويد أى خطة مستقبلية بالشرعية.
من جانبه، قال عباس (87 عاما) إن السلطة الفلسطينية مستعدة للتدخل، ولكن فقط «فى إطار حل سياسى شامل» ــ وهو الحل الذى يرى أنه سيتطلب إنشاء دولة فلسطينية مستقلة تشمل كامل الضفة الغربية، وقطاع غزة، والقدس الشرقية. وبالنسبة للغرب فهو يعرف عباس ويعتقد أنه يستطيع الاعتماد عليه باعتباره رجل سلام، إذ صقلت أوراق اعتماده فى خضم الانتفاضة الثانية، عندما امتلك الشجاعة لتحذير رئيسه ــ ياسر عرفات ــ من التحريض على العنف. وعلى مدى ما يقرب من ثلاثة عقود كرئيس للسلطة الفلسطينية، عارض باستمرار التمرد المسلح كوسيلة للضغط، على إسرائيل والغرب من أجل الحصول على إقامة دولة، لكنه فشل أيضا فى تأمين السلام الدائم، بما فى ذلك فى الأراضى التى يشرف عليها.
تشن قوات الأمن الإسرائيلية غارات فى أجزاء من الضفة الغربية، وخاصة فى جنين، التى تعد موطنا لبعض المسلحين بما فى ذلك أعضاء حماس والجهاد الإسلامى. وفى حين يرى الشعب الفلسطينى أن مثل هذه الغارات علامة على تواطؤ عباس مع إسرائيل، فإن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتبرها نتيجة لعجزه عن احتواء التطرف فى المناطق التى يتولى مسئوليتها. ورغم هذا فإن إسرائيل ما زالت تأمل أن تتمكن من الاعتماد على عباس والسلطة الفلسطينية فى تهدئة مخاوف العالم العربى والإسلامى فى أن تظل غزة أرضا فلسطينية. لذا ربما تعاونت عملية حماس وسياسات اليمين المتطرف بإسرائيل فى إعطاء عباس موعدا مع القدر وفرصة أخيرة للدفع باتجاه حل الدولتين.
يقول حسن جبارين، مؤسس منظمة غير حكومية للمساعدة القانونية للعرب الإسرائيليين تسمى عدالة، إنه من وجهة نظر عباس، قد يكون آخر رجل صامد «لقد أصبح الآن الورقة الحقيقية فى المفاوضات، والسياسى الذى يمكن للمجتمع الدولى أن يتحدث معه». ويعتقد أنه لم يكن لديه جيش حماس، ولكن لأنه شخص مسالم اختار طريقا واضحا للسلام، فهو الشخص الوحيد الذى تبقى. قال جبارين: «هكذا يرى الأمر.. لقد أضعفه كل من حزب الليكود بزعامة نتنياهو وحماس، لكن الشخص الضعيف أصبح ذا أهمية الآن».
تصور جبارين مصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية فى النهاية، باسم الصداقة الحميمة القومية. معتقدا أن القرار سيكون أن تتواجد السلطة الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية، سلطة واحدة لشعب واحد، وأن حماس ستفسح المجال للسلطة الفلسطينية لإعطائها الشرعية مقابل البقاء. وعلى الرغم من إخفاقاته العديدة، فقد قام عباس بتفكيك الجناح العسكرى لحركة فتح، وأبقى الضفة الغربية هادئة نسبيا، ونجح فى تجنب انتفاضة أخرى، وحذر من حماس مرارا وتكرارا. وفى عام 2009، نقل عن قادة حماس أنفسهم قولهم إنهم لا يهتمون إذا «تم محو غزة». وربما يكون الوضع الحالى فى غزة قد أثبت صحة كلامه.
بينما يقول ياسر، مواطن مقدسى: «أريده أن يرحل (عباس) ــ لا ينبغى أن يكون رئيسا فلسطينيا.. لقد تم قتل الآلاف فى غزة، فماذا فعل؟» وأضاف: «إنه ينسق مع إسرائيل»، فى إشارة إلى التنسيق الأمنى بين السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلى فى أجزاء من الضفة الغربية.
أما رياض (54 عاما)، مواطن فى البلدة القديمة، فقد عبر عن مشاعره الإيجابية تجاه هجوم حماس، وقال إنه يشعر بفخر كبير بجرأة الهجوم على الرغم من أنه لا يؤيد قتل «أى مدنيين»، رغم أنه رفض الرد عندما سئل عما إذا كان حزينا على مقتل إسرائيليين. وقال: «نحن لا نحب السلطة الفلسطينية أو عباس لأننا نرى أنفسنا مقاتلين من أجل الحرية، وعباس يريد التفاوض». (يعتقد ما يقرب من نصف الشعب الفلسطينى أنهم قادرون على تحقيق أهدافهم السياسية من خلال فوهة البندقية وليس المفاوضات). إلا أن رياض عاود وناقض نفسه بعد ذلك بقوله: «إنه (عباس) حكيم إلى حد ما، فهو يريد التوصل إلى حل وسط. وفى نهاية المطاف، حتى الناس من غزة يقولون لى إنهم يريدون أن يعيشوا بجوار أطفالهم وزوجاتهم. المشكلة هى أن سلامه هو سلام غير عادل».
إذن، يخشى بعض من الشعب الفلسطينى من أن يتنازل عباس أكثر مما هم مستعدون له. ففى مقابلة تلفزيونية عام 2012، بدا عباس وكأنه تخلى عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين المنتشرين فى جميع أنحاء العالم عندما قال إنه لن يطالب بحق العودة إلى منزل أجداده فى صفد فى الجليل، عندما غادره مع عائلته فى عام 1948. كما يتعرض لانتقادات بسبب تشبثه بالسلطة (تم انتخابه فى عام 2005 لفترة من المقرر أن تنتهى فى عام 2009) ، وعدم السماح للدرجة الثانية من القادة الفلسطينيين باكتساب الخبرة والشرعية بينما لا يزال فى السلطة.
نتيجة لإخفاقات عباس العديدة هذه أصبح رئيسا فلسطينيا لا يحظى بشعبية كبيرة، إذ يريد ما يصل إلى 80% منه أن يستقيل، وفقا لاستطلاع حديث أجراه المركز الفلسطينى للبحوث السياسية والمسيحية ومقره رام الله.
• • •
رفض عيران ليرمان، نائب مستشار الأمن القومى الإسرائيلى بين عامى 2006 و2015، تعليق بلينكن بأن السلطة الفلسطينية «الفعالة والمنشطة» يجب أن تدير القطاع فى نهاية المطاف. وقال فى مقابلة مع مجلة فورين بوليسى إنه «إذا كان بلينكن يريد سلطة فلسطينية فعالة، فقد يتعين عليه اختراعها».
ويضيف: «الطريقة التى يتم بها تشكيل السلطة الفلسطينية حاليا هى ببساطة غير مناسبة للمهمة. لا يمكنهم البقاء تحت السيطرة لمدة أسبوع. إنهم غير قادرين على إدارة الأمن حتى فى المنطقة (أ) [من الضفة الغربية] دون عمليات مستمرة من قبل الجيش الإسرائيلى ضد مقاتلى حماس والجهاد الإسلامى»، فى إشارة إلى التطرف فى الجزء من الضفة الغربية الذى يقع تحت السيطرة المدنية والأمنية الكاملة للسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو. وربما أخذ بلينكن ذلك فى الاعتبار، ومن هنا جاءت توصيته بأن تتدخل المؤسسات الدولية لتوفير الخدمات الأساسية والأمن فى الجيوب الفلسطينية.
إلا أن الجانب الإسرائيلى ليس حريصا على تسليم المسئولية الأمنية إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وقال نتنياهو إن إسرائيل ستتولى مسئولية الأمن فى غزة «لأجل غير مسمى». ويشكك العديد من الإسرائيليين الآخرين فى جدوى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. إذ قال ليرمان: «إنهم فى لبنان، لكنهم لم يتمكنوا من منع حزب الله من إطلاق النار على إسرائيل». وأضاف أن إحدى الأفكار هى بدلا من ذلك تجنيد قوة مختلفة لإنفاذ القانون متعددة الجنسيات للحفاظ على الأمن، على غرار المجموعة العاملة فى منطقة سيناء المصرية لضمان تنفيذ معاهدة 1979 مع إسرائيل. لكن الخبراء والسياسيين الفلسطينيين يرفضون كل هذا التخطيط ويعتبرونه مجرد تفكير بالتمنى معلقين بسخرية «أهلا وسهلا».
النص الأصلي