مش تكنولوجيا وخلاص - محمد زهران - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 9:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مش تكنولوجيا وخلاص

نشر فى : السبت 19 نوفمبر 2022 - 8:55 م | آخر تحديث : السبت 19 نوفمبر 2022 - 8:55 م
أثناء كتابة هذه السطور تقام فاعليات مؤتمر (SC22) فى مدينة دالاس الأمريكية وهو أكبر مؤتمر فى العالم عن الحاسبات فائقة السرعة وتصميمها وبرمجتها واستخدامها إلخ، هذا المؤتمر يحضره الآلاف كل عام من الأكاديميين ورجال الصناعة ومعامل الأبحاث الحكومية لعرض أحدث التكنولوجيات والأفكار المستقبلية. على صعيد آخر نسمع بين الحين والآخر عن تكنولوجيات مستقبلية ذات أسماء تصلح لأفلام الخيال العلمى مثل الحواسب الكمية وأجهزة الحاسبات المعتمدة على الدى إن إيه (DNA Computing)، وقد تأخذنا الحماسة عندما نرى ونسمع كل ذلك ونقول لنأتى بهذه الأجهزة عندنا فى مصر حتى نكون على علم بأحدث التكنولوجيات. هذا فى حد ذاته شىء جميل لكن هناك عدة عوامل يجب أن نأخذها فى الاعتبار قبل أن نستحضر التكنولوجيات الجديدة أو المحتملة عندنا وهذا هو ما سنتحدث عنه اليوم.
مثلا عندما نتحدث عن الحاسبات فائقة السرعة أو كما يسميها البعض السوبر كمبيوتر فهل نريد أسرع أجهزة السوبر كمبيوتر عندنا فى مصر؟ هناك قائمة بأسرع 500 سوبر كمبيوتر فى العالم ويتم تحديثها فى شهرى يونيو ونوفمبر من كل عام ويتناوب على المركز الأول كل من أمريكا والصين واليابان، فهل نريد أن نمتلك جهازا من أجهزة تلك القائمة؟ هذه الأجهزة غالية الثمن جدا فرأس القائمة بنحو نصف مليار دولار. فإذا كنا على استعداد لدفع عُشر هذا الرقم فيجب أن تكون الاستفادة أضعاف هذا الثمن، فهل عندنا خطة للاستفادة من جهاز سوبر كمبيوتر؟ هل عندنا مبرمجون لهذه النوعية من الأجهزة لأن برمجتها مختلفة بشدة عن البرمجيات العادية التى تدرس فى الجامعات وإن كانت بعض الجامعات عندنا بدأت تدريس مبادئ هذه النوعية من البرمجة. هذه الأجهزة تظهر قوتها فى نظم المحاكاة مثل محاكاة تأثير الأدوية وبالتالى تسرع من اكتشاف أدوية مفيدة أو محاكاة التغير المناخى أو محاكاة طرق سير السيارات فى المدن المزدحمة لاكتشاف أماكن الاختناقات المرورية ومن ثم اقتراح تغييرات فى اتجاهات المرور فى بعض الشوارع إلخ، إذن نحتاج مبرمجين متخصصين ونحتاج خبراء فى المجال الذى نرغب فى محاكاة بعض أنظمته ونحتاج نظاما إداريا ينظم استخدام هذه الأجهزة العملاقة غالية الثمن لكن عظيمة القيمة لو أمكن استغلالها. إذا وفرنا هذه الظروف فسنحصل من تلك الأجهزة على فوائد تفوق ثمنها.
مثال آخر يتعلق بالحاسبات الكمية (quantum computers) ، أولا هى أجهزة مازالت فى طور التجارب وتنفق أمريكا والصين والشركات العملاقة مثل جوجل وأى بى إم ومايكروسفت مئات الملايين من الدولارات لتطويرها لكن الأمر مازال صعبا وأعتقد أننا لن نرى تلك الأجهزة مستخدمة فى كثير من المجالات قبل خمس سنوات على الأقل إن لم يكن أكثر. هى أجهزة أسرع بكثير من أجهزة السوبر كمبيوتر التى ذكرناها لكن فى مجالات ضيقة من أهمها كسر التشفير المستخدم فى أغلب النظم الحالية، فهل نبدأ تجارب على تلك الأجهزة عندنا فى مصر؟ رأيى الشخصى أنه ليس بعد لكننا يمكننا أن ننشئ فريقا بحثيا يتابع تطورات العمل فى تلك الأجهزة ويبدأ التفكير فى لغات برمجة لتلك الأجهزة وطرق للتشفير والتأمين لا تستطيع تلك الأجهزة كسرها، أمريكا رصدت ميزانية كبيرة لأبحاث التشفير فى عصر ما بعد الحاسبات الكمية.
عندما بدأت الأبحاث عن الذرة والطاقة النووية والأسلحة التى قد تنشأ عنها منذ بدايات القرن العشرين وأثمرت عن القنبلتين اللتين ألقتهما أمريكا على مدينتى هيروشيما وناجازاكى اليابانيتين وأنهيتا الحرب العالمية الثانية كانت هذه الأبحاث والتكنولوجيا متقدمة جدا، وقد كتب الدكتور على مصطفى مشرفة عدة مقالات عن أهمية الذرة وأهمية اهتمامنا بها، وقد صدرت تلك المقالات فى كتاب بعد ذلك، بدأ الدكتور مشرفة تشجيع الطلاب على دراسة الذرة وساعدة تلميذته النجيبة سميرة موسى على السفر لأمريكا من أجل ذلك، نحن نحتاج جيشا مثل الدكتور مشرفة يقود اختياراتنا للتكنولوجيات التى يجب أن نتابعها ونستقدمها عندنا.
كما رأينا فى هذا المقال لا يجب أن نستقدم أحدث وأغلى تكنولوجيا قبل أن نكون قد خططنا لكيفية الاستفادة منها، كخطوة أولى أقترح أن نستقدم كبار علماء العالم فى تخصصات مختلفة لإلقاء محاضرات لباحثينا وطلابنا ولو حتى عن طريق الانترنت، عن طريق تلك المحاضرات والأسئلة التى نلقيها على هؤلاء الخبراء نستطيع أن نتابع ما يجرى فى العالم ونختار ما يناسبنا، الخطوة الثانية هو تنظيم فرق بحثية من مختلف التخصصات بل ومن مختلف الجامعات فى مصر للتباحث فى آخر الأبحاث المنشورة وكيفية الاستفادة منها ونقطة البداية هى محاضرات الخبراء (راجع مقالنا عن ثقافة الفرق البحثية).
هذا رأيى الشخصى لكيفية الانفتاح العلمى على العالم بغية مساعدة بلدنا وليس بغية الترقية والفخر بنشر الأبحاث أو محاولة إيجاد فرصة للسفر للخارج لحضور مؤتمر.
محمد زهران عضو هيئة التدريس بجامعة نيويورك فى تخصص هندسة وعلوم الحاسبات، حاصل على الدكتوراه فى نفس التخصص من جامعة ميريلاند الأمريكية، له العديد من الأبحاث العلمية المنشورة فى الدوريات والمؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى الأبحاث والتدريس.. له اهتمامات عديدة بتاريخ وفلسفة العلوم ويرى أنها من دعائم البحث العلمى، يستمتع جداً بوجوده وسط طلابه فى قاعات المحاضرات ومعامل الأبحاث والمؤتمرات، أمله أن يرى الثقافة والمعرفة من أساسيات الحياة فى مصر.
التعليقات