لم يكن أحد يريدها هكذا - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 4:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لم يكن أحد يريدها هكذا

نشر فى : الخميس 21 يناير 2010 - 10:14 ص | آخر تحديث : الخميس 21 يناير 2010 - 10:15 ص

 عندما يتعرض شخص أو مجموعة أو دولة ما لأزمة، تجدهم يدافعون عن أنفسهم بالقول إنهم لم يكونوا يظنون أن الأمور ستصل إلى هذا الحد، ثم تكون العبارة التالية لكننا من المؤكد أننا سوف نتجاوز الأزمة معتمدين على العلاقات والإمكانات... إلخ. نتيجة لمثل هذه النظرة تزداد الأمور تعقيدا حتى يأتى اليوم الذى يحدث فيه أزمة من المستحيل معالجتها إلا بالتضحية بالأفراد الذين صنعوها أو ساهموا فى تفجيرها. فلاشك أن صدام حسين وهو يعيش فى حفرة تحت الأرض ويعلم بمصرع ولديه لم يكن يتوقع نهائيا أن تكون هذه هى النهاية، ولم يتخيلها قط، وعندما وقعت كارثة 1967 كان من أكثر الذين أصيبوا بالصدمة جمال عبدالناصر، وعندما تتأمل فى وجه السادات والرصاصات تنطلق نحوه ترى استغرابا واندهاشا عجيبا على وجهه. كل هؤلاء وغيرهم لم يكونوا وهم مقبلون على أزمة ما يتوقعون أن تكون هكذا، والأزمة التى وقعت أخيرا فى نجع حمادى، تحتاج منا إلى وقفة جادة صادقة وليست ككل الوقفات السابقة، وذلك حتى لا تتكرر ثانية، وهذا يدعونا إلى أن نضع نصب أعيننا عدة أفكار.

أولا: أنه لا يوجد ما يسمى أزمة مفاجئة

فلم يوجد فى التاريخ ما يسمى بالأزمة المفاجئة رغم استخدامنا لهذا التعبير باستمرار، والأزمات المفاجئة تنطبق فقط على ثورات الطبيعة غير المتوقعة مثل تسونامى وزلزال هاييتى... الخ. أما غير ذلك فالأزمات من صنع الإنسان وهى تتسم وبلا شك بأن لها مقدمات، فلا توجد أزمة بلا مقدمات، ومقدمات أزمة نجع حمادى تكمن فى المدرسين الذين عادوا من الخليج بالفكر الوهابى المتطرف الذى يرفض الآخر وينفيه، جاء بإسلام البادية والنقاب والذقون، وبدأوا منذ السبعينيات فى تدريس الأطفال والشباب كراهية الآخر المختلف. وتكمن أيضا فى الخطاب الدينى الإسلامى والمسيحى فى فضائيات الكراهية من الجانبين، وتكمن أخيرا، فى الفقر والجهل والمرض. كل هذا أثر بقوة سواء فى رجال الأمن أو رجال القضاء أو الدين، وكل هذه ما هى إلا مقدمات الأزمة.

وليس هذا فقط بل إن الأزمة كما أن لها مقدمات فهى دائما تكون متدرجة تصاعديا، وهذه النوعية من الأزمات تزداد فى الكم والكيف، وبعد أن كان التعصب فرديا أصبح جماعيا، وبعد أن كان بين الحادث والآخر فترة زمنية طويلة تقلصت الفترة الزمنية المرة بعد الأخرى بشكل ملحوظ، وتدرج الأسلوب من الشراسة إلى الأشرس ومن العنف إلى الأعنف.. وهكذا. وقد جاء كل ذلك نتيجة للمعالجة الخاطئة للأزمة، حتى جاء الوقت الذى أصبحت فيه الأزمة متوقعة فى أذهان الناس وسؤالهم هو متى وأين يحدث فى المرة المقبلة؟ وهكذا لم تعد الأزمة تثير الاندهاش.

ثانيا: لا توجد أزمة مرغوبا فيها

بلا شك الأزمة دائما مكروهة، ولا تجد إنسانا ما يقول إنه يرغب فى صنع أزمة لكن من الغريب انك بتحليل تصرفات أصحاب القرار تستطيع أن تلاحظ أنهم يندفعون نحو الأزمة وكأنهم مسوقون إليها رغما عنهم. فطريقة علاجهم سواء للمقدمات أو لتدارك الأزمة يتسم بالرعونة، والسمات الواضحة عندهم جميعا هى العناد والكبرياء..الخ. فعندما غزا صدام الكويت لم يتراجع إلا بالقوة العسكرية وقد أيده فى ذلك الملك حسين وياسر عرفات، وبعد ذلك تشعر وكأنه يدفع نفسه دفعا للصدام مع الولايات المتحدة، وكانت جميع ردود أفعاله رعناء وبها عناد واضح، وكان يجب أن يفوت الفرصة على الولايات المتحدة التى كانت أيضا تتصرف بغباء شديد لتحتل العراق، لكنه تصرف وكأنه مدفوعا لقدره بسبب حساباته الخاطئة. وهو نفس ما حدث مع عبدالناصر فى حساباته الخاطئة ضد أمريكا وإسرائيل، ونفس الأمر تكرر فى قضية فلسطين حتى وصلت بالحسابات الخاطئة إلى ما وصلت إليه اليوم. وفى قضيتنا هذه تشعر الدولة أن الكنيسة تحاول لى ذراعها كما حدث فى أزمة وفاء قسطنطين، وتشعر الكنيسة أن الدولة تضغط عليها بشدة، ولذلك تم ترك الأمر ليتفاقم بهذه الصورة الغريبة. إن العناد فى الأزمات يؤدى إلى أزمات اكبر وأعمق، وهناك من يقول إنه لا توجد رغبة حقيقية لحل الأزمة من جذورها. هذا رغم أننا نثق أنه لا احد من الدولة أو الكنيسة أو الأزهر ولا غيرهم كان يتمنى أن تكون النتيجة هكذا.

ثالثا: لا توجد أزمة يمكن إدراك أبعادها كاملة

كل أزمة فى الوجود يظهر منها على السطح بعض ملامحها، أما معظم هذه الملامح فتكمن تحت السطح فهى تشبه قمة جبل الجليد الذى رأيناه واضحا فى فيلم (تيتانك)، ونتيجة لهذا اصطدمت السفينة به ومات الآلاف غرقا. ومعالجة الأمور التى تبدو على السطح من أكثر المعالجات خداعا، فالعلاقات الظاهرية بين رجال الدين مسلمين ومسيحيين والذين يقبلون بعضهم بعضا فى المناسبات والأعياد والإفطارات الرمضانية لا تعالج شيئا، إنها مسكنات. وحتى اللقاءات الحوارية فى التليفزيون أو الندوات لا يظهر لها أى اثر ايجابى على ارض الواقع وذلك نتيجة لما يسمى (ازدواجية الخطاب). فالخطاب للأتباع يختلف تماما عن الخطاب للآخرين، والمشكلة أن الخطابين عكس بعضهما تماما. وفى العالم الثالث المتخلف نجد أن الشعبية لرجال الدين المتعصبين لأنهم يبدون وكأنهم يدافعون عن صحيح الدين حين يثيرون الشعارات الدينية والمذهبية. وكلما كان رجل الدين متشددا ومكفرا للآخرين ويحكم عليهم أحكام جائرة، كلما شعر مستمعوه وأتباعه بالطمأنينة على حاضرهم ومستقبلهم وأنهم شعب الله المختار، الذين سيذهبون إلى الجنة، وهم مصدر اهتمام وعناية الله لأنهم يقومون بفرائضه وأحكامه، ومن أهم ما يقومون به لأجل الله هو رفض أعدائه والانتقام منهم..الخ. فى حين أن الدارس المتعمق لأى دين يستطيع أن يدرك أن الله فوق جميع الأديان وأن الجميع يقفون متساوون أمام الله وأن الله يتعامل مع كل إنسان بحسب النور الذى وصل إليه وبحسب صفاء فكره وقبوله لأخيه الإنسان. لكن هذا التوجه الأخير مرفوض لدى معظم شعوب العالم الثالث لأنه لا يميزهم فى شىء عن الآخرين إذا هم يتعلمون أن الدول الغنية منحلة ولا دينية وعلمانية، وأن الله سخرهم للاختراعات الحديثة ليستخدموها هم، وأنهم يتميزون عن هذه الشعوب بالتقوى والصلاح وفى النهاية الجنة، فى الوقت الذى تعلن فيها سلوكياتهم عكس ذلك، وهكذا يخدعون أنفسهم ويساهم فى خداعهم وبقوة قيادتهم الدينية، هذا الفكر والسلوك هو معظم جبل الجليد الغارق.

رابعا: لا توجد أزمة بلا مفتاح

لكل أزمة مفتاح، والأذكياء هم الذين يكتشفون المفتاح بسرعة ويستخدمونه فى حل أزمتهم، ومفتاح أى أزمة هو وضعها فى حجمها الحقيقى دون تهويل أو تهوين. ومشكلة العنف الطائفى فى مصر أنها تعانى من التهوين الشديد بالحديث عن طبيعة الشعب المصرى المسالم، وحسن الجيرة القديمة..الخ، ويتجاهلون التغير الذى حدث فى الإنسان المصرى نتيجة الهزائم والانكسارات والفقر والجهل والمرض..الخ. أما المفتاح الخاص بالعنف الطائفى فى مصر فهو التعليم الدينى المستنير فى المدرسة والجامع والكنيسة والإعلام، والانتماء الحقيقى لمصر والشفافية فى التعامل بين القيادات السياسية والدينية. إننا نحتاج وبقوة أن نستخدم هذه المفاتيح، وهى ليست خفيه على احد. لكن القضية هنا هى هل هناك رغبة حقيقية لدى جميع الأطراف لحل المشكلة؟ حتى اليوم لا توجد هذه الرغبة بشكل واضح، وأكبر مثال لقضية معروف حلها ولم تحل على مدى ستين عاما بسبب عدم رغبة أصحابها هى القضية الفلسطينية.

نحن لا نريد أن تكون قضية العنف الطائفى ضحية لأولئك الذين لا يريدون، وينطبق علينا المثل القائل «إن القادرين على الحل لا يريدون والذين يريدون الحل غير قادرين».

السؤال الصادم هنا هو إذا كانت الدولة والحكومة والأمن والأزهر والكنيسة والناس لم يكونوا يريدونها هكذا، فترى من الذى فرض إرادته على كل هؤلاء؟!

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات