موقف عرب 1948 من صفقة القرن - حازم خيرت - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

موقف عرب 1948 من صفقة القرن

نشر فى : الثلاثاء 23 يوليه 2019 - 11:05 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يوليه 2019 - 11:05 م

جاءت فعاليات ورشة المنامة الاقتصادية التى عقدت الشهر الماضى فى إطار متسق تمام الاتساق مع ما تم تقديره سلفا بشأن خواء وهزال ما اصطلح على تسميته «بصفقة القرن»!!. فبعيدا عن اللغة الإنشائية وطرق التقديم المبهرة والوعود غير محددة الأطر والمعالم، فإنه يمكن القول إن محاولة تمرير الشق الاقتصادى للصفقة لم تحقق نجاحا يستلفت الأنظار على الأقل حتى الآن. نلمح ذلك فى مقاطعة السلطة الفلسطينية لفعاليات الورشة بشكل تام، وكذلك المقاطعة أو المشاركة المحدودة غير عالية المستوى لعدد من الدول الفاعلة المعنية وأهمها بالقطع مصر والأردن ولبنان!، وكذلك ردود الفعل الشعبية الغاضبة فى العديد من البلدان بالمنطقة والتى عززتها وواكبتها أغلب الأطروحات الصحفية والإعلامية ذات الصلة، ثم الرفض المصرى القاطع على لسان وزير الخارجية والذى استبعد فيه أى ترهات قد تكون جالت بأذهان البعض بشأن سيناء، الأمر الذى تلقفته باهتمام الصحافة الإسرائيلية خلال الأيام الماضية.
وإن كان ليس من المستهدف من هذا المقال تحليل مضمون الاقتراح ذى الخمسين مليار دولار، إلا أنه بات من المهم تبيان فحواه، فى ضوء أنه سيشغل الرأى العام بالمنطقة خلال الشهور المقبلة، ولحين إعلان الشق السياسى للصفقة. ومن بين كل السرديات التى تناولتها الصحف مؤخرا، أجد أن ما شرحه الدكتور مصطفى البرغوثى ــ الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية ــ هو أقربها للمنطق، فقد أوضح ببساطة أن الخطة قائمة على الخداع استغلالا لتفاقم الأوضاع المعيشية للفلسطينيين وجمود أى عملية سلمية منذ سنوات طويلة. حيث كشف البرغوثى:
أولا: أن رقم خمسين مليار دولار هو لمدة عشر سنوات أى بمعدل خمسة مليارات سنويا فقط.
ثانيا: نصف المبلغ المذكور ــ أى خمسة وعشرون مليار دولار ــ سيكون قروضا بفوائد وليس منحا، وهذه قروض ستثقل كاهل الفلسطينيين إن نُفذت الخطة بمزيد من الديون التى ترهقهم أصلا.. وبالإضافة إلى ذلك فإن 11 مليار دولار من المبلغ المذكور ستكون من رأس المال الخاص الذى سيسعى للربح وليس لدعم الاقتصاد الفلسطينى ومن المشكوك فيه أصلا أنه يمكن جمع هذا المبلغ.
ثالثا: 44%ــ أى حوالى نصف الخمسين مليارا (28 مليارا) ــ لن تعطى للفلسطينيين بل ستصرف فى الدول العربية المجاورة (مصر والأردن ولبنان) بهدف توطين اللاجئين وتصفية حقوقهم الوطنية فى العودة، ولإنهاء وجود وكالة الغوث الدولية.
رابعا: بالتالى فإن المنح المقترحة للفلسطينيين لن تتجاوز ثمانية مليارات دولار لعشر سنوات، أى بمعدل 800 مليون سنويا وهو ما تدفعه فى المعدل الدول العربية والأوروبية للسلطة الفلسطينية حاليا، أى أن المساعدات الموعودة هى نفس المساعدات الموجودة ولكن سيتم تقييدها وجعلها مشروطة بتنازل الفلسطينيين عن القدس وعن حقهم فى دولة وعن فلسطين بكاملها بقبولهم لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لإسرائيل.
خامسا: ما طرحه كوشنر من مشاريع مقترحة لغزة موجه لفصل غزة بالكامل عن فلسطين، ولربطها بالكامل بجزيرة سيناء المصرية وهذا يستدعى يقظة فلسطينية ومصرية إزاء محاولات تحويل غزة إلى مشكلة مصرية وفصلها بالكامل عن فلسطين.
سادسا: فضلا عن أن مصدر معظم الأموال المذكورة الدول العربية، فلماذا تحتاج الدول العربية أن توجه مساعداتها عبر الولايات المتحدة وإسرائيل.
فى حين تبقى تلك النقاط التى طرحتها ورشة المنامة وفندها البرغوثى، على النحو المشار إليه عبارة عن سرديات مبهمة فى انتظار إعلان الشق السياسى للخطة الذى قد يؤجل إلى ما بعد إعادة الانتخابات الإسرائيلية فى سبتمبر المقبل بعدما فشل نتنياهو فى تشكيل الحكومة الائتلافية، إلا أنه بالتأكيد سيظل لها حتى ذلك الحين وبعده ظلالها فى الفراغ السياسى المحيط حاليا بجنبات القضية الفلسطينية. والمحزن أن ما يغفل عنه الكثيرون هو ماهية تأثير تلك الصفقة ــ سواء بإعلانها أو تنفيذها أو حتى تبعات رفضها ــ على فلسطينيى 48 أو ما يطلق عليهم عرب إسرائيل أو فلسطينيى ما داخل الخط الأخضر، وكأن هؤلاء صاروا نسيا منسيا، بعدما سقطوا من الذاكرة الجماعية للأمة العربية، حتى أصبحت الأجيال الجديدة تكاد لا تعرف عنهم شيئا ذا قيمة! فمن هم. ومن أين أتوا؟
عرب إسرائيل والمعاناة
يعيش فى «إسرائيل» اليوم حوالى مليون ونصف المليون مواطن عربى، وهم يشكلون نسبة 20,9% من إجمالى عدد السكان «الإسرائيليين» البالغ عددهم حوالى 8,7 مليون نسمة وفقا لإحصائيات عام 2018. وحسب بعض التقديرات، المختلف عليها، والتى تثير جدلا حادا فى الأوساط الإسرائيلية المعنية، أنه يمكن أن ترتفع هذه النسبة لتصل إلى 31% فى العام 2050.
فمن هم عرب 1948، ومن أين أتوا، وما هى هويتهم وديانتهم، وما هى أوجه التمايز بينهم وبين فلسطينيى الضفة والقطاع؟
منذ قيام دولة «إسرائيل« عام 1948، وأثناء الحرب التى أعقبت ذلك، كان مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين سكنوا المنطقة التى باتت تعرف باسم «إسرائيل» (حسب خطوط وقف إطلاق النار المرسومة عام 1949) إما يهربون من هذه المنطقة، أو يُطردون منها، ليصبحوا لاجئين فى الضفة الغربية، أو قطاع غزة، أو فى البلدان العربية المجاورة. والسكان الذين لم يغادروا (حوالى 150 ألفا) أصبحوا يشكلون أقليةً فى الدولة اليهودية، البعض ضمن قراهم ومدنهم الأصلية، والبعض الآخر فى مناطق داخليةٍ أخرى هُجروا إليها. وخلال السنوات القليلة التالية، قامت إسرائيل باعتماد قانون الجنسية (1952)، والذى تضمن منع عودة الفلسطينيين الذين كانوا يسكنون المناطق التى أصبحت إسرائيلية، وترحيل الفلسطينيين الذين كانوا قد دخلوا إلى هذه المناطق بعد فترة 1947ــ1948 بدون إذن مسبق من السلطات، ولم تمنح أيضا حق استعادة الأراضى والممتلكات لهم وأصبحت تابعة للدولة الاسرائيلية، وتم توزيعها فيما بعد على عناصر المجتمع اليهودى وأصبحت تلك الأراضى والمبانى ملكا لأفراد يهود وجماعات يهودية؛ فى الوقت الذى تم فيه مصادرة أراض وممتلكات تعود إلى سكان فلسطينيين الشرعيين وإلى أشخاص عرب مُهجرين داخليا بحجة انهم مالكون غائبون. أى هؤلاء «المليون ونصف» أبناء وأحفاد ممن استمسكوا بقراهم ومدنهم فى فلسطين القديمة.
وفى مقال آخر سوف استعرض توجهات عرب 1948 السياسية ومساحات الاتفاق والاختلاف السياسى بينهم وبين البعض، فى محاولة لاستشراف الآثار الحالية والمتوقعة لصفقة القرن عليهم وعلى حسابات ولاءاتهم السياسية والدينية.

حازم خيرت مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات