السياسة على طريقة مبارك - رباب المهدى - بوابة الشروق
الخميس 2 مايو 2024 2:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة على طريقة مبارك

نشر فى : الأحد 22 يناير 2012 - 9:10 ص | آخر تحديث : الأحد 22 يناير 2012 - 9:10 ص

يبدو أن البعض مازال لا يستوعب تمامًا أن هناك ثورة بدأت فى مصر منذ عام. لا ينطبق هذا على من فى السلطة أو حتى من يطلق عليهم «الفلول» أو «حزب الكنبة» فقط، ولكن يشمل بعضا من النشطاء والسياسيين ممن شاركوا وساهموا فى هذه الثورة. أذكر هذا على خلفية المناقشات الدائرة فى الأوساط السياسية حول «تعيين» بعض ممن يطلق عليهم شباب الثورة فى البرلمان وظهور الكثير من المبادرات خلال الشهر الماضى تحاول إحياء ما يطلق عليه «لجان الحكماء» وأخيرا الاحتفاء الشديد من قبل البعض بقرار الدكتور محمد البرادعى بالانسحاب من سباق الرئاسة. كل من هذه الظواهر الثلاث تشير ــ فى تقديرى ــ لخلل فى فهم التغيرات الجذرية التى حدثت فى ملعب السياسة المصرية منذ ٢٥ يناير الماضى وهى بالأساس دخول جماهير واسعة فى معادلة صنع السياسة.

 

ففى الحالة الأولى استغربت من دعوة البعض واتفاقهم على وضع قائمة بأسماء بعض النشطاء وإرسالها للمجلس العسكرى لتعيينهم فى مجلس الشعب. مدعى الاستغراب والاستنكار ليس فقط من أن هذه الأسماء هى ممن يرجمون المجلس العسكرى (بالحق) طول الوقت ويروون فيه امتدادا لنظام مبارك ومجلس لقيادة الثورة المضادة، بالتالى لا يستقيم أن أطلب ممن لا «يملك» أن «يعطى»، وفى هذا عدم اتساق واضح. ولكن وهذا هو الأهم، أن منطق «التعيين» فى مجلس منتخب من المفترض أن يمثل الشعب ويعبر عن إرادته هو فى حد ذاته ضرب لأبسط مبادئ النظام الديمقراطى الذى خرج هؤلاء النشطاء وكثير من المصريين لإقامته. وإذا كان هؤلاء النشطاء يرون أهميه لوجودهم فى مجلس الشعب وأن يكونوا «كتلة ثورية» فى داخله ــ وكان هذا منطق البعض فى محاولة إقناعى بالانضمام لهذه القائمة ــ لماذا لم يدخلوا الانتخابات والتى لم يبرد وطيسها بعد؟ وفى هذا اعتراف ضمنى بأنهم لم يروا فى أنفسهم القدرة على دخوله عن طريق اختيار الجماهير (التى من المفترض أن يمثلها هذا المجلس) والقبول بدخوله بإرادة واختيار ١٩ جنرالا فى المجلس العسكرى الذى يرفضونه. وما هو حجم التأثير المفترض لكتلة من عشرة أفراد داخل مجلس يضم أكثر من ٥٠٠ عضو. وكأن هؤلاء النشطاء نسوا أو تناسوا كيف دجن نظام مبارك المعارضة وجعل من الأحزاب ديكورا. إن النفوس لا تكسر بالخوف فقط، فدائما كان سيف المعز مصاحبا لذهبه.

 

فى الحالة الثانية بادر بعض السياسيين والنشطاء بخلق مجموعات فيما بينهم لـ«تصحيح مسار الثورة» وكانت كل الأسماء المكونة هى ذات الأسماء التى تصدت لمواجهة مبارك خلال العقد الماضى. ومع الاحترام الشديد لهذه الشخصيات وأهمية استمرار مشاركتها فإن قصر هذه المبادرات عليهم يتغافل عن أن ما كان ممكنا وقت مظاهرات العشرات أمام نقابة الصحفيين فى عهد مبارك لم يعد ممكنا أو حتى مستحبا فى وقت دخل فيه الملايين لأتون السياسة. لم يعد من العقل أو المنطق التعامى عن هذه الكتل من الشعب المهتمة والمشاركة فى السياسة (بأشكال مختلفة) وتصور أن تنصب بعض الشخصيات من نشطاء وسياسيين أنفسهم أوصياء عليهم ليصححوا مسار الثورة منفردين. فإذا كان مجلس الشعب المنتخب من عشرات الملايين لن يكون وحده قادرا على تصحيح هذا المسار أو استكمال الثورة دون حراك وضغط جماهيرى من خارجه، فكيف لنا أن نتصور أن مجموعة من الأفراد مهما كانت ثوريتهم وتاريخهم المشرف قادرة على القيام بهذه المهمة. أفهم أن تكون هناك مبادرات لنشطاء تقوم على توسيع المشاركة الشعبية مثل «تعالوا نكتب دستورنا» و«كاذبون»، لا أن تكون محاولات لإعادة خلق لجان حكماء وقصر السياسة على محترفيها. يا سادة، رقعة العمل السياسى فى مصر أصبحت تتخطى أجندة تليفوناتنا جميعا والأسماء التى تحملها منذ عام ٢٠٠٥.

 

أما الحالة الثالثة لامتداد فهم السياسة كما كانت قبل ٢٥ يناير، فتظهر فى احتفاء البعض بقرار الدكتور البرادعى وتصويره على أنه الخيار الثورى الوحيد فى مقابل ما يحدث من التفاف على الثورة. وكأن هذه الأصوات تستدعى الموقف السياسى الذى كان صحيحا وقت مبارك حول مقاطعة الانتخابات ورفض إن تكون قوى المعارضة الجذرية ديكور أو محلل فى تمثيلية الانتخابات التى كان يلعبها. ولكن ما لا يدركه هؤلاء أن الوقت تغير. لم يتغير بمعنى أن النظام الحالى أكثر ديمقراطية فالنظام الحالى هو امتداد سيئ لنظام مبارك (مثلما أشار البرادعى)، ولكن النسق تغير بمعنى اهتمام الجماهير بالسياسة ورؤيتها لأهمية الانتخابات. ووضح هذا الاهتمام جليا فى تضاعف عدد المصريين الذين ذهبوا للتصويت فى الاستفتاء ثم الانتخابات البرلمانية وفى عدد المتابعين لمرشحين الرئاسة المحتملين. وكيف يستقيم منطق طلب تسليم السلطة لمدنيين مع الاحتفاء بانسحاب هؤلاء المدنيين من معركة الرئاسة ومطالبة الكل بأن يحذوا حذوا البرادعى. معركة الرئاسة هى فرصة ووسيلة لفضح محاولات الالتفاف على الثورة سواء من المجلس العسكرى أو من بعض المرشحين. والمقاطعة سلاح وليست هدف فى حد ذاته واستخدام هذا السلاح مرتبط بشكل وطبيعة المعركة التى تغيرت بشكل جذرى منذ أن خرج المصريون فى ٢٥ يناير.

 

إن الخيط الناظم لهذه الظواهر الثلاث والمنطق المشترك بينهم هو غياب الإحساس بأهمية وإمكانية المشاركة الشعبية أو التعالى عليها. ففى كل تلك الحالات هناك منطق أو تصور مستتر أن النشطاء السياسيين (الدوائر الضيقة من القاهريين) هم من يملكون تعريف مسار التغيير وتحديد المعارك المهمة وحدهم. بل وهم وحدهم القادرون على إدارتها سواء بالتعيين فى البرلمان أو تشكيل لجان أو تقرير أن انتخابات الرئاسة معركة غير ذات جدوى. وفى كل تلك الحالات يبقى الوهم أو الاستسهال هو سيد الموقف. ويبقى الأمل فى جموع المصريين خارج هذه الدوائر الضيقة وجزء من السياسيين والنشطاء انحازوا للتنظيم والعمل مع هذه الجموع.

التعليقات