الثقافة والثورة وحتمية التغيير - صبرى حافظ - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثقافة والثورة وحتمية التغيير

نشر فى : الجمعة 24 فبراير 2012 - 8:45 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 فبراير 2012 - 8:45 ص

أنهيت مقال الأسبوع الماضى، الذى تأخر نشره شهرا، بالتساؤل عن سبب تلك الاستقالات العديدة التى انفجرت فى وجه وزير الثقافة وأمينة مجلسها الأعلى المستقيلة عقب تشكيل لجان المجلس من جديد، ونحن على مشارف العيد الأول للثورة المصرية. خاصة أن إعادة تشكيل تلك اللجان أمر طالما طالب به المثقفون قبل الثورة وبعدها. فلماذا إذن كانت النتيجة تلك الاستقالات العديدة من الأعضاء الذين ضمهم الوزير الجديد، وأمينته الجديدة، التى لم تعمر فى موقعها طويلا؟ هل كان السبب أن تلك اللجان قد شكلت من علٍ بمنطق السلطة والاحتواء البغيض؟ أم أن السبب هو غضب المثقفين على وزير ثقافة حكومة الجنزورى المرفوضة، والمفروضة على الشعب المصرى برهانا على أن الثورة المضادة هى التى تحكم، وليست الثورة المجيدة التى دفع الشعب المصرى دم ألفين من خيرة شبابه من أجلها حتى اليوم؟ أم أن السبب هو وعى كثيرين من المثقفين بأنه ما لم يتم إعادة تشكيل المجلس نفسه، الذى ما زال يضم بين أعضائه جل أصحاب الصورة الفضيحة مع مبارك و«الأحد عشر كوكبا»، وليس لجانه فحسب، فإن كل تغيير يظل تغييرا شكليا، لا يمس جوهر النظام القديم ولا يسقطه؟


ولا شك عندى فى أن لكل من هذه الأسباب دوره فى إيجاد حالة الغضب والإحباط التى تنتشر فى الحقل الثقافى. فقد تم تعيين بعض أعضاء اللجان دون استشارتهم أو حتى استطلاع رأيهم، وفوجئوا بإعلان أسمائهم، بمنطق أن العمل مع المؤسسة الرسمية شرف. وأن مؤسسة السلطة الفاقدة للشرعية والمصداقية لا تزال ترى نفسها أهم من المثقف ومن الضمير الشعبى الجمعى. وهو أمر لابد أن يعى الجميع أنه وهم قد تبدد، مع ما بددت الثورة من الأوهام العفنة. كما أن شاكر عبدالحميد قد نجح فى تبديد رأسماله الرمزى المحدود بسرعة حينما هرول والغا فى دم شهداء محمد محمود، الذين استقال سلفه بسببهم، كى يقسم اليمين أمام المشير، كما هرول من قبله جابر عصفور والغا فى دم شهداء الثورة فى التحرير ليقسم اليمين أمام المستبد الفاسد المخلوع. لذلك كان طبيعيا ألا يقبل الكثيرون أعطياته المسمومة بضمهم للجان مجلس أقل ما يقال فيه إنه لا يزال مزدحما بالفلول. فلا يزال تشكيل المجلس نفسه يضم حتى اليوم جل نجوم الصورة الفضيحة بين أعضائه. ناهيك عن مسارعة وزير ثقافة الجنزورى لتأكيد إخلاصه لدور المثقف التابع الجاهز دوما لدعم السلطة، حتى ومظاهرات الثوار تنادى بإسقاطها. لذلك كان طبيعيا أن تتداعى قعقعات انهيار لجانه عليه فور تشكيلها، وأن تغادر مجلسه أمينته التى يبدو أنها لا تتمتع بسماكة جلد أسلافها فى مركزنا الثقافى بباريس. وأن يجىء على الفور بأمين جديد، وبنفس المنطق القديم، منتدبا من الجامعة وهو على مبعدة عامين من المعاش، حتى يظل سيف التجديد مسلطا عليه، يخايله شبحه قبل أن يبدأ العمل الجديد.

 

أما السؤال الثانى الذى أنهيت به مقال الأسبوع الماضى الذى تأخر نشره شهرا، فكان كيف يمكن للثقافة حقا أن تعبر عن الثورة؟ والجواب ببساطة هو أنها لن تستطيع أن تحقق ذلك دون قطيعة كاملة مع رؤى النظام القديم ومنطقه وممارساته. قطيعة مع رؤاه القائمة على أن السلطة هى التى تصوغ أجندة العمل الثقافية وتوظفه لمصلحتها، وعلى تبعية المثقف لها، وليس على ريادته لتوجهاتها ودوره النقدى فى تصحيح ممارساتها. وقطيعه مع منطقه الذى يعتمد على الاحتواء والتدجين، ومع ممارساته التى تعتمد على الاختيارات الأمنية والأعطيات وشراء الذمم. لابد من هذه القطيعة الكاملة مع النظام القديم، لأنه كان نظاما فاسدا حتى النخاع، تغلغل الفساد فى كل مؤسساته، التى لا تزال الأغلبية العظمى منها تواصل عملها ضد الثورة سرا وعلانية.

 

والمثقف المستقل القادر على طرح الحق فى مواجهة القوة، هو المؤهل للقيام بتلك المبادرة قبل غيره، من أجل نفسه ودوره ومن أجل الثورة معا. لذلك لابد من أن يأخذ المثقف العقلى زمام المبادأة فى يده، وأن ينشئ مؤسساته البديلة فى تلك اللحظة التاريخية الفارقة، لحظة الثورة وهى لا تزال رغم كل المؤامرات فى تدفقها وسيولتها. لابد أن يبادر المثقف بالتغيير، وأن يأخذ المثقفون مما فعلته مؤسسة الأزهر، والتى تم تهميشها وتحويلها إلى مؤسسة تابعة، أسوة. فلم يأخذ زمام المبادأة الثقافية إلا الأزهر الذى سعى لتحقيق استقلاله، واستصدر قانونا يتيح له حريه اختيار شيخه، دون تدخل من السلطة أو الأمن. بل وحاول من خلال وثيقتيه (وثيقة الوفاق الوطنى ووثيقة حرية الإبداع) أن يلعب دورا فى الحقل الثقافى ـ السياسى، وأن يقف إلى جوار الثورة، ويسعى لحراسة أهدافها. لأنه يعى أنها هى التى أتاحت له هذه الحرية، وخلصته من التبعية والهوان.

 

لابد أن يأخذ المثقف الحر والمستقل زمام المبادأة. لأنه إن لم يفعل ذلك الآن فلن يستطيع أن يحققه أبدا. وإذا لم يحرر الثقافة الآن من التبعية للمؤسسة السياسية، فسيظل المثقف مع خصيان القصر، وستظل الثقافة تابعة ومهمشة يتولى أمورها المثقف التابع ذو الوعى البائس، بينما المثقف المستقل المعبر عن ضمير أمته وعن صبواتها، مهمشا ومعزولا. فى واقع يسيطر عليه المثقفون الذين تخلوا طوعا عن دورهم كحراس للقيم، وتحولوا إلى كلاب حراسة للمؤسسة، بعدما دجنتهم واحتوتهم وأدخلت معظم رموزهم إلى حظيرة «الوزير الفنان»، وتابعه الهمام الذى يزعم الآن أنه بشر بالثورة قبل وقوعها بيوم واحد.

صبرى حافظ ناقد أدبي مصري مرموق، وأستاذ الأدب الحديث والمقارن بجامعة لندن. درّس في كبريات الجامعات الغربية. وله العديد من الكتب والأبحاث بالعربية والانجليزية، فاز أحدث كتبه بالانجليزية (السعي لصياغة الهويات) بجائزة (اختيار) الأمريكية لأهم الدراسات الأكاديمية لعام 2009.
التعليقات