ورطة إسرائيل الداخلية غير المسبوقة - حازم خيرت - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 10:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ورطة إسرائيل الداخلية غير المسبوقة

نشر فى : الخميس 28 نوفمبر 2019 - 9:20 م | آخر تحديث : الخميس 28 نوفمبر 2019 - 9:20 م

قال الرئيس الإسرائيلى رئوفين ريفلين مؤخرا إن دولة إسرائيل تعيش هذه الأيام فى ظروف سياسية قاتمة ومظلمة، وإن هناك عجزا باديا عن تشكيل حكومة. ولا شك أن هذا القول يعكس الوضع السياسى الداخلى الذى يشهد حالة من التشرذم والتخبط غير المسبوق، فرئيس الحكومة والزعيم التاريخى لدولة إسرائيل والذى حكم إسرائيل منذ زهاء عقدين، بات مثقلا بتهم جرائم الرشوة والاحتيال وخرق الثقة والتى حسمها ضده أفيخاى ميندلبليت، المستشار القانونى للحكومة الإسرائيلية.

الغريب فى الأمر هو رد فعل نتنياهو، فهو لم يدافع عن نفسه أو يتظلم بالشكل المتعارف عليه وإنما بادر بهجوم مضاد اتهم فيه أفيخاى ميندلبليت، المستشار القانونى والقضاء والشرطة بالتواطؤ وعدم المهنية وتلفيق التهم، وشكك فى كل الأدلة والاتهامات المدان فيها والتى استند إليها المستشار القانونى للحكومة، بل وتحدث بلغة اتسمت بالتحريض والتهديد بالنزول إلى الشارع ضد السلطات القضائية وأجهزة فرض القانون، وهو أمر غير معتاد إطلاقا بالدول الديمقراطية التى تحرص دوما على انتهاج حكم القانون الذى يعلو ولا يعلى عليه.

ولمن يعرف بنيامين نتنياهو جيدا، فإن رد فعله ليس غريبا بل هو متسق تمام الاتساق مع طبيعة الشخصية المقاتلة والعنيدة والتى تخلط الأوراق حتى فى اللحظات الأخيرة، فهو كعادته متشبث بمقعده كما يتشبث الغريق بطوق النجاة، حتى لو بدأ هذا الطوق فى الانفلات والتفتت، وحتى إذا أحرق الأخضر واليابس، فطبيعة شخصية هذا الرجل، ورؤيته لموقعه فى التاريخ الصهيونى، لا تجعله يقبل أن تنهى حياته السياسية بهذا الشكل المهين، ولعل صورة سلفه أولمرت بالسجن وفى يده «الكلبشات» لا تفارق مخيلته.

مشروع حرب أهلية
يرى عدد من الساسة الإسرائيليين أن المرحلة القادمة ستشهد معركة سياسية داخلية أشبه ما تكون بإرهاصات حرب أهلية لم تشهدها إسرائيل فى تاريخها، لاسيما وأن نتنياهو لديه رصيد لا بأس به فى الشارع الإسرائيلى وخاصة لدى المعسكر اليمينى المهيمن على الساحة السياسية، وقد نجح مؤخرا فى ــ على حد ذكر المتعاطفين معه ــ أن يوحد كتلة الليكود ومعسكر اليمين لصالحه، وأن ينحى جانبا أى شخص من معسكر الليكود تتوق نفسه إلى إبعاده والجلوس على مقعده مثل جدعون ساعر.

وعلى النقيض من ذلك، يرى أغلب خصوم نتنياهو ــ وربما كان تفكيرهم مقرونا بالتمنى ــ أنه يحتضر سياسيا، وأنه لن يستقيل طواعية مهما حدث لطبيعة شخصيته العنيدة، وبالتالى فإنه لا يوجد وسيلة إلا بأن يجبر على الاستقالة، فالرأى العام الإسرائيلى لا يمكن أن يتقبل قائدا ملوثا بالفساد لبلادهم مهما كان رصيده ومهما كان ما تحقق فى عهده من إنجازات سياسية واقتصادية وعلمية وتكنولوجية.

كتلة الليكود تسودها حاليا حالة من الصدمة وعدم التوازن حيث لم تتعرض عبر تاريخها إلى زلزال سياسى بهذا الشكل، ورغم أن أغلب الأعضاء بالكتلة يدعمون نتنياهو إلا أن هناك رصدا بتحرك مكثف يقوده جدعون ساعر خصم نتنياهو داخل الحزب بهدف إقصاء زعيم الحزب الذى يسعى إلى إجراء انتخابات مركزية لاختيار رئيس للحزب تجنبا لإجراء انتخابات ثالثة. فقد طلب ساعر أن يتم ذلك قبل انتهاء مهلة 21 يوما الممنوحة للكنيست لتسمية رئيس للحكومة، وهو ما دفع نتنياهو إلى الاجتماع مع حاييم كاتس رئيس مركز الليكود بهدف إلغاء الانتخابات التمهيدية لأعضاء الكنيست من أعضاء الليكود، وذلك بغية إحباط إمكانية أن يفر عضو كنيست من المقاعد الأخيرة فى قائمة الحزب وينضم إلى تحالف أزرق ــ أبيض إذا ما شعر بأن مكانه فى الكنيست مهددا، إلا أن نتنياهو فى نفس الوقت بدا واثقا من نفسه ولم يعارض إعادة انتخابات لرئاسة الحزب، لكنه تمسك بعقد تلك الانتخابات بعد المهلة المحددة وحل الكنيسيت.

مواقف الأطراف السياسية
حزب أزرق أبيض وحزب العمل والأحزاب اليسارية الأخرى بدآ منذ صدور الحكم بإدانة نتنياهو، بتحرك واسع النطاق لحشد الرأى العام ضده، والمطالبة بتعديل القانون الأساسى للكنيست وهو بمثابة قانون دستورى يمنح الحصانة لرئيس الوزراء الإسرائيلى، وهم يدركون جيدا أن هذا القانون هو حصان طروادة لنتنياهو الذى سوف يستخدمه ويستغله للتمسك بالسلطة.

بينى جانتس، زعيم تكتل أزرق أبيض انتقد نتنياهو بشدة، وذكر أنه لم يجرؤ أى من قادة إسرائيل، من اليمين أو اليسار، أن ظن أن إسرائيل ملك له، وأنها وبدونه ليس لها الحق فى الوجود، ولم يفكر أى منهم فى تحريض شخص على أخيه أو إيذائه وذلك على حد قوله! مشيرا إلى أن هذا التحريض يمكن أن يكون له ثمن خطير ويمكن أن يتحول إلى رصاصات قاتلة كما حدث مع إسحق رابين، وأن نتنياهو بتصرفاته بات يهدد بإشعال حرب أهلية ويدعو لنشر الكراهية. وطالب جانتس بإقامة حكومة وحدة وطنية واسعة برئاسته فى أول عامين تجنبا لانتخابات ثالثة وبشرط استبعاد نتياهو تماما من المشهد.

أما حزب العمل فقد دعا نتنياهو إلى الاستقالة من منصبه فى أعقاب القرار باتهامه بالرشوة وإساءة الائتمان. وتفاديا لانتخابات ثالثة، وينوى حزب العمل تقديم التماس إلى المحكمة العليا من أجل عدم السماح له بالترشح فى الانتخابات القادمة فهو لا يستطيع أن يدير دولة أو يتخذ قرارات سياسية وأمنية فى ظل وجود لائحة اتهام ضده.

القائمة العربية المشتركة دعت نتنياهو إلى التنحية على الفور بالشكل الديمقراطى الذى يسمح به القانون، محذرين من أن رئيس الوزراء ينوى مواصلة التحريض ضد الجهات المسئولة عن فرض القانون، واعتبر أعضاء القائمة المشتركة أن رئيس الوزراء مستعد لكل شىء من أجل التملص من عقوبة السجن، حتى لو اقتضى الأمر إشعال حرب دامية سواء كانت داخل المجتمع الإسرائيلى أو فى المنطقة.

أما باقى معسكر اليمين، فلا يزال موقفه ضبابيا، ولم تظهر بداخله مواقف سواء مؤيدة لنتياهو أو متمردة عليه باستثناء قلة أعربوا عن دعمهم له، كما أن هناك محاولة يقوم بها كل من نفتالى بينيت، وزير الدفاع الحالى وأرييه درعى زعيم حزب شاس بالدفع بفكرة إجراء انتخابات مباشرة، أى انتخابات أخرى لاختيار رئيس الوزراء فقط دون حل الكنيست.

الشارع الإسرائيلى
وعلى مستوى الشارع الإسرائيلى، فقد انطلقت مظاهرات فى جميع المدن الإسرائيلية بين أنصار نتنياهو الذين هتفوا ضد المنظومة القضائية فى إسرائيل، وخصوم نتنياهو الذين يطالبونه بالاستقالة فورا لأنه «فاسد»، إلا أن تلك المظاهرات لم تشهد حتى الآن أى مظاهر للعنف، وإن كان يتوقع عدد كبير من الساسة الإسرائيليين أن يكون هناك تصعيد محتمل لاسيما بعد أن هدد نتنياهو بدفع المواطنين الإسرائيليين للنزول إلى الشارع وحشد عدد كبير من المؤيدين له ضد المستشار القانونى ومؤسسات إنفاذ القانون، وهذا لا شك سيعتمد أساسا على التطورات المتلاحقة فى المشهد الإسرائيلى.

خلاصة القول أن إسرائيل لا شك تشهد منعطفا جديدا وخطيرا فى تاريخها وأن النظام السياسى فيها فى حالة أزمة متعددة الجوانب، ما بين العجز عن تشكيل الحكومة وإعادة الانتخابات أكثر من مرة، وما بين لوائح اتهام متعددة ضد زعيمهم التاريخى الذى حقق لهم الكثير من الإنجازات، وهنا يمكن القول إن ما يحدث فى إسرائيل يعد بمثابة تأكيد على هشاشة المجتمع الإسرائيلى وانقسامه.

والسؤال هنا هل سيستطيع نتنياهو الانفلات من هذه التهم واستمرار مسيرته السياسية، وهل يمكن أن يغامر باختلاق حرب فى المنطقة فى محاولة لاصطفاف الشعب الإسرائيلى وراءه؟ وماذا سيكون شكل إسرائيل حتى أمام المجتمع الدولى وهى التى تتباهى بالديمقراطية والشفافية والحرية أن يكون قائدها متهما بالرشوة والفساد وخيانة الأمانة وخاصة أن أفيخاى ميندلبليت، المستشار القانونى للحكومة الإسرائيلية الذى وجه له هذه الاتهامات هو صديقه ونصيره ودفع به نتنياهو لهذا المنصب ليكون مساندا له ومنحازا إليه.

وهل حقا استنفد نتنياهو كل ما لديه من أوراق وبات عليه الرحيل ولتبدو كل العطايا المساندة له والتى منحه لها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بلا جدوى أمام أزماته التى لا تنتهى، فلأجله نقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، واقتطعت أرض الجولان السورية، وأقرت لصالحه أيضا قانونية المستوطنات.

والسؤال الأخير هو أين صفقة القرن من هذه المعضلة، وهل الإدارة الأمريكية عازمة على طرح ما تبقى من صفقة القرن بعد رحيل نتنياهو؟ أم أن الصفقة قد انتهت بتحقيق ما يريده نتنياهو بالوفاء بالاستحقاقات الإسرائيلية ودون أى استحقاقات فلسطينية.

حازم خيرت مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات