نقطة صغيرة فى بحر الشركات - محمد موسى - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نقطة صغيرة فى بحر الشركات

نشر فى : الثلاثاء 9 يناير 2018 - 10:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 9 يناير 2018 - 10:05 م
إنه شعب مثل تلميذ أهبل يتذاكى. 
تلميذ أهم مشاريعه وإنجازاته، أنه هتف بكل قوته فى الطابور: هوووو. وفور ظهور الناظر صمت. وطار من السعادة لأنه استطاع أن يقول: هووو، وهذا الحمار، الذى هو الناظر، لم يعرف من فعلها. يا لطيف، ما هذا الإنجاز؟
هكذا وصف زياد رحبانى شعبه اللبنانى فى برنامج «العقل زينة». وصف ينطبق على كل أجنحة النخبة المصرية، وطريقتها فى تسجيل الأهداف المزعومة فى مرمى الخصوم.
منذ أيام ينشغل الإعلام المعارض بما يراه «تسريبا» لضابط ينقل التعليمات لإعلاميين. تشتعل السهرات بالخبطة الصحفية ومغزاها، ويتزاحم على كنبة الجزيرة وغيرها محللون وخبراء من واشنطن واسطنبول، يشرحون دلالة التسريب، والاكتشافات المذهلة فيه. يعيش الإعلام المعارض أزهى لحظات النشوة، وهو يأكل العيش على سقطة لجريدة بحجم نيويورك تايمز. 
ما يريدون إثباته بتسريب مزعوم أقل بكثير مما يعانيه الإعلام المصرى على صعيديه القومى والخاص. زمان كانت تعليمات دولة مبارك للفضائيات والصحف تخرج من الدور التاسع فى ماسبيرو، ومكتب الإعلام فى لاظوغلى، وتنتشر لشارع الصحافة ومدينة الإعلام. تغيرت الدولة فتبدلت الجهات التى تتحكم. تغيرت الظروف فصار كل إعلامى خاص أو قومى يراجع كلماته حرفا حرفا، من أشهر مذيع فى مصر، إلى كاتب هذا العمود.
فى مشهد الإعلام القومى هناك مجلس أعلى للإعلام، وهيئتان إحداهما للصحافة، وأخرى للإعلام تدير ماسبيرو. تتصور كل هيئة أن دورها هو الشخط فى طابور مستخدميها كل صباح، وإدارتهم كما يشاء لها الهوى. هذا الأسبوع تداخلت الدوائر والمهام، وخرج بعضها على المسمى الوظيفى الذى يبرر إنشاءه.
الهيئة الوطنية للصحافة التى ترتدى جاكتة المهنة، اشترطت قبل أيام على العاملين بالصحف القومية الحصول على إذن مسبق منها للسفر إلى بعض الدول، فأين المهنية فى ذلك؟
والمجلس الأعلى للإعلام سطا على صلاحيات نقابة الصحفيين بإحالة عمرو الشوبكى عضو النقابة للتحقيق، بسبب مقال رأى. لو كان رئيس المجلس نقيبا حاليا، كما كان لسنوات مديدة، لانتفض واتهم المجلس بالاعتداء على سلطته.
والأسبوع الماضى حظرت الهيئة الوطنية للإعلام على العاملين بماسبيرو العمل أو المشاركة فى أنشطة دون الحصول على موافقة مسبقة. تخاطب الهيئة موظفين يلجأ الواحد منهم للعمل فى أكثر من جهة ليصل أولى درجات الستر. ويطالب الواحد منهم بالعلاوة عاما كاملا ليحصل عليها، وقبل أيام فقط قررت الهيئة ضم علاوة 2016 لمرتبات رعاياها. يترحم الواحد منهم على أيام ما كان وزير واحد يحكم ماسبيرو، فالآن «كل القيادات فى ماسبيرو وزراء»، كما كتب أحدهم على صفحة العاملين بماسبيرو.
الإعلام، مهنة ومهنية، مجرد نقطة صغيرة الآن فى بحر الهيئات الحكومية، والشركات الخاصة العملاقة للإنتاج السينمائى والإعلامى والإلكترونى. فلماذا يحتاج ضابط إلى نقل التعليمات بالتليفون؟ وأين الفضيحة إذا فعلها؟
الحفل الصاخب مستمر فى قنوات المعارضة: شاهد الإعلامى فلان ومقدمة نارية عن التسريبات، «وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون». هكذا يسجل التلميذ الأهبل هدفا افتراضيا فى الخصم، هكذا يقول: هوووو، وينتشى، ويعود لمكانه.
أساسا ما هو المستقبل بعد الهووو؟ ماذا ستعمل؟ والأبشع لو أدركت أن الناظر كان يعرفك من الأول، لكنه لا يبالى بك أساسا، وكل همه أن يعود الهدوء للطابور، وقد عاد. 
«يا أخى الناظر مش مقيد عقله عليك، فاضى لك يا ألله؟»، بصوت زياد رحبانى.
محمد موسى  صحفي مصري