الآثار المتوقعة لتنفيذ صفقة القرن على عرب 48 - حازم خيرت - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 5:30 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الآثار المتوقعة لتنفيذ صفقة القرن على عرب 48

نشر فى : الخميس 1 أغسطس 2019 - 9:10 م | آخر تحديث : الخميس 1 أغسطس 2019 - 9:10 م

استعرضت فى مقال سابق ما حملته ورشة المنامة عن الشق الاقتصادى لما يعرف إعلاميا باسم «صفقة القرن»، وأوضحت ردود الفعل الرسمية والشعبية التى ساد أغلبها السلبية أو الفتور معا باستثناء مساحة ما رمادية ما زالت غير واضحة المعالم. أوضحنا كذلك أن الشق السياسى للصفقة سوف يتعين إعلانه بعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة فى سبتمبر وليس قبلها، مثلما أفادت عدة تصريحات أمريكية. وتساءلنا فى هذا الصدد عن الجانب المتغافل أو المنسى فى هذا الخصوص عن تأثير تبعات تلك الصفقة، قبولا أو رفضا، على عرب إسرائيل الذين يقدر عددهم بنحو المليون ونصف المليون نسمة، أى قرابة ٢١ فى المائة من عدد مواطنى إسرائيل.
إجمالا للقول، كنت قد نشرت مقالا بمجلة «الدبلوماسى» فى عددها الصادر فى شهر ديسمبر الماضى عن فلسطينى (عرب) 1948، دحضت فيه بالدليل والبرهان خواء وهزال النظرة النمطية السلبية السائدة لدى شريحة كبيرة من المواطنين فى مصر والبلدان العربية الأخرى تجاه هؤلاء الفلسطينيين، لاسيما بعد أن أثار انتقال اللاعب «العربى المسلم» مؤنس دبور، والذى يحمل الجنسية الإسرائيلية، إلى فريق نادى ليفربول الإنجليزى خلال فترة الانتقالات الشتوية الماضية جدلا واسعا، حيث طالبت بعض الأصوات الزاعقة اللاعب المصرى محمد صلاح بالرحيل عن ليفربول إذا تمت تلك الصفقة! وأوضَحَت بجلاء أن هناك نظرة يغيب عنها الوعى الحقيقى ولربما غلبت عليها العبارات الشعبوية التى غالبا ما تكون مضللة للحقيقة من خلال نعتهم ظلما وجورا بلقب «الخونة»، لاضطرارهم لحمل الهوية الإسرائيلية كمستند لتسهيل الحياة اليومية والسفر والترحال، لاسيما وأن الفلسطينيين أنفسهم بقيادتهم وشعبهم ينظرون لهذا المجتمع العربى داخل إسرائيل، وباستثناء فئة قليلة، بأنهم فلسطينيون ووطنيون ومقاومون للاحتلال، فضلوا المكوث والاستمساك بأراضيهم منذ النكبة وما تلاها عن الرحيل، مستشهدا فى هذا الصدد بوقائع تاريخية منذ بدء الصراع تؤكد على تلك الحقيقة الغائبة لدى الكثيرين.

تبعات صفقة القرن
التساؤل الآن، كيف سيستقبل هؤلاء الإعلان عن ورشة المنامة باعتبارها تمهيدا لصفقة القرن، وتبعات رفضها أم تنفيذها إذا كانت القيادة الفلسطينية قد أعلنت منذ الآن رفضها لما بات يعرف إعلاميا بصفقة القرن، وقبل أن تعلن رسميا، بشقيها الاقتصادى قبل السياسى، لكونها منحازة تماما لإسرائيل وتفتقد الحد الأدنى من الرشد السياسى الواجب، فمن الطبيعى إذن أن يكون موقف الشعب الفلسطينى متناسقا مع موقف قياداته فى رفض تلك الصفقة، وبالتالى، فإننا نتوقع أن عرب 48 ــ والذين يعتبرون أنفسهم جزءًا لا يتجزأ عن الشعب الفلسطيني ــ سيرفضون بدورهم الصفقة أو على الأقل أكثريتهم.
هذا ما أكدته بالفعل الورقة البحثية التى أعدها المركز الدولى للاستشارات، وهو أحد مراكز الفكر الذى يترأسها الدكتور وديع أبو نصار، من فلسطينى 1948 ومقرها فى حيفا حول مآلات صفقة القرن وتبعاتها على عرب إسرائيل، فإن الغالبية من الوسط العربى داخل إسرائيل ترفض رفضا تاما الصفقة، باستثناء البعض ممن اندمجوا داخل المجتمع الإسرائيلى ويرون فى تلك الصفقة فرصة مواتية لاستئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، انطلاقا من قاعدة أن الواقع يملى على الجميع التعاطى إيجابيا مع هذه المبادرة الأمريكية، باعتبار أن واشنطن هى اللاعب الوحيد الفاعل والقادر على تحريك عملية السلام، ويرون أن التفاعل مع المبادرة هو على الأقل أفضل بكثير من الوضع الحالى وخاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يكابدها الفلسطينيون فى مناحى الحياة اليومية.
***
إلا أن هذا الرفض المتوقع ــ مثلما أشارت الورقة البحثية ــ لا يجعلنا نغفل حقيقة أن هناك اختلافات رئيسية فى المواقف السياسية لهذا الوسط.. يمكن تصنيفها إلى أربعة تيارات:
الأول: هم من يتمسكون بهويتهم العربية وهم الأغلبية، وينقسم هؤلاء إلى من يميلون إلى الانخراط السياسى ويصوتون لصالح الاحزاب العربية فى الكنيست، أو أولئك الذين يقاطعون الانتخابات ويرفضون تماما التعامل مع أية مؤسسة سياسية إسرائيلية باعتبارها كيانا محتلا.
الثانى: هم الذين ينتمون إلى الحركات الإسلامية، والمقسمة بين أنصار الفرع العقائدى الذى يتزعمه الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الاسلامية فى الداخل الفلسطينى والمحظور نشاطه، وأنصار الفرع البراجماتى الذى يقوده الشيخ حماد أبو دعبس (الممثل فى الكنيست من خلال «القائمة الموحدة» وهى إحدى أربع قوائم عربية ممثلة فى الكنيست الاسرائيلى حاليا).
الثالث: هم المسيحيون المتدينون والذين يسلطون الضوء أكثر على هويتهم الدينية بعيدا عن السياسة.
الرابع: وهى فئة الأكثر اندماجا بالمجتمع الإسرائيلى، وهم ما زالوا فئة قليلة يهتمون بقضايا مجتمعية بعيدا عن الانخراط فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. ورغم حرصهم على الحفاظ على هويتهم الثقافية وعاداتهم وتقاليدهم، إلا أنهم انخرطوا بالفعل داخل المجتمع الإسرائيلى بل إن بعضهم يشارك فى التصويت فى العمليات الانتخابية لبعض الأحزاب اليسارية واليمينية، وهم فى الأغلب ينتمون إلى الطائفة الدرزية، بل أن عددا قليلا منهم بات انتماؤه وولاؤه للدولة العبرية ومنهم من تولى مناصب وزارية، وكذلك مناصب قيادية داخل المؤسسات العسكرية والأمنية.
فى الأغلب أن تلك الصفقة ستعمق الخلافات السياسية بين التيارات الأربعة السالف بيانها، فالمستمسكون بهويتهم العربية لسوف يقفون مع الموقف الفلسطينى الرسمى والشعبى الرافض، وذلك وفقا للسوابق. ولربما يلجأ أنصار الفئة الثانية ــ أى الإسلاميون ــ إلى استغلال حالة الإحباط فى تغذية الشعور بالحاجة إلى الحل الدينى للصراع بعدما فشلت السياسة وأدواتها فى حلحلة الأمر على مدار عقود! أما الفئة الثالثة أى المسيحيون المتدينون، فسيكون موقفهم حرجا مشدودا على سلك رفيع ما بين الحاجة إلى مساندة الحق الفلسطينى بصورة عقلانية أم الصمت تجنبا لقاعدة أن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة! وهو أمر قد لا يلامون عليه من وجهة النظر الواقعية، فليس من يعيش فى كنف الاحتلال كمن يعيش خارجه. أما أنصار الفئة الرابعة، فلقد حسموا أمرهم ولاءً واعتبارا لمصلحتهم الذاتية فى الذوبان فى كنف الدولة الإسرائيلية.
***
هذه التقديرات الذاتية عكستها أيضا خاتمة الورقة البحثية السالف الإشارة اليها، فحذرت صراحة من أن صفقة القرن ستكون بالتأكيد لها أثر سلبى على عرب 1948، ومن الطبيعى أنهم سيتفاعلون وسيتضامنون مع باقى المواطنين الفلسطينيين فى الضفة الغربية وقطاع غزة، وستزيد وتيرة اليأس والإحباط ومن ثم تتعاظم إمكانية اللجوء إلى المقاومة والتظاهرات والاعتصامات والعنف ــ فى ضوء أنها تعنى تصفية شبه كاملة للقضية الفلسطينية، لتزداد بالتبعية حدة الاضطرابات والتعايش الهش بين اليهود والعرب داخل إسرائيل، وسيستغل ذلك اليمين الإسرائيلى المتطرف لتدعيم مواقفه العنصرية وترسيخ رؤاه خاصة بعدما أصبح يتصدر المشهد الإسرائيلى، ونجح فى تمرير قانون ما يسمى «قانون الدولة القومية لليهود فى إسرائيل» فى يوليو 2018 ــ وهو قانون لا شك يرسخ العنصرية والتمييز لليهود ويضع العرب فى مرتبة ثانية ــ دون مبالاة بأى ردود فعل دولية رافضة أو منتقدة.
خلاصة القول إن صفقة القرن ووفقا للتسريبات لن تكون فقط ذات تأثير سلبى على الحل الشامل والعادل وحصول الشعب الفلسطينى على أبسط استحقاقاتهم بل ستؤثر أيضا سلبا على التعايش بين العرب واليهود داخل إسرائيل، بل وستزيد الشعب الفلسطينى ــ خاصة الوسط العربى داخل إسرائيل ــ تشتتا وانقساما ما بين رافض ومؤيد وصامت.

مساعد وزير خارجية سابق

حازم خيرت مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات