أفكار حول إضراب الأطباء - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 9:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أفكار حول إضراب الأطباء

نشر فى : الجمعة 19 أكتوبر 2012 - 8:50 ص | آخر تحديث : الجمعة 19 أكتوبر 2012 - 8:50 ص

يقترب إضراب الأطباء من الدخول إلى شهره الثانى، ولم يتحقق إلى الآن أى مطلب من المطالب التى رفعها. لا ينكر أحد أن للأطباء حقوقا مهدرة، وأن المنظومة الصحية بكاملها شبه منهارة، بدءا من الدراسة الجامعية فى كليات الطب، وحتى الممارسة العملية. هناك عيادات خاصة يحصل الأطباء فيها وهم غالبا من أساتذة الجامعات على أجور كشف مخيفة، تعادل ضعف مرتب موظف متوسط الحال، بينما هناك أطباء فى مستشفيات حكومية تابعة لوزارة الصحة لا يتحصلون إلا على الفتات.

 

تلك المستشفيات التابعة لوزارة الصحة هى فى حد ذاتها وصمة عار على جميع المستويات، يحاول المريض صرف الدواء المكتوب من صيدلياتها فلا يعثر عليه، ويرفض المسئول أن يكتب رسميا أن الدواء ناقص، يذهب لإجراء أشعة فيقال له إن الجهاز متعطل، ولا يرفض المسئول أيضا أن يقر بالأمر رسميا، وفى أحيان كثيرة يدخل المريض لإجراء جراحة، فيجد من يطلب منه الخيوط والدماء والشاش، كما يصادف أيضا من يتعالى عليه، ومن يتكاسل ويتمهل فى مداواة ألمه، ومن يلوح فى وجهه بالعبارة الشهيرة: (على قد فلوسكم).

 

●●●

هجوم الناس على الأطباء فى المستشفيات له أسبابه المنطقية، كما أن احتجاج الأطباء له مبررات حقيقية ومفهومة، يرفع المضربون مطالب ثلاثة، إقرار الكادر الخاص بالأطباء، زيادة ميزانية الصحة، وتأمين المنشآت الصحية، مطالب ربما لا يختلف عليها أحد، على الأقل فيما يتعلق بالميزانية والتأمين، لكن هل يحقق الإضراب بشكله الحالى ما هو مرجو منه؟.

 

أتصور أن الوضع الراهن لا يبشر بالكثير من المكاسب، وقد كان من الأفضل أن تسبقه عدة مراحل وخطوات متتابعة، مرحلة أولى يسير فيها العمل داخل العيادات والمستشفيات بأقصى طاقة، يناظر الأطباء المرضى باهتمام وجهد وأداء أفضل، ينال المريض تذكرة الكشف دون أن يدفع مقابلا ماديا، يُقبل كل من تحتاج حالته للدخول بنفس الطريقة، وبأسلوب منظم وليس عشوائى، يسير على قدم المساواة فى المنشآت العلاجية جميعها، يتم إجراء الفحوصات الطبية كاملة دون مقابل، بحيث تستهلك المادة الخام لأفلام الأشعة والمواد الكيمائية الخاصة بالتحاليل، يصرف الدواء أيضا بنفس الطريقة، ويتم تشكيل لجان صغيرة يمكن أن يضطلع بها فرد واحد فى كل منشأة، تقوم بإثبات أى نقص فى الدواء أو الخدمات المقدمة، وترصد وتوثق شكاوى المرضى المماثلة وتجمعها فى ملفات، ويُعطى كل صاحب شكوى تقرير عليه توقيع، وختم يثبت صحتها ويكشف موطن الخلل، كما يَحفظ حقه فى الخدمة الناقصة، وتُسَجَّل بياناته الكاملة ووسائل الاتصال به.

 

هكذا يتم إيجاد شبكات تواصل مع المرضى المتضررين، ثم تأتى مرحلة تالية، يدعو فيها الأطباء هؤلاء المرضى للتجمع معهم فى نقاط محددة، ولتكن المستشفيات التى تخدم أعدادا كبيرة فى مناطق مختلفة، ثم التوجه بشكل جماعى إلى وزارة الصحة ومجلس الشعب، حيث تقدم آلاف الشكاوى مذيلة بمطالب الأطباء، الذين يصبحون مدعمين بالجماهير التى تعانى معاناة مريرة على أرض الواقع، والتى نالت خدمة حقيقية خلال المرحلة الأولى حتى وإن كانت قصيرة، وكذلك بالوثائق التى تثبت تدنى الخدمة الصحية والخلل فى منظومة العلاج، وبالتالى تأتى المطالب على أرضية أكثر صلابة، وتكتسب شعبية أكبر، ثم يكون الإضراب الشامل خطوة نهائية.

 

هناك أيضا مسألة مهمة تتعلق بالتوقيت الذى تم اختياره للإضراب، فالموازنة العامة لن تتم مناقشتها فى هذه الفترة، وهى من اختصاص مجلس الشعب، وبالتالى فإن أى قرارت تصدر الآن حتى لو كانت رئاسية، قد يتم إلغاؤها بمنتهى البساطة فى أسابيع أو شهور مقبلة، وبالتالى فالضغط لابد وأن يتواصل، ولن يتأتى هذا دون مساندة حقيقية من الجماهير التى مهما كان الأمر فسيقع عليها بعض العبء.

 

●●●

 

قال لى أحد الأصدقاء من المشاركين فى اللجان الفرعية لتنظيم الإضراب، إن الاختيارات شحيحة وأن الإضراب بصورته الحالية، هو الوسيلة الوحيدة أمام الأطباء لعجزهم عن الضغط المباشر على الدولة، ولا أظن أن هذا الأمر صحيح، لكن المشكلة تكمن فى أننا فقدنا القدرة على إيجاد حلول بديلة، وابتكار أساليب أكثر فاعلية خلال المواجهة، للأسف فإننا مازلنا أيضا نفكر بنفس الأسلوب، هى منظومة القهر التراتبية، حيث يضغط القوى على الضعيف، ولا يتمكن الضعيف من مواجهته، فيستدير ليقهر الأضعف منه. الدولة تتجاهل الأطباء، والأطباء يعاقبون المرضى، وكان الأولى فى رأيى أن يقرر الأطباء كسر القاعدة، ومواجهة الدولة بشكل مباشر. الوصول بالبناء إلى قمته، يحتاج فى البداية حتما إلى وضع أساسات وقواعد واسعة، وهى للأسف ما زالت غير موجودة.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات