سيمفونية الشوارع - محمد موسى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سيمفونية الشوارع

نشر فى : الأربعاء 20 يوليه 2011 - 8:42 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 يوليه 2011 - 8:42 ص

 كنت أتحدث مع صديق يعيش فى أمريكا أمس الأول، عندما أدركت فجأة أننى عشت عدة سنوات ضوئية إضافية لعمرى، بمجرد المرور فى أحداث ثورة يناير. اختلفت الهموم، وطرق التعامل معها، واللغة أيضا.

نسينا شكل مصر وإيقاعها البليد تحت سنابك المماليك الذين «قشطوها» من كل احتمال، وانتبهنا على ما يشبه الرعب من المستقبل، فلكل مواطن الآن أسباب للغضب من حدث ما، أو وزير ما، أو مجلس عسكرى ما.

مسيرات تطالب بإقالة وزير العدل أمام مجلس الوزراء.

الأثريون يفضلون مجلسا أعلى بدلا من الوزارة.. ثوار ميدان التحرير يرفضون تعديلات حكومة شرف.. ثورة جنود الأمن المركزى بعد أنباء عن مقتل زميلهم.. عدد من الأقباط المعتصمين أمام المجلس الإكليريكى يعتدون على أسقف عام طنطا لسوء معاملته للمعتصمين. أصوات من ائتلافات الشباب تحذر: لن نعطى الحكومة شيكا على بياض.

رئيس مجلس إدارة المتحف الإسلامى كتب إلى عصام شرف أمس الأول: لقد أهنت مصر وأهنت تراث مصر وأهنت أجيال الآثاريين جيلا بعد جيل باختيارك السيئ لشخص وزير الآثار، فحسبنا الله ونعم الوكيل، وقد أكدت لنا بهذا الاختيار أن مصر لن تتعافى من كبوتها، وعليك وحدك أن تتحمل عواقب قرارك العجول».

هذه هى لغة الاختلاف بعد يناير، بدلا من أن تقول إن «الاختيار غير موفق لهذه الأسباب، وعندى لك هذه الاقتراحات»، من الأسهل أن تتهم الرجل بإهانة مصر، وتراب مصر، وحبايب مصر.

هناك قاعدة تاريخية ترقى إلى درجة القانون العلمى، تقول إن النظام القمعى يلقى عقابه فى حالة من العقم الروحى تضرب شعبه المهان، وتحوله إلى كائنات تعمل وتأكل وتهضم، وتموت فى نهاية المطاف بلا ظلال إنسانية. الشعب المسكين يعاقب مرتين، الأولى بمروره فى آلة قمع رهيبة ضفرها مبارك من أموال مصر وخيرها، والثانية بفقدان أبعاده السياسية والإنسانية والفنية، وأخيرا اللغوية.

تنطلق الآن كل الأصوات فى نشاز ضخم، لكنه يعبر عن أن مصر على قيد الحياة، وعما قليل تتقارب النغمات، ونعثر على «النغمة المضبوطة»، وأراهنكم.

كنا نحلم بيوم يتحدث فيه رجل الشارع، ويعبر عن وجعه. وجاء اليوم الذى يتحدث فيه الجميع، عن حق أو باطل، حتى أصبحنا نعيش هذا الصخب.

ضحكت كثيرا مع صديقى، الإعلامى سمير الشيخ، فى نهاية المكالمة، ونحن نتذكر دعاء عبدالسلام النابلسى بأن «يبسطها»، وعندما تنهال الملوخية على رأسه، يقف بجلاله المزيف الشهير ليقول: ما تبسطهاش قوى.

مصر لا يضرها أن يتحدث الجميع، وأن يجأر كل صاحب شكوى بما يجد، حتى لو كان فى الأمر خروجا على العرف، أو صدمات «لغوية» خارجة على المألوف، فالسيمفونية المضبوطة قد تتأخر، لكنها «خلاص»، أصبحت على مرمى السمع.

mhmd62@gmail.com

محمد موسى  صحفي مصري