دواء قديم في عبوة جديدة - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 12:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دواء قديم في عبوة جديدة

نشر فى : الأحد 23 أغسطس 2009 - 9:27 ص | آخر تحديث : الأحد 23 أغسطس 2009 - 9:27 ص

 لا ينبغى لأحد أن يستبق نتائج المحادثات المكثفة التى أجراها الرئيس مبارك فى واشنطن مع الرئيس الأمريكى أوباما، أو أن يتوقع تغييرا سريعا فى المشهد الراهن فى الشرق الأوسط، أو سلوكا مختلفا تتراجع فيه إسرائيل عن نزعاتها العدوانية وعن أطماعها فى الأراضى الفلسطينية.

فما حدث لم يكن غير فصل جديد فى نزاع لم تكتمل فصوله منذ عقود. وقد سبقته فصول حملت عناوين مختلفة مثل الرباعية، وخريطة الطريق، وأنابوليس.. أسدل عليها الستار باختفاء جورج دبليو بوش وإدارته، واختفاء بعض شخصيات مثل عرفات، وانقسام الفلسطينيين على أنفسهم بين فتح وحماس. وحدوث تغير كبير فى تضاريس الخريطة السياسية للمنطقة، برزت فيها قوى جديدة وتضاءلت قوى أخرى.

حدثت هذه التطورات خلال فترة وجيزة، لا تتعدى ولاية رئيس أمريكى واحد مُعاد للعرب والمسلمين، فشلت سياساته اليمينية المحافظة. وجاءت فى أعقابه ولاية جديدة لرئيس أمريكى جديد ــ باراك حسين أوباما ــ هو مزيج من ثقافات وخلفيات أقرب للمزاج الأمريكى ومثله العليا، مُحمل بالرغبة فى تغيير أمريكا وعلاقاتها بالعالم الإسلامى والشرق الأوسط. وكانت زيارته للقاهرة وخطابه إلى العالم العربى والإسلامى من فوق منبر مصرى، بمثابة دعوة لفتح صفحة جديدة فى العلاقات. ومحاولة لإعادة قدر من التوازن فى التعامل مع القضية الفلسطينية وتحقيق السلام فى المنطقة.

من الواضح أن الشهور السبعة الماضية لم تذهب سدى. وأن إدارة أوباما تحركت بقوة عبر مبعوثها ميتشيل لإعادة ترتيب الأوراق والمواقف، مع مصر وإسرائيل والفلسطينيين وسوريا ودول الخليج بما فيها السعودية. وحين تقررت زيارة الرئيس مبارك بعد خمس سنوات من قطيعة مع الإدارة السابقة، كانت الأجواء قد ترطبت واستعاد الطرفان قدرا من الثقة المتبادلة التى فتحت الطريق أمام فرصة جديدة لعمل مشترك، ربما يضع القضية الفلسطينية فى مكانها الصحيح ويصحح أخطاء الإدارة السابقة.

الذين يرقبون المشهد مثلنا، وقد لا يلمون بدقائق المحادثات وجلساتها المغلقة، والذين تابعوا ما حملته كلمات الرئيس الأمريكى من وعود.. وما استبقت به كلمات الرئيس مبارك من شروط تضع الأسس العادلة لتسوية دائمة بين إسرائيل والفلسطينيين، لابد أن يتمسكوا بقدر من التحفظ وعدم التسرع فى انتظار ما تسفر عنه الخطة الأمريكية من خطوات، قبل أن تتعلق بآمال كاذبة.. فهناك شروط يجب أن تبدأ بها إسرائيل لوقف الاستيطان، ليس بصفة مؤقتة. ولكن بصفة دائمة، قبل الدخول فى مفاوضات مع الفلسطينيين.

وقبل أن يهرول المتعجلون إلى التطبيع بحثا عن منافع عاجلة. ونحن نعرف كيف سعت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية السابقة، فى جولات مكوكية لا يحصيها عدد بحجة حمل إسرائيل على وقف الاستيطان دون جدوى. أو بالأحرى دون نوايا جادة من جانب واشنطن.

وحتى هذه اللحظة، جرى تبادل أفكار وتصورات. لا أكثر بين مبارك وأوباما، ووضع كل طرف حدوده الدنيا والقصوى ورؤيته لما يمكن قبوله وما لا يمكن، فى انتظار الدخول فى مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين. وفى الأغلب فقد تحدث الرئيس مبارك باسم الدول العربية، كما تحدث أوباما نيابة عن إسرائيل. وقد لا تتضح معالم الموقف وتفاصيل الخطة الأمريكية قبل سبتمبر فى اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.

تنظر مصر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها أم المشاكل التى تهدد السلام فى الشرق الأوسط. ولكن الحقيقة هى أن العلاقات الثنائية بين أمريكا ومصر تنعكس بإشعاعاتها على سائر قضايا المنطقة فى فلسطين ولبنان وسوريا والسودان والخليج وإيران. ولهذا السبب كان ضروريا أن تتباعد مصر عن أية خطط عسكرية أو مظلات دفاعية أمريكية يجرى إعدادها للمنطقة.. بعد أن تعددت السيناريوهات والتهديدات للتعامل عسكريا مع إيران إذا فشلت الجهود السياسية فى حل تعقيدات الملف النووى، الذى تعمل إسرائيل بكل ما تملك على إعطائه الأولوية فى إقرار السلام وحل قضايا الشرق الأوسط.

بهذا المعيار يمكن النظر إلى الزيارة المصرية لواشنطن، على أنها فتحت نافذة لعمل مشترك، لا يضمن أحد نتائجه فى المستقبل القريب. وقد لا يكون أكثر من الدواء القديم الذى عرفنا كثيرا من مفرداته وعناصره مع إدارات أمريكية سابقة، ولكن أعيدت تعبئته فى عبوة جديدة وربما باسم جديد.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات