«قراءة في تسريبات صفقة القرن» - حازم خيرت - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 10:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«قراءة في تسريبات صفقة القرن»

نشر فى : السبت 11 مايو 2019 - 10:05 ص | آخر تحديث : السبت 11 مايو 2019 - 10:05 ص

أحدثت التسريبات الاخيرة المتداولة بشأن ما يسمي بصفقة القرن ضجة كبري، لاسيما أنها وردت بموقع الجريدة الإسرائيلية "يسرائيل هيوم" المحسوبة على رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.

 وبصرف النظر عن مصداقية هذه التسريبات، والتي وصفها حتى موقع الصحيفة ذاته بأنها ورقة اليكترونية مجهولة الهوية أو المصدر تم تداولها بين أروقة وزارة الخارجية الإسرائيلية، بل أن مصدرا بالبيت الأبيض قال أنه "لا يعتزم التعقيب على مزايدة أخرى غير دقيقة وغير مفيدة"، إلا أن البنود التي احتوتها تجعل من الصعب تجاهلها، آخذا في الاعتبار أن بعضا مما ورد بها من نقاط قد تقاطعت بلا ريب مع بعض تصريحات لكل من المبعوثين الأمربكيين جاريد كوشنر وجيسون جرينبلات.

  عندما نتفحص وندقق في كل بند ورد في هذه الورقة، نكتشف أنها تنسجم تماماً مع الرؤية الإسرائيلية مثلما عهدناها آنفا، إذ أنها لا تغير من الوضع القائم بشكل كبير، فالمستوطنات وبؤر المستوطنات قائمة وتحت السيطرة الإسرائيلية، "وفلسطين الجديدة"، على حد ذكر الورقة، ما هي إلا إقليم أو قطاع داخل إسرائيل لا يحق له إقامة جيش وسلاحه الوحيد هو سلاح الشرطة، ومما يزيد الأمر سخرية أن المبادرة – وفقا للورقة أيضا - تنص على أن إسرائيل هي التي تتولى الدفاع عن فلسطين الجديدة من أي عدوان خارجي، وبشرط أن تدفع فلسطين الجديدة لإسرائيل ثمن هذه الحماية، ولا أدري من جانبي أي عدوان خارجي يتحدثون عنه!! هل من الاْردن أم مصر أم من جهة أخرى قادمة من الفضاء مثلا؟!!

***

 وإذا كانت هذه الورقة تتضمن حقائق عن المبادرة وليست مجرد بالونة اختبار لقياس مدى تفاعل المجتمع العربي والدولي معها، فإن حلم إسرائيل سيكون قد تحقق، جملة وتفصيلا، لتحصل إسرائيل بالسلام ما لم تحصل عليه أبدا بالحرب ..، فالدول النفطية - على زعم ما ورد بالورقة - ستتحمل العبء الأكبر من تكلفة الرؤية وتطبيقها على أرض الواقع، وستقوم بالتطبيع مع إسرائيل، وحماس ستفكك جميع أسلحتها، وتقوم مصر بمنح أو إيجار أراضي لفلسطين الجديدة - على حسب ما يتوهم واضعو تلك الورقة - بغرض إنشاء مطار ومصانع وللتجارة والزراعة، وليس للسكن. ويظل غور الأردن في يد إسرائيل كما هو الوضع الآن.

أما القدس، وهي أكثر الأمور حساسية للعالم الإسلامي والمسيحي وليس الفلسطينيين وحدهم – فالصفقة وفقا للورقة ما هي إلا تثبيت للأمر الواقع حاليا، ولن تقسم وستظل موحدة، وبالتأكيد المقصود هي موحدة عاصمة لإسرائيل رغم أنها تنص على أنها شراكة بين إسرائيل و"فلسطين الجديدة"، وهذا يرسخ من الفهم الجيد للخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية قبل طرح المبادرة لتكون قد سلمت لإسرائيل الراية وتفرض أمرا واقعا بأن القدس عاصمة لإسرائيل وغير قابلة للنقاش أو تقع تحت بنود مبادرة مطروحة وأسوة أيضا بهضبة الجولان التي أقرت إدارة ترامب سيادة إسرائيل عليها حتى لا يتم طرحها من قريب أو بعيد ضمن صفقة القرن. ووفقا للورقة أيضا، فإن السكان العرب في القدس (المقدسيون) سيكونوا من مواطني "فلسطين الجديدة" بدلا من وضعهم الحالي والذي لايحملون فيه جنسية محددة ويحملون وثائق سفر أردنية!

 بالطبع لن تعارض إسرائيل الصفقة رغم وجود بعض البنود التي توحي وكأنها تنازلات يجب أن تقدمها إسرائيل والتي ستتقبلها في الأغلب "كرما" منها لإدارة ترامب، وذلك رغم أن هناك بعض التوقعات أن يثير اليمين المتشدد والمسيطر على المشهد الإسرائيلي مشاكل لاسيما وأنه يرفض التنازل عن أي أراض للفلسطينيين، وإن كانت الإدارة الأمريكية تعول على نتانياهو وعلى قدرته على تمرير الصفقة.

***

يلاحظ أن الورقة المسربة هي تكريس لمبدأ الدولة الواحدة وليست الدولتين، فتمنح لإسرائيل جميع الصلاحيات، أما "فلسطين الجديدة" فلن تكون إلا تابعة لإسرائيل وتمنح فقط بعض المزايا الافتصادية لرفع مستوى معيشة الفلسطينيين والتعامل معهم كمجرد قضية سكان تحتاج إلى إحسان وعطف وانتعاش الاقتصادي! وإذا كانت هذه الورقة وعلى فرضية أنها تحتوي بالفعل على مجمل المبادرة، فيلاحظ أنها تجاهلت تماما قضايا أساسية وعلى رأسها مشكلة اللاجئين.

الجديد في هذه الورقة -  بلا سوابق تاريخية شبيهه - أنه لأول مرة نرى في مبادرة سلام صيغة تهديد في حال عدم قبولها، فإذا اعترضت منظمة التحرير الفلسطينية وحماس، فإن الولايات المتحدة ستلغي كل الدعم المالي للفلسطينيين وستعمل على ألا تقوم أي دولة في العالم بتحويل الأموال إليهم. وفي حال عدم موافقة حماس والجهاد فقط، فستدعم الولايات المتحدة إسرائيل لضرب قادة حماس والجهاد الإسلامي شخصياً، لأنه ليس من حق مجموعة من عشرات الأشخاص تهديد حياة ملايين البشر على حد ذكر الورقة، وفي محاولة من الإدارة الامريكية لإعطاء الانطباع بأن المبادرة منصفة، أشارت الورقة إلى أنه في حال عارضت إسرائيل هذا الاتفاق، فسيتوقف الدعم الاقتصادي لها، وهو لاشك معروف لدى الجميع أن هذه العقوبة غير قابلة للتنفيذ لأنه من ناحية، ليس من المتوقع أن ترفض إسرائيل هذه المبادرة المفصلة على هواها، ومن ناحية أخرى لاتجرؤ أو تتوفر الشجاعة لدى أي ادارة أمريكية على فرض عقوبات على إسرائيل، لاسيما مع قرب انتخابات الرئاسة بعد قرابة ١٧ شهرا!.

 خلاصة القول - وإذا صدقت التسريبات-  فإن الأجدى والأكثر دقة أن يطلق عليها "صفقة إسرائيل" وليس "صفقة القرن"، فما هي إلا خطة لحل سياسي مفروض يعمل على دمج إسرائيل بالمنطقة كقوة إقليمية اقتصاديا وعسكريا، وتَستثمر ضعف الوضع العربي والفلسطيني الراهن لصالحها، كما تستند إلى فشل كل المبادرات السابقة لتفرض الحل، العرب في موقف لا يحسد عليه، ويبدو من فلسفة تلك المبادرة أو الصفقة أنها تنبع من فكر رجال الأعمال وليس حسابات رجال الدولة، وكيف لا وهي تتجاوز حدود المنطق والقانون الدولي والشرعية وحسابات التاريخ والدين والجغرافيا، إذ أن اختزال القضية الفلسطينية في مجرد بعد اقتصادي لا يعني سوى هزال الفكر وضحالة التفكير وضعف التحليل والفهم لتعقيدات المشهد الإقليمي برمته ... فلا عجب أنه لا أحد سوف يقبلها لا الفلسطنيونً ولا الدول العربية المعنية بما ورد بهذا الطرح!

ورغم كل ذلك، لكم أتمني أن يكون لدينا سيناريو واستراتيجية للتعاطي مع هذه الصفقة عند طرحها وفقا للمبادىء والمصالح، وأنا هنا أضع المباديء قبل المصالح على عكس الدول الاخرى، لأن هذا هو قدر مصر الدولة العربية الكبرى والحاضنة للقضية الفلسطينية. قد يرى البعض أنه قد يحسّن التساؤل عما إذا كان بالمقدور التعاطي مع هذا الرفض بطريقة مختلفة عن المبادرات السابقة عبر إبداء الاستعداد للنظر لفحوى الصفقة ثم طرح التعديلات العربية أسوة بما فعلته إسرائيل بالمبادرة العربية سلفا، أم أن هذا سيكون مخالفا لمواقفنا الثابتة وتنازلا عن التزامنا بمبادرة السلام العربية، وتنازلا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ... عموما للمثقف والكاتب حرية التفكير ويبقي للسياسي حدود المصلحة وحسابات الرأي العام وضرورات الوضع الإقليمي.

 

الاقتباس

خلاصة القول - وإذا صدقت التسريبات-  فإن الأجدى والأكثر دقة أن يطلق عليها "صفقة إسرائيل" وليس "صفقة القرن"، فما هي إلا خطة لحل سياسي مفروض يعمل على دمج إسرائيل بالمنطقة كقوة إقليمية اقتصاديا وعسكريا، وتَستثمر ضعف الوضع العربي والفلسطيني الراهن لصالحه.

حازم خيرت مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات