حلم الجنزورى وكابوس الخصخصة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 1:49 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حلم الجنزورى وكابوس الخصخصة

نشر فى : الأربعاء 18 ديسمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 ديسمبر 2013 - 8:00 ص

أعتقد أننى كنت أول من سارع لشراء كتاب (طريقى) للدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء الأسبق فى زمن مبارك، وفى زمن المجلس العسكرى والمستشار الاقتصادى لرئيس الجمهورية الحالى. الحقيقة أن ما دفعنى لاقتناء الكتاب ليس حجم الاحتفاء به من جانب كبار القوم فى البلد. ولكن لأننى كنت أراهن نفسى على أن الدكتور الجنزورى كان سينتهز فرصة الكتاب ليحدثنا عن سنوات وخز الضمير التى عاشها منذ التسعينيات وحتى الآن، أو عن الأيام الطوال التى هرب فيها النوم من عينيه بسبب ما فعله فى ملف الخصخصة.

وكنت أحادث نفسى وأنا أقرأ الكتاب لكى أدربها على نعمة الصفح. ولما لا أصفح ويصفح الكثيرون غيرى عن الدكتور الجنزورى إذا ما كان قد ندم على ما فعله بنا، وبالآلاف من العمال الذين ناموا فى بيوتهم فى عز شبابهم بلا عمل وبلا مرتب بعد أن أنفقوا ما حصلوا عليه من معاش مبكر فى شهور قليلة. بعد ما أخرجهم نظام الجنزورى من العنابر إلى السراير. كنت أنوى أن أقرأ، ثم أتصفح، وبعدها أضع الكتاب فى رف على المكتبة، وأنسى الأمر برمته.

ولكن بعد أن وقعت عينى فى الكتاب الذى يحمل عنوانا (سنوات الحلم والصدام والعزلة) على عبارة «أشاع فى نفسى رضا ذاتى لا حدود له» لم أستطع إلا مواصلة الكتاب لآخره دفعة واحدة حتى أبحث عن مصدر هذا الرضا. وبعدها لم أستطع أن أضع الكتاب فى رف المكتبة، ولم اقو على أن أنسى الأمر. رضا الدكتور الجنزورى كان مبنيا على أنه ألتزم وحرص على أن «يكون المال العام ملكا الناس أجمعين. وأن يوجه إلى ما يعود بالنفع على الغالبية من أفراد الشعب».

•••

يعترف الدكتور كمال الجنزورى ان الاتفاق مع صندوق النقد الدولى كان يتطلب ليس فقط «الإسراع فى بيع شركات القطاع العام، ولكن ان نبدأ بالمشروعات الكبرى بغض النظر عن اهميتها أو ربحيتها للمجتمع. وأيضا بيع بنك من البنوك العامة». وذلك ضمن طلبات أخرى صعبة جدا مثل تخفيض سعر الجنية المصرى، وزيادة اسعار البنزين، والسولار والبوتاجاز والمازوت، وفرض ضرائب جديدة.

واللافت أن الدكتور الجنزورى لم يفرد إلا صفحة ونصف لملف خطير مثل الخصخصة تحت عنوان «خصخصة تحت الرقابة». فى حين أن كثيرين غيرى كانوا يتوقعون أن يلقى هذا الملف اهتماما مبالغا فيه للرد على الأحكام القضائية التى صدرت وتقول، بكل ما أوتى القضاة من قوة، أن فسادا لحق ببيع الشركات التى ذهب العمال بها إلى ساحة القضاء.

يقول الدكتور الجنزورى والذى استمر رئيسا للوزراء من 1996 إلى 1999 «كان الانضباط أمرا ضروريا لوضع القواعد العامة للخصخصة. فقررت اللجنة الوزارية للخصخصة أن تبقى الاغلبية فى قطاعات معينة مثل الادوية والاسمنت والحديد والاسمدة والمحالج والمطاحن. بحيث تصبح الخصخصة غير مؤثرة سلبا على صالح الوطن والمواطنين. والمعروف ان الانشطة الاستراتيجية عادة ما يتبعها أراض شاسعة وخاصة المصانع التى كانت تشغل احوزة ضيقة، ويترك الباقى لأغراض المرافق أو التخزين. فوضعت اللجنة ضابطا بحيث تستبعد الأراضى التى ليس عليها مصانع، فتبقى مملوكة للشركات القابضة».

ولم يكتف الدكتور الجنزورى بهذا القدر من إراحة الضمير ولكن أضاف «وكان يجب عند البيع ان يبقى النشاط ولا يجوز تغييره، والتأكد من الحفاظ على قوة العمل».

•••

ولكن الحقيقة التى لم يرد الدكتور الجنزورى أن يذكر عنها شيئا حتى لا تأتى له فى كوابيس تحرمه من النوم الهادئ، هو أنه خلال فترة رئاسته للوزراة تم بيع 97 شركة من أفضل شركات القطاع العام. بل وأن معظم هذه الشركات كانت تعمل فى المجالات التى رأى رئيس الحكومة الأسبق أن بيعها يؤثر سلبا على صالح الوطن. والأدهى من ذلك أن من ضمن ما تم خصخصته شركات صدر لها أحكام قضائية بردها إلى الدولة لأنها بيعت بأساليب فاسدة مثل الشركة العربية للتجارة الخارجية، وشركة أسمنت أسيوط، وشركة النيل لحليج الأقطان. وهناك شركات ما زالت أمام ساحات القضاء للحكم بردها مثل شركة الورق للشرق الأوسط سيمو.

الدكتور الجنزورى شهد على بيع، أو تم الاتفاق فى عهده وجاء التنفيذ بعد ما خرج من الوزارة، ما يقرب من مائة شركة. بعضها تم بيعها بالكامل، والبعض الآخر تم بيع جانب من أسهمها، وكان من ضمنها شركات استراتيجية (طمأن قلب قراء كتابه بأنها عصية على البيع لصالح الوطن). ومن ضمن هذه الشركات أسمنت أسيوط، وأسمنت بنى سويف، وأسمنت حلوان، والشركة العربية لحليج الأقطان، وشركة النيل لحليج الأقطان، ومطاحن ومخابز جنوب القاهرة، ومطاحن مصر العليا، ومطاحن مصر الوسطى، ومطاحن شرق الدلتا، ومطاحن إسكندرية، ومضارب الدقهلية، ومضارب الشرقية، ومضارب رشيد، ومضارب كفر الشيخ. إلى جانب الشركة العربية للأدوية، وممفيس للأدوية، وكذلك شركة إيديال، وفندق سان استفانو، وفندق البرج، وبسكو مصر.

•••

والدكتور جنزورى الذى أراد فى كتابه أن يطمئن قلوبنا على ذلك الانضباط الذى صاحب عمليات الخصخصة، يبدو أنه لم يقم بزيارة خاطفة لمصنع أسمنت أسيوط الذى بيع فى نوفمير 1999 بعد أقل من شهر على خروج الجنزورى من الوزارة، ولكن الطرح كان قد تم فى مارس من نفس العام وهو فى رئاسة الحكومة. لو كان الدكتور الجنزورى ذهب إلى هناك لعرف أن الشركة المكسيكية المشترية للمصنع والتى صرح مسئولوها لوكالة بلومبرج أنها حققت فى مصر أعلى ربح من كل فروعها فى الخارج. هذه الشركة فازت بالمصنع وفوقه مزرعة كبيرة، وعدد من الاستراحات، والفيللات، والشاليهات، وفندق، وحمام سباحة، وميناء نهرى، ومحطة تعبئة، ومصنع طوب.

وليس هذا كل ما فى الأمر بل إن العمال فى نفس الشركة خرجوا للمعاش المبكر مكرهين. ولم يتم الاحتفاظ بالعمالة كما وعد الدكتور الجنزورى قراءه. وهو ما جاء فى نص حكم المحكمة الذى قضى ببطلان خصخصة الشركة «من أنه ثبت للمحكمة أن العاملين تعرضوا لإكراه نفسى ومعنوى من جهاز مباحث أمن الدولة لإجبارهم على المعاش المبكر. وثبت للمحكمة أيضا ما لحق بهم من ضغوط من الشركة المشترية لإجبارهم على المعاش المبكر. دون أدنى اهتمام لما قطعته الشركة على نفسها من وعود بالمحافظة على العمالة».

ولعل زيارة قصيرة أخرى للجيزة حيث مقر شركة تليمصر التى اشتراها أحد التجار بشارع عبدالعزيز بعد أن عرف أنها باعت فى السوق المحلية 10 ملايين تليفزيون ــ على حد قوله. هذه الزيارة كانت ستكشف، للمطمئنة قلوبهم، أن المصنع تم تأجيره لشركات تركية لتصنيع الملابس الجاهزة، والأرض الفضاء تم تجهيزها لتحويلها إلى مول تجارى. ولم يعد هناك لا مصنع للتليفزيونات ولا عمال ينتجون.

ولا أريد أن أجهد الدكتور جنزورى بزيارات أكثر من ذلك فيمكن أن يقوم أحد ممن أطمأنت قلوبهم بعد قراءة الكتاب على سلامة الخصخصة بالذهاب مشوارا إلى شركة المعدات التليفونية التى أوقف العمل فيها تماما. وتم الانتهاء من جميع الإجراءات لبيع أراضى الشركة. ولولا صمود عمالها لكان البيع قد تم من زمن بعيد.

والدعوة قائمة لقراء الكتاب المطمئنة قلوبهم من أن الخصخصة كانت من أجل التنمية، أن يعفروا أحذيتهم بتراب المصانع التى بيعت. لعلهم إما أن يناموا نوما هادئا، أو تنتابهم كوابيس لا مهرب منها إلا بالشد على يد كل من يريد إعادة الشركات المباعة إكراها وجبرا وبمباركة صندوق النقد.

عفروا أحذيتكم وبعدها ناموا كما تشاءون.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات