كَلِمة هذا العام - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:42 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كَلِمة هذا العام

نشر فى : الجمعة 22 ديسمبر 2017 - 9:30 م | آخر تحديث : الجمعة 22 ديسمبر 2017 - 9:30 م
أعلنت معاجم أوكسفورد عن المُفردة الإنجليزية المُستَحدَثة التي تمَّ اختيارها، لتصبح كلمة عام ألفين وسبعة عشر: «youthquake» لا يُمكن إيجاد مُفردة عربية واحدة تحلُّ مَحَلَّ هذه الكلمة، شأنها شأن عديد المفردات والمصطلحات الأجنبية؛ لكنها على كل حال نتاج الجمع بين كلمتين مُنفصلتين، قائمتين بذاتهما، ودمجهما معًا؛ الأولى بمعنى الشباب والثانية بمعنى رجفة أو هزّة، بما يجعل الحصيلة النهائية، مُصطلحًا جديدًا ومثيرًا: "هزّة شبابية ".

***

أذاعت بعض القنوات التلفزيونية الخبر، مُحتفيةٍ بالكلمة الجديدة، فيما أفردت لها صحفٌ ودورياتٌ عدة، مساحات للنقاش والحوار. الهزَّة الشبابية المقصودة تنتمي إلى حقل السياسة وألغامه، هي تعبير مُكافئ للهزة الأرضية أو في كلمة واحدة: الزلزال. استُخدِمَت الكلمة في الإشارة إلى احتشاد مجموعات كبيرة الحجم مِن الشبان والشابات البريطانيين أمام صناديق الاقتراع، داعمةً لرئيس حزب العمال جيمي كوربِن، دافعةً به إلى إحراز انتصار. لم يكن تحرك هذا القطاع العمريّ المؤثر مَسلكًا مُعتادًا، ولا كانت حماسته ومشاركته القوية، أمرًا في الحسبان؛ بل مفاجئةً حقيقية، استدعت إلى الأذهان ما تصنعه الزلازلُ بالرواسي الثابتة.

***

كثيرة هي المفردات والتعبيرات التي ابتكرناها على مرّ الأعوام الفائتة، فاستقرت في قاموسنا الشفهيّ، وصار لها استعمالٌ يوميّ، ولا نزال في حقيقة الأمر نبتكر الكثير والكثير. مَقدرتنا على اشتقاق ألفاظ ومقاطع جديدة تعبر عن واقعنا وحالنا، مَقدرة مُتميزة، هائلة، معينها لا ينضب، لا شكّ فيها ولا تشكيك؛ لكننا في أغلب الأحيان لا نرصد ما نصنع، ولا نوثِّق ولا نملِك الإحصاءات والبيانات، ولا نهتم بدراسات اللغة المُعاصِرة وما يعتريها من تطورات، بل وقد لا نتحرى ما نقول في مواقف تستلزم الدقة والتحديد، بل نلتزم العشوائية. 

***

ليس لدينا بالطبع زلزالٌ شبابيٌّ ولا بركان ولا طوفان، ولا حتى القليل مِن رياحٍ أو نسيم؛ يتخلَّل الساحةَ السياسيةَ المُحتدِمة ويرطِّبها، لكننا بكل تأكيد، نملِك ألمًا عظيمًا، وكربًا ليس كمثلِه كربٌ؛ تدعونا أحوالنا لابتداع واشتقاق ما يصفها وصفًا يليق، ويشخِّصها دون زيادة أو نقصان .

***

هذه الصبيحة يحتفل المَجمَع المصريّ بيوم اللغة العربية الذي حلَّ في الثامن عشر من هذا الشهر؛ ضيفًا خفيفًا، لا يُثقِل على أهلِه ولا يحمِّلهم مَشقَّةً ولا يكبِّدهم عناءَ الاستعداد والترتيب. يقيم المَجمَع سنويًا عددًا مِن الفعاليّات احتفاءً بهذا اليوم؛ محاضرات مُتنوعة، وكلمات ومُقترحات تُلقى في جُموع الحاضرين، فتجد آذانًا مُصغية داخل الجدران؛ لكنها تصطدم في الخارج بصَمَمٍ تام. هذه المرة يُضافُ إلى المُكَرَّر جديدٌ، فثمّة قانون لحماية اللغة العربية يطرق الأبوابَ، وثمّة جدال بشأنه، يستحق أن تُفرَد له مساحات، وتُفتَح أبوابٌ، ولهذا حديث يطول.

***

تساءلت مع مُطالعتي لما كُتِب ونُشِر عن لغة الضاد، ومُتابعتي لأصداء انتخاب الكلمة الانجليزية هنا وهناك؛ ترى ما هي المفردة العربية التي يمكن أن نعدها بحقّ ”كلمة العام“؟ المفردة التي استعملناها كثيرًا، وترددت بيننا مِرارًا، وطافت على ألسنة السياسيين، وظهرت في سطور الكُتّاب وتداولتها وسائلُ الإعلام، واستحقَّت عن جدارة أن تصبح كلمة العام المنصرم؟ لو كان لي أمر الاختيار، لانتخبت تعبيرًا مِن تلك التعبيرات التي احتلت مَوقعًا مُتميزًا على ساحات التواصل الاجتماعيّ، والمنصّات الإلكترونية؛ وما أكثرها؛ فقد حفل خطاب السلطة السياسية في الآونة الأخيرة بمصطلحات عربية جديدة؛ بعضها نتاج الجمع بين كلمة أو أكثر، تلقفها المتحدثون وأصحاب البرامج والأعمدة، فكرسوها ومنحوها الأمان والاستقرار، ووزعوها على آلاف وربما ملايين الأفواه التي تداولتها وأعادت إنتاجها، وتراكمت بانتشارها المعاني والدلالات. 

***

بعيدًا عما قد يحمل هذا المصطلح أو ذاك من إشارات اجتماعية واقتصادية وسياسية، أظنّ أن قيام المَجمَع بانتقاء كلمةٍ جديدةٍ مِن حصاد كلِّ عام، والإعلان عنها خلال احتفالية يوم اللغة العربية، مَشفوعة بحيثيات ضمِّها إلى المُعجَم، قد يمثِّل حدثًا مُثيرًا؛ يجدِّد ارتباطَ المَجمَع بالجماهير العريضة المُبدِعة، ويربطُ علومَ اللغة بواقع المُجتمَع، ويدعم الصلةَ بين الفكرة ووعائها؛ ذاك الذي تُصاغُ فيه وتصقلها أدواته، فالحقُّ أن ذخيرتنا اللغوية هائلة، وإبداعنا الفطريّ وافر، ودرجاتنا النهائية هزيلة مُخجِلة.

***

ختامًا؛ أطلقت دار الإفتاء المصرية حملةً لتلافي أخطاء اللغة العربية وأسمتها ”صلح عربيتك“ بحثت عن كلمة ”صلح“ في المعاجم وقد اندهشت من وجودها، فالكلمة المنضبطة لغويًا التي أعرفها هي الفعل ”أَصْلِح“. وجدت ”أَصْلِح“ في المُعجم بسهولة، ولم أجد ”صلح“ إلا في شعار الحملة العجيب، وفي عناوين بعض التسجيلات المرئية؛ التي تبين للناس كيف يتعاملون مع أعطال سياراتهم.
بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات