محمد فريد عبدالخالق حديث الاستبداد.. والإنصاف - أيمن الصياد - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 4:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محمد فريد عبدالخالق حديث الاستبداد.. والإنصاف

نشر فى : السبت 20 أبريل 2013 - 10:00 ص | آخر تحديث : السبت 20 أبريل 2013 - 10:00 ص

عندما تفضل الراحل الكريم بمهاتفتى فى ذلك اليوم من صيف ٢٠١٠، ليشكرنى على اهتمام أولته «وجهات نظر» لأطروحة الدكتوراه التى كان قد تقدم بها وقتها لجامعة القاهرة، أسرنى لينُ حديثه، وتمثلت فى الرجل، ولم أكن قد شرفت بلقائه بعد، ــ قولَه تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنا} الفرقان ٦٣، وكان قد استوقفنى أنه أعد أطروحته تلك ليناقشها وهو فى الرابعة والتسعين من العمر. (ولد محمد فريد عبدالخالق فى فاقوس شرقية بمصر فى ٢٠ نوفمبر ١٩١٥)، وكأنه يذكرنا بالحديث الشريف: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل»، كما استوقفنى يومها أنه أعدها فى القانون، وكان قد أخبرنى أن دراسته العليا كانت أصلا فى العلوم والرياضيات بعد أن تخرج فى معهد التربية العالى عام ١٩٣٦،

 

اختار الباحث محمد فريد عبدالخالق لأطروحته موضوع «الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان». وكأنه، كما يقول فى تقديمه لها: يقف وجها لوجه أمام علاقة محفوفة بالمخاطر منذ زمن سحيق بين الحاكم والمحكومين. حيث يجد نفسه ــ محكوما بإطار الموضوع ــ فى مواجهة صريحة أمام حق بل وواجب مقاومة جور الحكام والحكومات وفساد المترفين المفسدين من ذوى الجاه، وهم عادة ظل السلطة وأعوانها فى جذورها وفسادها، ابتغاء مصالحهم، يحرفون الكلم حسب أهواء الحاكمين وما يخدم مصالحهم ولو كانت على حساب مصالح الشعوب.

 

أتذكر حوارات عقيمة سمعنا بها داخل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وأنا أقلب فى صفحات أطروحة رفيق حسن البنا (كان فريد عبدالخالق واحدا من الرعيل الأول للإخوان المسلمين، وبالأحرى كان عضوا فى الهيئة التأسيسية للجماعة). فبعد أن ينبهنا فى دراسته إلى أن النبى (ص) فطن إلى أن الصيغ التى يتعامل بها المسلمون تتغير بتغير الزمان، يشير الباحث إلى ما يمكن أن تلعبه المؤسسات الدستورية فى الأنظمة الديمقراطية النيابية من دور فاعل فى ضمان الحقوق الأساسية والحريات العامة للمواطنين. وهو صحيح شرعا ولا يعارض أصلا من أصول الإسلام، من قبول بالديمقراطية فى التصدى لمساءلة الحاكم وإزالة منكراته

 

ثم يذهب إلى أكثر من ذلك لتصحيح أفكار توقفت عند العهود الأولى «للدولة الإسلامية»، فيشير إلى ضرورة إبراز الدور الرقابى الشعبى على السلطات، «ولاسيما السلطة التنفيذية ورئيس الدولة». مؤكدا أهمية عدم النظر للحسبة باعتبارها ضمن قضاء المظالم، وإنما باعتبارها قوى شعبية معارضة لجور الحاكم..

 

•••

 

هل «لو عرف الإخوان حسن البنا كما عرفه فريد عبدالخالق لكانوا شيئا آخر غير ما هم عليه الآن فكرا وأداء وسلوكا وأخلاقا وسعة للأفق ورحابة للصدر ومظلة للجميع»، كما كتب أحمد منصور فى هذه الجريدة قبل أيام (الشروق ١٥ أبريل ٢٠١٣)؟ لا أعرف. ولكنى أعيد قراءة حديث رفيق البنا عن الاستبداد، وأستغرب أن يغضب مشتطا فى غضبه بعضُ جيل جديد من الإخوان من تعليق كتبته قبل أيام على تويتر أشرت فيه نصا إلى درس التاريخ: «أن أول من سيدفع ثمن إعادة صناعة الاستبداد، الذين يصنعونه»، فالاستبداد هو الاستبداد أيها الكرام، أيا ما كانت لافتته. وأحسبُ أن ليس لنا أن نغفل عن حقيقة أن الإنصاف لا يصير إنصافا لو استثنى ذوى القربى. وأن ليس لنا أن ننسى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} النساء ١٣٥

 

•••

 

وبعد..

 

رغم أننى من أشد المعارضين لا ستدعاء السياسة أو الدين إلى غير مكانهما، فإننى عندما وقفت لأرثى الراحل الكريم فى سرادق عزائه، لم يكن هناك بد من أن ألحظ أن كل ألوان الطيف السياسى كانت هناك، حيث جلال الموت ومهابته كفيلان بأن ينسى البشر معاركهم الصغيرة، وخلافاتهم المصطنعة. حيث تبقى الحقيقة الأزلية / الأبدية التى توحد الجميع: أن كلنا لآدم.. وآدم من تراب.

 

رحم الله الراحل الكريم.. ورحمنا مما يفعله فينا «المفرِّقون».

أيمن الصياد  كاتب صحفى
التعليقات