مشروع مارشال.. المساعدات الاقتصادية فى العلاقات الدولية - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشروع مارشال.. المساعدات الاقتصادية فى العلاقات الدولية

نشر فى : السبت 18 ديسمبر 2021 - 7:35 م | آخر تحديث : السبت 18 ديسمبر 2021 - 7:35 م

رغم أن استخدام الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول هى واحدة من أقدم الأدوات المستخدمة فى العلاقات الدولية، إلا أن التركيز على مبدأ المساعدات الاقتصادية والمنح بعد الحرب العالمية الثانية أصبح من أهم الأدوات الثابتة والأكثر تأثيرا فى عالمنا المعاصر!
يتساءل البعض لماذا قد تقوم دولة ما بإعطاء مساعدات اقتصادية ومنح تقنية لدولة أخرى؟ ما هو النفع الذى قد يعود عليها؟ هل المساعدات الاقتصادية هى نوع من أنواع الهبات التى تعبر عن حسن النية فى العلاقات الدولية أم أن هناك أهدافا أخرى خفية أو معلنة وراء هذه المساعدات؟
•••
يمكن بداية تتبع مسألة المساعدات الاقتصادية والتقنية فى العلاقات الدولية بالتركيز على مشروع مارشال. أو ما يعرف ببرنامج التعافى الأوروبى والذى يتم نسبه إلى وزير الخارجية الأمريكى جورج مارشال. هذا المشروع الذى كان من صياغة وزارة الخارجية الأمريكية كان من أول المشاريع لتقديم المساعدات الاقتصادية الدولية بعد الحرب الثانية تمهيدا لسلسلة ما زالت مستمرة من برامج المساعدات الدولية التى تقدم بواسطة الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم المتقدم.
مع نهاية الحرب العالمية الثانية كان وزير الخزانة الأمريكى هنرى مورجنثاو يضغط على الإدارة الأمريكية من أجل تنفيذ خطة للتعامل مع ألمانيا بعد نهاية الحرب. كانت خطة مورجنثاو تعتمد بالأساس على ما سبق وتم تنفيذه بعد الحرب العالمية الأولى حينما تم تحطيم الترسانة العسكرية الألمانية والتركيز على تفكيك القدرات الصناعية لألمانيا كواحدة من أدوات ضمان السيطرة عليها! لكن فطنت الإدارة الأمريكية إلى أنها على وشك أن تكرر نفس الخطأ الذى ساعد ألمانيا على التطرف بعد الحرب الأولى حينما استغل النازى تلك العقوبات والسياسات لاستنفار النعرات القومية، فقررت الإدارة الأمريكية بدفع الأمر إلى وزارة الخارجية للبحث عن بدائل.
فى تلك الفترة قام وزير الخارجية جورج مارشال بتشكيل مجموعة عمل من كبار موظفى الوزارة لصياغة الخطة والتى انتقلت بدورها للمناقشة فى الكونجرس الأمريكى وتحديدا لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ. اتصلت اللجنة بهارولد مولتن رئيس مؤسسة بروكنجز وهى أحد مراكز الفكر والبحث الشهيرة بالولايات المتحدة من أجل المساعدة فى صياغة المشروع، ومن هنا خرجت الخطة والتى بدلا من تدمير القدرات الألمانية سعت إلى تطبيق خطة مساعدات اقتصادية طموحة تهدف إلى إعادة إعمار أوروبا وتنشيط اقتصادها، وتم تمريرها فى الكونجرس بعد الكثير من الجدل وخصوصا من النواب الجمهوريين الذين عارضوا الخطة فى البداية.
بالاطلاع على الوثيقة الأصلية التى أصدرتها مؤسسة بروكنجز إلى الكونجرس بخصوص المشروع (منشورة على موقع المؤسسة باللغة الإنجليزية)، يمكن ملاحظة حرص المؤسسة على تحقيق أربعة مبادئ رئيسية من وراء هذا المشروع وهى:
1ــ التأكيد على دور الاقتصاد فى التأثير على السياسات العامة للدول عبر خلق فرص عمل وبنية تحتية أفضل تساعد على الاستثمار.
2ــ إعادة التأكيد على النظرية الليبرالية التى تؤكد على مبدأ حرية التجارة كمعزز للتعاون والسلام بين الدول.
3ــ دور المساعدات الاقتصادية فى تغيير القيم المجتمعية والثقافية للشعوب وجعلها أكثر ميلا للتعاون وأشد معارضة للحروب.
4ــ التأكيد على ضرورة خلق حواجز لإيقاف المد الشيوعى فى أوروبا الغربية.
كانت معظم تفاصيل الوثيقة التى أصدرتها بروكنجز تتعلق بالجوانب التنفيذية والتنظيمية للمشروع، ويمكن اعتبار الوثيقة أحد الأمثلة الحية على دور مؤسسات صناعة الفكر والبحث فى توجيه السياسات الدولية للدول الكبرى وهو الأمر المستمر حتى اللحظة.
•••
حاولت الولايات المتحدة فى البداية تقديم المشروع إلى دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتى، ولكن الأخير رفض وبشدة وضغط على الدول الشرقية (بولندا، المجر، رومانيا، ألمانيا الشرقية) لرفض المشروع أيضا وعوضا عن ذلك قدم وزير الخارجية السوفيتى فيتشسلاف مولتوف خطة بديلة مماثلة لمشروع مارشال، ولكن لدول الكتلة الشرقية وإن لم تكن بنفس النجاح أو بنفس سخاء مشروع مارشال، خاصة وأن الاتحاد السوفيتى أصر على أن تدفع دول أوروبا الشرقية التى شاركت مع دول المحور أو وقفت على الحياد تعويضات له!
استمر مشروع مارشال لمدة ٤ سنوات (١٩٤٧ــ١٩٥١) وتم صرف زهاء ١٧ مليار دولار لثمانية عشر دولة أوروبية (ما يقارب ٢٠٠ مليار دولار بأسعار الوقت الراهن)، وكانت أكبر الدول المستفيدة هى على الترتيب بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وقد ركز البرنامج على مشاريع البنية التحتية والتصنيع والتجارة الدولية والذى بدوره خلق الكثير من فرص العمل فى دول أوروبا الغربية.
ورغم اختلاف التقديرات بشأن دور المشروع فى تنشيط الاقتصاد الأوروبى، إلا أن المتفق عليه هو أن المشروع كان بمثابة بداية إحياء أوروبا الغربية وربطها بنمط قيم موحد قائم على التعاون الاقتصادى والتجارة الحرة والديموقراطية المرتبطة بالليبرالية الاقتصادية. لذلك كانت واحدة من أهم نتائج نجاح هذا المشروع هو اتباع مشاريع مماثلة فى آسيا ثم لاحقا فى الشرق الأوسط وأفريقيا. كما أن المشروع الذى توقف فى عام ١٩٥١ فى أوروبا تم استبداله بمشروع جديد للدعم الاقتصادى والأمنى المشترك بين الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا استمر لمدة ١٠ سنوات بميزانية بلغت حوالى ٧٥ مليار دولار قبل أن يتم استبداله بمشروع اقتصادى جديد فى ١٩٦١ وهكذا!
يعتقد أيضا أن مشروع مارشال هو البداية الحقيقية لمشروع الوحدة الأوروبية الذى تحول بعد نصف قرن إلى الاتحاد الأوروبى وعملته الموحدة وهو أيضا بداية تدشين سياسة المساعدات الدولية فى العلاقات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية التى أصبحت ترتبط أيضا بما يعرف بالمشروطية السياسية. أى اشتراط اتخاذ الدول المستقبلة للمساعدات للعديد من الإصلاحات السياسية والحقوقية كشرط لاستمرار برنامج المساعدات، وهو الأمر الذى سبب وما زال الكثير من اللغط بين الولايات المتحدة والدول الغربية المانحة من جهة، وبين الدول المستقبلة للمنح من جهة أخرى!
كذلك فقد شجع نجاح مشروع مارشال الولايات المتحدة لتوحيد وتنسيق جهودها المؤسسة فى تقديم الدعم الاقتصادى والعسكرى والتقنى للدول المستقبلة للمنح من خلال إنشاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمعروفة اختصارا بـUSAID وهى الوكالة التى أنشئت فى ١٩٦١ وتنسق العمل بين أكثر من ٢٠ جهة أمريكية حكومية لتقديم مساعدات اقتصادية وسياسية وعسكرية وإنسانية لأكثر من ١٠٠ دولة فى أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية ودول شرق أوروبا وبميزانية سنوية تقترب من ٣٠ مليار دولار أمريكى! وتعد هذه الوكالة حاليا واحدة من أهم وأنجح أدوات السياسة الخارجية الأمريكية وهو الأمر الذى شجع العديد من الدول الأخرى (الاتحاد الأوروبى واليابان على سبيل المثال)، لتقديم مساعدات مماثلة.
أستاذ مساعد زائر للعلاقات الدولية بجامعة دنفر

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.