إسرائيل فى مفترق الطرق - حازم خيرت - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 1:53 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إسرائيل فى مفترق الطرق

نشر فى : الخميس 21 مارس 2019 - 11:40 م | آخر تحديث : الخميس 21 مارس 2019 - 11:40 م

يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أكبر تحد فى مسيرته السياسية، فهو يخوض الانتخابات فى شهر إبريل المقبل وسط حسابات بالغة التعقيد، فهناك مؤشرات تضاف إلى قوته وأخرى تخصم منها مما يجعل من الصعوبة التنبؤ بما سيئول إليه شكل الحكومة الإسرائيلية القادمة، بل ومستقبل نتنياهو السياسى.
وسواء فاز نتنياهو أم خسر، فإن الحقيقة الماثلة أن اليمين يظل هو الأقوى فى المشهد الإسرائيلى برمته فى ظل حالة السيولة الإقليمية التى تشهدها المنطقة وتنامى الخوف من انتشار الحركات الراديكالية والجماعات المتطرفة الأمر الذى يوظفه اليمين لصالح أولوية العقيدة الأمنية. فضلا عن غياب شريك فلسطينى واستمرار حالة الانقسام بل والصراع بين فتح وحماس، وعمليات المقاومة التى يصنفها الإسرائيليون بالأعمال الإرهابية، وتسفر عن مقتل وإصابة المواطنين الإسرائيليين بشكل شبه يومى، وكل تلك العوامل تسهم فى توجه الرأى العام الإسرائيلى نحو اليمين، لا سيما فى ظل غياب بديل حقيقى لدى اليسار قادر على ضمان توفير الأمن للرأى العام الإسرائيلى مقابل القبول بالتنازل والتفاوض على السلام.

المشكلات التى تواجه نتنياهو
يواجه نتنياهو معضلة حقيقية قد تنهى مسيرته السياسية، فهو متهم فى ثلاث قضايا تتعلق بالتزوير وخيانة الأمانة والرشوة، وقد أوصت الشرطة الإسرائيلية بتوجيه لائحة اتهام بحقه بعد جمع الأدلة والاستماع إلى الشهود، ورفعت الأمر إلى المستشار القانونى للحكومة بإعتباره من يملك توجيه لائحة الاتهام لكبار المسئولين، وقد أوصى بدوره بتوجيه لائحة اتهام بحق نتنياهو فى القضايا الثلاث، ويعتبر الاتهام بالرشوة هو الأقصى فى العقوبات إن ثبتت صحتها، ووفقا لتسلسل الإجراءات بحق كبار المسئولين تعقد جلسة استماع للدفاع عن الاتهامات الموجهة إليه، وإذا لم ينجح نتنياهو فى إثبات براءته يحال إلى المحكمة، وقد منح المستشار القانونى لنتنياهو وفريقه القانونى مهلة أقصاها 10 يوليو 2019. وتشير التقديرات إلى أن نتنياهو قد لا ينجح فى إثبات براءته خلال جلسة الاستماع الأمر الذى يعنى تلقائيا إحالة الملف للمحكمة، وعلى الرغم من أن القانون لا يجبر رئيس الوزراء على الاستقالة إلا أنه وفقا للأعراف الديمقراطية وضغوط الرأى العام وما قد يستتبعه من ضغط من شركاء الائتلاف أيضا أن يستقيل رئيس الوزراء.
ولا شك أن نتنياهو يدرك جيدا المخاطر التى يواجهها، ولكنه يصر على مواصلة المسيرة حتى وإن استقال لعدة اعتبارات أولها أنه سيكون قد حقق إرثا تاريخيا، فهو يترأس السلطة التنفيذية بصفته رئيس وزراء حالى أو سابق منذ 2009 (إلى جانب ولايته فى التسعينيات) ولن يضاهيه أحد لو فاز فى الانتخابات المقبلة وحتى إذا استقال بعدها، فسيكون أطول رئيس وزراء فى تاريخ إسرائيل بعد تجاوز عدد ولايات ديفيد بن جوريون وهو ما كان يحلم بتحقيقه دوما.
كما يدرك نتنياهو جيدا أن لديه رصيدا إيجابيا لدى أغلبية الرأى العام الإسرائيلى قد يعطى له أملا حتى اللحظة الأخيرة، فلقد نجح فى الترويج لنفسه بأنه الرجل الذى حافظ طوال مسيرته على أمن إسرائيل، وهو الذى صمد خلال سنوات أوباما الثمانى أمام ضغوط تلك الإدارة الأمريكية لتقديم تنازلات للفلسطينيين، وهو الذى حققت إسرائيل فى عهده إنجازات غير مسبوقة أهمها إسقاط الاتفاق النووى مع إيران الذى يستخدمها كفزاعة، بجانب أذرعها فى حزب الله وحماس. وهو الرجل الذى شهد عصره أداء اقتصاديا متميزا وأصبح معدل دخل الفرد يقدر بما يناهز ٣٥ أو ٣٦ ألف دولار سنويا، وكذلك تقدم علمى وتكنولوجى وأبحاث علمية فى البرمجيات والزراعة والصناعات الحربية والرى وغيرها، كما اعتبرت إسرائيل فى عهده ــوفقا لبعض التصنيفات الأمريكية الأكاديميةــ الدولة الثامنة فى العالم من حيث النفوذ والتأثير قياسا بمقومات القوة والعلم وغيره.

المشهد الانتخابى الحالى
المتابع للمشهد الداخلى الإسرائيلى يرصد أن ثمة حدثا سياسيا مهما ظهر على الساحة الداخلية وهو نشأة تحالف لجنرالات سابقين، ذوى ثقل سياسى معتبر، مما قد يمثل تهديدا جديا لنتنياهو وحزب الليكود، فقائمة «أزرق أبيض» التى يترأسها رئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق بينى جانتس، وتضم وزير الدفاع الأسبق موشى يعلون ورئيس الأركان الأسبق جابى أشكنازى، إضافة إلى يائير لابيد، رئيس حزب يش عاتيد «هناك مستقبل»، سيكون لها فى الأغلب النصيب الأكبر فى الأصوات، بل ولا يستبعد أن يجذب بعض الأصوات التى تنتمى إلى ما يسمى الليكود الناعم «Likud Soft» وكذلك بعض من القواعد الانتخابية لليمين لاسيما بعد أن أعلن جانتس برنامجه الانتخابى والذى يتماشى مع مواقف اليمين التقليدية المعروفة، بداية من الإبقاء على القدس موحدة عاصمة لإسرائيل مرورا بعدم النية فى اتخاذ خطوات انسحاب أحادية من الكتل الاستيطانية فى الضفة الغربية أو الجولان التى تعد جزء لا يتجزأ من سيادة إسرائيل، حسب زعمه، وعدم تضمين أى إشارة حول عملية السلام أو حل الدولتين، فضلا عن رؤيته للتعامل بكل حزم مع الجبهة الجنوبية لقطاع غزة، التى يفتخر جانتس بأنه أعاد القطاع للعصر الحجرى أثناء قيادته لعملية الجرف الصامد 2014 ونيته انتهاج سياسة اغتيال القيادات الحمساوية، إضافة إلى اعتزامه التعامل بحزم أيضا مع الجبهة الشمالية أى حزب الله وإيران.
وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأى ترجح حاليا بأن قائمة «أزرق أبيض» ستكون فى الأغلب هى الأوفر حظا بالحصول على أكبر عدد من المقاعد فى الكنيست، حيث تشير إلى أنها ستحصل على 33 مقعدا فى حين سيحصل الليكود الذى يترأسه نتنياهو على 26 مقعدا، إلا أن «أزرق أبيض» سيواجه معضلة حقيقية فى الحصول على تسمية أحزاب لا تقل مقاعدها فى الكنيست عن 61 (مجموع مقاعد الكنيست ١٢٠) حتى يستطيع بينى جانتس تشكيل الحكومة حتى مع إعلان أحزاب أخرى من اليسار والوسط استعدادها التحالف معه كحزبى العمل وميريتس، إلا إذا انتهج سياسة أكثر براجماتية ونجح فى الحصول على دعم أحزاب أخرى (أظهرت آخر الاستطلاعات حصول كتلة اليمين على 66 مقعدا وكتلة اليسار على 54 مقعدا).
ويدرك جانتس وحلفاؤه ذلك جيدا وهو ما دفعه لطرح فكرة التحالف مع الليكود ليشكل قوة ضاربة، إلا أنه اشترط أن يكون دون نتنياهو لكى يتولى هو ــ أى جانتس ــ القيادة، وهو أمر يصعب تصوره فى ظل بقاء نتنياهو فى المشهد وإصراره على الاستمرار فى منصبه وعدم الاستقالة استنادا إلى إرثه التاريخى، على الرغم من قضايا الفساد التى باتت تهدده، ومع ذلك يتوقع البعض أن نرى فى ختام المشهد الانتخابى ائتلافا يقوده نتنياهو مؤقتا ويضم «أزرق أبيض» نظرا لأن تلك القائمة برئاسة جانتس تضم جنرالات سابقين اعتادوا على تحقيق الانجازات ورفض الهزيمة، ومن ثم فلن يقبلوا بمقاعد المعارضة فى الكنيسيت.

وضع الوسط العربى بإسرائيل
فى هذا السياق، فإن سؤالا يطرح نفسه بقوة، ألا وهو ماذا عن عرب إسرائيل، وعن تأثيرهم وأحوالهم، وموقفهم فى الانتخابات المقبلة؟! إجمالا، أقول أن عرب إسرائيل ــ أو عرب الداخل ــ يواجهون أزمة هوية ما بين انتمائهم العربى الفلسطينى وجذوره التى تتواجد على بعد كيلومترات فى الضفة الغربية ووجودهم داخل حدود إسرائيل وحملهم جوازات سفر وهوية إسرائيلية وسعيهم للحفاظ على ثقافتهم والاندماج فى المجتمع.
من ناحية أخرى، تعانى البلديات العربية فى إسرائيل من تمييز سلبى فى توزيع الموارد والمخصصات المالية، كما لا يتم تعيين العرب فى الوظائف الحساسة، فضلا عن أنهم يواجهون تشريعات تمييزية وعنصرية لعل من أبرزها قانون أساس الدولة القومية للشعب اليهودى الذى أثار الكثير من الجدل بسبب تغليبه للطابع اليهودى على الطابع الديمقراطى للدولة ونقل المواطنين العرب إلى مواطنين درجة ثانية، فبعد أن كانت اللغة العربية لغة رسمية أصبحت لغة ذات طابع خاص، واقتصار حق تقرير المصير لليهود دون غيرهم، وحق اليهود فقط فى الحفاظ على الطابع الثقافى والإجازات اليهودية وغياب مبدأ المساواة بين جميع المواطنين بما يستهدف حقوق الأقليات ومن بينها العرب الذين يمثلون أكبر أقلية.
ويشكل العرب 1,9 مليون بنسبة 20% من سكان إسرائيل ويمثلهم أربعة أحزاب عربية بالكنيست تحت مظلة القائمة المشتركة (الجبهة/التجمع/الحركة العربية للتغيير/ الحركة الإسلامية الموحدة). ويواجه عرب الداخل أزمة فى تمثيلهم بالكنيست بسبب تطلعات شخصية ضيقة تتفوق على المصلحة العامة، فعلى مدى عام كامل شهدت القائمة المشتركة الممثلة فى الأحزاب الأربعة أزمة بسبب التناوب على مقاعد بالكنيست، كما تسبب عدد منهم فى إحراج للوسط العربى بسبب تصريحات وتصرفات عكست بعض الصور السلبية، وبسبب تنامى تلك الخلافات واستمرار تكريس المصلحة الشخصية فإنهم من المقرر أن يخوضوا الانتخابات المقبلة بقائمتين.
وبشكل عام يعانى العرب من غياب التنظيم سواء على مستوى التحرك أو الأفكار بالتوازى مع سياسة الفصل بينهم وبين اليهود الأمر الذى يعقد من موقفهم ويجعل من الصعوبة قيامهم بإحداث تأثير على عملية صنع القرار أو على الأقل الأخذ بعين الاعتبار أولوياتهم، وذلك على عكس الدروز المندمجين فى المجتمع الإسرائيلى وتتحسب لهم القيادة السياسية على الرغم من كونهم لا يتجاوزون 145 ألف بنسبة 1.6% من السكان. وسواء شكل نتنياهو أو حتى جانتس الحكومة القادمة، فإن كلاهما يستبعد ضم الأحزاب العربية لأى ائتلاف مقبل، حيث تختلف أجندتهم بشكل جوهرى وسيظلون فى مقاعد المعارضة.
هكذا ستتمخض الانتخابات المقبلة عن واقع جديد يستند بالضرورة على قواعد اليمين بدرجاته المختلفة الذى بات يسيطر على أغلبية المجتمع، سواء فاز نتنياهو أم خسر أو فاز ثم استقال أو اضطر إلى الاستقالة تحت وطأة الاتهامات، بينما يبقى عرب إسرائيل غير قادرين على لملمة قواعدهم أو تكوين كتلة صلبة يعتد بها فى السباق الانتخابى عندما يحين وقت اقتسام وتوزيع الحقائب الوزارية، فهم قد يشكلوا بعض الإزعاج أو قوة محدودة لخصم أصوات من بعض الأطراف اليمينية، ولكنهم أضعف من أن يكونوا قوة فرض فيما هو أكثر حسما فى تشكيل الحكومة الجديدة.

حازم خيرت مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات