روايتان متناقضتان وحقيقة واحدة - محمد سيف الدولة - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 3:20 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روايتان متناقضتان وحقيقة واحدة

نشر فى : السبت 23 ديسمبر 2017 - 9:05 م | آخر تحديث : السبت 23 ديسمبر 2017 - 9:05 م
منذ عام 1993 وهناك روايتان عن اتفاقيات السلام الفلسطينية الإسرائيلية المشهورة باسم أوسلو، رواية فلسطينية وأخرى صهيونية: أما عن الرواية الفلسطينية ومع افتراض حسن النوايا، فتقدمها لنا جماعة السلطة، وتروج لها الأنظمة العربية وخلاصتها:

ــ أن التسوية مع إسرائيل هى الممكن الوحيد فى ظل موازين القوى الدولية الحالية، خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتى، وانفراد الولايات المتحدة بالعالم. 

ــ وأن حلم تحرير كامل التراب الفلسطينى غير واقعى وغير ممكن. 

ــ وأن الممكن الوحيد هو الحصول على دولة فلسطينية كاملة السيادة فى الضفة الغربية وغزة، عاصمتها القدس الشرقية، خالية من أى مستوطنات اسرائيلية، مع التمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينيين. 

ــ وأن الطريق الوحيد لذلك هو التفاوض السلمى، فالمواجهة العسكرية مع إسرائيل هى عملية انتحارية، ولن تؤدى إلى شيء.

ــ ولكى تقبل اسرائيل قيام دولة فلسطينية، فلابد من الاعتراف بشرعية وجودها، والتنازل عن فلسطين 1948، ونبذ العنف والمقاومة، وتوحيد الصف الفلسطينى تحت قيادة السلطة الفلسطينية، فهى الطرف الوحيد الذى تعترف به إسرائيل والمجتمع الدولى وتقبل التعامل معه. 

ــ وأن خروج حماس وأخواتها عن شرعية السلطة وشرعية أوسلو، يضعف من موقفها التفاوضى ويعيق تحقيق الحل النهائى.

ــ وأنه إذا توفرت هذه الشروط، فإنهم سيحصلون على دولة فلسطينية إن عاجلا أم آجلا.

ــ ولكن لابد أولا من ترتيب الوضع الأمنى الفلسطينى بما يطمئن اسرائيل.

ــ وأن هذا أقصى ما يمكن أن يحققه الجيل الحالى، وعلى من لا يقبله، أن يعتبره حلا مرحليا، ومقدمة للحل النهائى المتمثل فى تحرير كامل التراب الفلسطينى، وهى مهمة الأجيال القادمة عندما تتغير موازين القوى إلى الأفضل.
إذن خلاصة الرواية الفلسطينية: أن أوسلو هى اتفاقيات تحرير هدفها الرئيسى هو إقامة دولة فلسطينية مستقلة فى الضفة الغربية وغزة، مع بعض الاستحقاقات الأمنية لطمأنه إسرائيل.

***
أما عن الرواية الصهيونية، فلقد قدمها بجلاء نتنياهو والقادة والكتاب (الإسرائيليون) فى خطابات وتصريحات متعددة وخلاصتها:

ــ إن فلسطين هى أرض إسرائيل التاريخية منذ 3500 عام، وهى تشمل يهودا والسامرة (الضفة الغربية).

ــ يختص بها الشعب اليهودى وحده. 

ــ ولذلك فإن دولة إسرائيل هى بالضرورة دولة يهودية.

ــ وأن الرفض العربى والفلسطينى للاعتراف بإسرائيل هو أصل المشكلة.

ــ وأن على كل الفلسطينيين أن يعترفوا بإسرائيل، وبحقها فى أرضها التاريخية.

ــ وأن ينزعوا سلاحهم فورا، نزعا كاملا ونهائيا ودائما.

ــ وأن هذه هى المهمة الرئيسية وربما الوحيدة للسلطة الفلسطينية؛ مهمة تصفية الإرهاب (المقاومة) ونزع السلاح الفلسطينى، ودفع كل الفلسطينيين إلى الاعتراف الفعلى بإسرائيل. والكف عن الحديث على فلسطين 1948.

ــ بعد ذلك فقط وليس قبله، يمكن الحديث عن دولة فلسطينية ما، منزوعة السلاح، منزوعة السيادة، لإسرائيل السيطرة على أوضاعها الأمنية، وعلى علاقتها الخارجية، وعلى حدودها وعلى مجالها الجوى ومياهها الإقليمية وعلى كل ما من شأنه تهديد أمن اسرائيل.

ــ مع العلم بأن القدس الموحدة ستظل دائما عاصمة لإسرائيل، وأن المستوطنات باقية. وأنه لا عودة لأى فلسطينى إلى اسرائيل اليهودية.
خلاصة الرواية الصهيونية إذن: أن اتفاقيات أوسلو هى بالأساس اتفاقيات أمنية لخدمة أمن (اسرائيل)، مع بعض الاستحقاقات الفلسطينية المحدودة والمشروطة والمؤجلة، والتى لن تصل أبدا إلى دولة ذات سيادة. 

***

أين الحقيقة بين الروايتين؟

لا شك أنه أصبح واضحا للجميع اليوم، خاصة بعد الاعتراف الأمريكى الرسمى بالقدس عاصمة لإسرائيل، أن الرواية الصهيونية هى الرواية الحقيقية، فهى متطابقة ومتوافقة مع كل النصوص ومع كل ما يدور على الأرض:

ــ فقراءة نصوص اتفاقية أوسلو وملاحقها، وخطاب اعتراف منظمة التحرير بإسرائيل، وتوصيات مؤتمر شرم الشيخ 1996، واتفاقيات شرم الشيخ 2000، والقاهرة 2001، و خطة ميتشل 2001، ووثيقة تينت 2002، وخريطة الطريق 2003، وخطاب التطمينات الأمريكى 2004، والاتفاقيات الأمنية الأمريكية الإسرائيلية المتعددة، واتفاق ليفنى/ رايس 2009، والتصريحات المتكررة للرؤساء الأمريكيين من كلينتون 1993 إلى ترامب 2017، وشروط الرباعية، واتفاقية فيلادلفيا بين مصر واسرائيل 2005، واتفاقيات المعابر، وخطابات نتنياهو فى الأمم المتحدة وتصريحاته المتكررة، نقول إن أى قراءة فى كل هذه النصوص والوثائق والمواقف والتصريحات سترصد ملمحين رئيسيين متلازمين:

ــ الملمح الأول هو تحديد شديد الدقة لطبيعة الالتزامات الأمنية للسلطة الفلسطينية ضد ما اسموه بالإرهاب والإرهابيين، من حيث المهام والشراكة والتنسيق مع اسرائيل، وبرامج وجداول التنفيذ، والتدريب للعناصر الأمنية الفلسطينية وكيفية تمويلها... إلخ. مع المتابعة والرقابة والحساب العسير عند التقصير. 

ــ الملمح الثانى هو تعويم وتمييع وإبهام لكل ما يتعلق بقضايا الحل النهائى، حول الدولة الفلسطينية من حيث المفهوم والسيادة أو المستوطنات والقدس والحدود والمعابر واللاجئين والمياه... إلخ.

أما على المستوى العملى وعلى أرض الواقع فان السياسات الصهيونية تؤكد كل يوم أننا بصدد تسوية أمنية من أجل (اسرائيل) وليس تسوية سياسية من أجل الفلسطينيين: فالمستوطنات والاغتصاب المستمر لمزيد من الأراضى الفلسطينية كل يوم، والجدار العازل وحواجز الطرق وتصفية واغتيال قادة المقاومة، والستة آلاف أسير داخل السجون الإسرائيلية، والتهويد النشيط للقدس، والاقتحام اليومى للمسجد الأقصى والدعوة إلى تقسيمه زمنيا، وأعمال التنقيب والحفريات تحت أساساته، والتعاون الصهيونى الفلسطينى المصرى لغلق المعابر، وفرض الحصار على غزة، والحروب والاعتداءات المتكررة عليها، كل ذلك وغيره هو تطبيق وتفعيل لاستراتيجية أمنية صهيونية واضحة ومحددة الأهداف والمعالم والأدوات بتعاون وتوظيف كامل لأجهزة السلطة الفلسطينية وجماعة أوسلو.

وفى المقابل لم يتم أى انسحاب فعلى للقوات الصهيونية من الأراضى المحتلة عام 1967 تفعيلا لاتفاقيات التسوية، ما عدا انسحابها من غزة عام 2005 تحت ضغط المقاومة الفلسطينية، وليس تنفيذا لاستحقاقات السلام.

***

أما بعد:
فإنه قد آن الأوان للتحرر من اتفاقيات أوسلو، فـ 24 عاما من الفشل والفتنة والانقسام وإضاعة الوقت والجرى وراء الأوهام، والتحالف مع العدو والتخديم على أمنه، وإضفاء الشرعية على ما يقوم به من عمليات قتل واغتيال واعتقال لأهالينا باسم السلام والتسوية، وتضليل الرأى العام الفلسطينى والعربى والعالمى... نقول 24 عاما من كل ذلك تكفى وتزيد. وهى سنوات ضاعت بلا ثمن وبلا مقابل: فإسرائيل لن تعطيكم شيئا، وأمريكا لن تعطيكم شيئا، وإن فعلوا فسيكون مسخ كيان فلسطينى خاضع وتابع، يستمد بقاءه ووجوده من فتات ما تجود به إسرائيل. وما سيعطونه ونقبله الآن سيكون آخر المطاف لعقود طويلة وربما للأبد. فترتيبات الحرب العالمية الأولى للوطن العربى من تقسيم وتجزئة، ما زالت قائمة حتى الآن.

لقد كان فشل التسوية واضحا منذ البداية، ولكنه تجلى للجميع بعد قرار ترامب الأخير بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها. فلقد قام بإطلاق رصاصة الرحمة على ما يطلقون عليها هم «عملية السلام» وما يجب أن نسميها نحن بـ «أوهام السلام» الذى خدعت الأنظمة العربية والسلطة الفلسطينية نفسها وشعوبها بها منذ صدور القرار 242 عام 1967.

فنحن بصدد إعلان أمريكى إسرائيلى مشترك، بأنه لا دولة فلسطينية على حدود 1967، ولا انسحاب إسرائيليا من أى أرض محتلة فى الضفة الغربية، ولا توقف عن بناء المستوطنات الإسرائيلية، وبالمختصر المفيد، أنه ليس لدينا شىء لنعطيه لكم، وليذهب الشعب الفلسطينى ومعهم كل العرب إلى الجحيم.

إنها أوهام السلام التى تذرّع بها الحكام العرب منذ حرب 1973 ومعهم السلطة الفلسطينية منذ 1993 لتبرير انسحابهم وهروبهم من مواجهة الكيان الصهيونى التى ليس لها سوى طريق وحيد هو طريق المقاومة والكفاح المسلح. فهل نستفيق من أوهامنا قبل فوات الأوان؟
محمد سيف الدولة كاتب مصري متخصص في الشؤون الفلسطينية
التعليقات