صفقة القرن: خطاب قديم فى غلاف جديد - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 7:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صفقة القرن: خطاب قديم فى غلاف جديد

نشر فى : الإثنين 19 أغسطس 2019 - 10:35 م | آخر تحديث : الإثنين 19 أغسطس 2019 - 10:35 م

فى زيارة لم تلقَ اهتماما من وسائل الإعلام المصرية، قام جاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكى ومستشاره بجولة فى عدد من الدول العربية ومن بينها مصر خلال الأسبوع الأول من شهر أغسطس الحالى. وكان هدف هذه الجولة الترويج لمبادرة الإدارة الأمريكية لتحقيق السلام بين العرب والإسرائيليين تحت اسم «السلام من أجل الرخاء» والمعروفة إعلاميا باسم «صفقة القرن». وقد سبق ذلك عرض هذه المبادرة فى ورشة عقدت بالبحرين فى ٢٥ و٢٦ يونيو الماضيين.

وقد أثارت هذه الورشة فى حينها العديد من المشاعر الحادة بين مؤيد للتعاطى مع الصفقة وبين معارض لها بشدة، الأمر الذى لم يثنِ الولايات المتحدة عن أن تمضى قدما فى محاولاتها لتفعيل هذه المبادرة. وهو ما يعنى أيضا استمرار طرح هذه المبادرة على الجانب العربى الذى عليه التعامل معها بشكل أو آخر. وهنا نود التذكير ببعض النقاط التى قد تكون غابت عن البعض ــ بقصد أو دون قصد ــ أثناء المناقشات التى دارت حول هذه المبادرة.

أولى هذه النقاط، أن الرئيس الأمريكى الحالى دولاند ترامب قد سبق له وأن أعلن منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض منذ عامين ونصف العام تقريبا عن تبنيه لما ادعاه من مقاربة جديدة لحل الصراع العربى الإسرائيلى تختلف عن المقاربات السابقة التى ثبت فشلها طبقا لقوله. وكانت هذه المقاربة الجديدة ــ من وجهة نظره ــ تقوم على فرضية أن الجهود السابقة قد فشلت لإصرارها على حل المشكلة الفلسطينية أولا، ثم يأتى بعد ذلك تحقيق السلام فى الإقليم الأوسع بين الدول العربية وإسرائيل، أى من الداخل إلى الخارج حسب تعبيره. فى حين أن المطلوب ــ والكلام هنا لترامب ــ هو مقاربة جديدة تقوم على البدء من الخارج، أى من الإقليم الأوسع، إلى الداخل، أى القضية الفلسطينية. وبمعنى أوضح؛ أن يكون تحقيق السلام أولا بين الدول العربية وإسرائيل هو الطريق الذى يمهد لحل المشكلة الفلسطينية لاحقا.

هذه المقاربة التى قيل إنها «جديدة »، لم تكن سوى محاولة أخرى وسط سلسلة من المحاولات الأمريكية والإسرائيلية للالتفاف حول مبادرة السلام العربية التى تقضى بتطبيع العلاقات بين إسرائيل وبين الدول العربية ولكن بعد انسحاب إسرائيل من الأراضى العربية المحتلة أولا.
ثانيا، جاءت مبادرة/مقاربة ترامب هذه بعد أن تم بلورتها فى مشروع اقتصادى لا يختلف كثيرا فى مضمونه وأهدافه عما كان يروج له شيمون بيريز رئيس وزراء إسرائيل الأسبق ثم رئيسها فى كتابه بعنوان «الشرق الأوسط الجديد» فى بداية التسعينيات. والذى قام فيه بيريز بعرض الفوائد التى ستعم على الجميع، عربا وإسرائيليين، من الدخول فى مشاريع اقتصادية مشتركة، أو ما أطلق عليه بعد ذلك بـ«التعاون الإقليمى». وقد استند بيريز على نظرية فى العلاقات الدولية انتشرت بعد الحرب العالمية الثانية تذهب إلى أن أفضل الطرق لتحقيق السلام ومنع الحروب بين الدول يكون من خلال إنشاء شبكة واسعة من العلاقات والمصالح الاقتصادية المشتركة. وأنه كلما تعمقت وتزايدت هذه المصالح والعلاقات بين الدول، كلما تناقصت فرص نشوب الحروب والنزاعات المسلحة بينها، حيث تصبح تكلفة الحرب حينئذ أكثر فداحة فى حالة عدم وجود مثل هذه المصالح والعلاقات الاقتصادية والتجارية المشتركة. كان هذا المنطق وراء إنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والصلب فى عام ١٩٥١، والذى مهد بعد ذلك لإنشاء السوق الأوروبية ثم الاتحاد الأوروبى حاليا. وعلى الرغم من اختلاف الظروف والملابسات التى أحاطت بظهور ونشأة الحروب فى أوروبا من خلال حربين عالميتين عن الحروب العربية الإسرائليية فى الشرق الأوسط، إلا أن بيريز عمد إلى اقتباس واستخدام هذه النظرية وبما يتلاءم مع أهداف إسرائيل وتحقيق مصالحها فى المنطقة.
ثالثا، واتصالا بما سبق، عرض السيد عمرو موسى فى مذكراته بعنوان «كتابيه» فى الفصل الثامن المعنون «مكافحة الشرق أوسطية والهرولة» جميع المحاولات الإسرائيلية، ومن ورائها الولايات المتحدة، فى الترويج لأفكار شيمون بيريز هذه، والتغاضى عن القضايا الرئيسية من سلب حقوق الشعب الفلسطينى إلى ما تشكله إسرائيل من تهديد على مختلف الدول العربية، وخاصة مصر، بسعيها لامتلاك سلاح نووى من أجل فرض هيمنتها على المنطقة. وكيف أن الهدف من عقد العديد من الاجتماعات والمؤتمرات فى فترة التسعينيات تحت مسمى «التعاون الإقليمى» هو الترويج لفكرة أن إسرائيل لا تشكل مصدر خطر أو تهديد على جيرانها، ولكنها تشكل مصدر رخاء وثروة لو قبلت الدول العربية فقط ان تتعاون معها، ودون النظر إلى تطورات القضية الفلسطينية.

رابعا، انعكس هذا التفكير الإسرائيلى / الأمريكى فى حل المشكلة الفلسطينية ومن ثم الصراع العربى الإسرائيلى من خلال التخلى تدريجيا عن مبدأ «الأرض مقابل السلام» إلى الحديث عن «السلام من أجل السلام». ومن الحديث عن دولة فلسطينية مستقلة إلى الحديث عن حكم ذاتى للفلسطينيين، لا يرقى حتى لأبسط الحقوق السياسية وفيه تكريس للاحتلال، ولكن بعد تجميله والتخفيف منه وتحويله إلى نوع من الاحتلال الناعم، مع العودة لطرح رئيس الوزراء الإسرائيلى الحالى بنيامين نتنياهو فى ٢٠٠٨ فكرة «السلام الاقتصادى».
خامسا، تأتى المبادرة الأمريكية الأخيرة هذه وقد شهدت المنطقة العربية الكثير من المتغيرات السياسية فى الآونة الأخيرة والتى بدلت الكثير من المبادئ والثوابت التى كانت تحكم الشرق الأوسط والمنطقة العربية طوال الفترة الماضية. أول هذه المتغيرات وأهمها فى هذا السياق هو تراجع القضية الفلسطينية عن موقعها كقضية العرب الأولى وليصبح الخطر الإيرانى فى نظر البعض أشد ضراوة من الخطر الإسرائيلى. وهو ما أدى إلى تراجع أولوية حل القضية الفلسطينية قبل البحث فى أى علاقات أو تحالفات بين الدول العربية أو بعضها وبين إسرائيل. ولم يعد حل القضية الفلسطينية وانسحاب إسرائيل من الأراض العربية المحتلة الشرط الذى يحول دون إقامة مثل هذا التعاون فى مواجهة إيران كما كان يحدث من قبل. الأمر الذى أدركت معه الإدارة الأمريكية الحالية أن الظروف قد أصبحت مهيأة الآن وأكثر من أى وقت مضى لإعادة طرح محاولاتها السابقة بتطبيع العلاقات بين العرب وإسرائيل أولا قبل حل القضية الفلسطينية مثلما تنص مبادرة السلام العربية، ولكن بثوب جديد.

وهنا بيت القصيد، فالهدف ليس حل القضية الفلسطينية، ولكن بدء علاقات اقتصادية وتجارية بين الدول العربية وبين إسرائيل. وتأتى دول الخليج العربية فى المقدمة نظرا لما تملكه من ثروات تستطيع معها تقديم الجزء الأكبر من الاستثمارات المطلوبة لتمويل المشاريع التى تم طرحها فى ورشة البحرين. وهو ما يعنى عمليا قبول الدول العربية وخاصة الخليجية بتنحية مبادرة السلام العربية، والشروع فى تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون انتظار لحل المشكلة الفلسطينية. فهل ستبحث الدول العربية عن طرح مبادرة جديدة لحل الصراع العربى الإسرائيلى بعد أن تجاوزت الأحداث مبادرة السلام العربية، أم ستكتفى برؤية توارى المبادرة العربية فى صمت وتشارك الولايات المتحدة وإسرائيل فى تحقيق حلم شيمون بيريز بالشرق الأوسط الجديد؟

التعليقات