الثقافة والثورة بعد عام - صبرى حافظ - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:37 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الثقافة والثورة بعد عام

نشر فى : الجمعة 17 فبراير 2012 - 9:15 ص | آخر تحديث : الجمعة 17 فبراير 2012 - 9:15 ص

اكتمل العام على أروع ثورات القرن الحادى والعشرين، وأهم الثورات المصرية فى التاريخ الحديث. اكتمل العام ولابد من التوقف إزاء ما جرى فى هذا العام، لمعرفة ما أنجزته الثورة، وما حققته الثورة المضادة فيه. فلا توجد ثورة فى التاريخ، خاصة فى موقع حساس كموقع مصر، دون أعداء فى الداخل والخارج يسعون لإجهاضها وتقويض مشروعها. وكلما ازدادت أهمية الثورة وحساسية الموقع الذى قامت فيه، كلما ازدادت شراسة أعدائها فى سعيهم المحموم لإجهاضها. وللثورة المصرية منذ لحظة اندلاعها أعداء كثيرون فى الخارج، يتمثلون فى أمريكا وذراعى تنفيذ سياساتها فى المنطقة: السعودية ودولة الاستيطان الصهيونى بفلسطين، وهم أعداء لم يخفِ أى منهم عداءه للثورة ودفاعه المستميت عن النظام الذى أسقطته، والذى كان ذخرا استراتيجيا للعدو الصهيونى، ولاعبا أساسيا فى سيناريو الحقبة السعودية البغيض، إبقاء مصر فى الحضيض، كى تأخذ السعودية مكانها القيادى، وهى غير مؤهلة له، أو بالأحرى كى تظل المنطقة العربية كلها رجل العالم المريض الذى يدير المستعمر الأمريكى موارده، ويتحكم فى مصائره، ليبقيها خاضعة للمخطط الصهيوأمريكى فى المنطقة: تعادى من يعاديه، وتسالم من يسالمه. أما أعداء الداخل فحدث عنهم ولا حرج. لأنهم، كما قال كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، «منتشرون مع الهواء فى كل موقع»، ومسلحون بالمال والسلطة وكلاب حراستهم فى الثقافة والإعلام.

 

ولا سبيل هنا للحديث عن كل ما أنجزته الثورة، أو ما حققته الثورة المضادة طوال العام الماضى فى مختلف المجالات التى لابد أن نلتفت إليها جميعا، وأن ندرس ما جرى فيها كى نعى المزالق ونصحح المسار. وإنما سأكتفى بالحديث عن الثقافة، وهى المجال الذى كان مؤهلا أكثر من غيره بحكم اهتماماته وطبيعة توجهاته للقيام بدور ريادى فى تحقيق أهداف الثورة وبلورة أجندتها وحراسة قيمها. فقد كتبت فى هذا العمود أكثر من مرة عن ضرورة أن ترود الثقافة بقية المجالات فى ضرب المثل للتغيير والتطهير وللقطيعة مع الماضى، بكل ما فيه من فساد واستبداد. فهذا هو دور الثقافة باعتبارها التعبير الخلاق عن الضمير القومى، وعن منظومة القيم الأخلاقية والاجتماعية لأى مجتمع. فماذا جرى فى الثقافة على مد عام؟

 

بعد أن سقط جابر عصفور، آخر وزراء الثقافة فى عصر مبارك (الذى تقدم والغا فى دم شهداء الثورة الذى كان يتدفق فى التحرير، ليقسم اليمين أمامه، دون أن يمكنه وعيه البائس من إدراك أن نظامه سقط فعلا يوم جمعة الغضب) تناوب مقعده المشئوم ثلاثة وزراء، قبل أولهم الوزارة بحكومة شفيق الذى اختاره المخلوع، التى أسقطها الثوار من جديد، فلم يكن غريبا ألا يطول به العمر فيها وألا يترك أثرا. أما الثانى، عماد الدين أبوغازى، فيمكن أن نلتمس له العذر لأنه جاء مع وزارة عصام شرف الذى قدم أوراق اعتماده للثوار وزعم كاذبا أنه يمثلهم، كما يشفع له أمران: أولهما أن معرفته الوثيقة بالمشهد الثقافى دفعته إلى أن يبادر بالبحث مع المثقفين عن سبل تغيير العمل وإحداث القطيعة المطلوبة مع الممارسات السابقة، وإن لم يرفد البحث بأى تغيير جذرى، وتلكأ حيث كان التلكؤ منهج حكومة شرف الأثير. وثانيهما أنه كان أول من استقال من حكومة شرف بعدما تبين تواطؤها فى عملية إجهاض الثورة الحثيثة والمراوغة.

 

أما آخرهم، شاكر عبدالحميد، الذى كتبت فى هذا العمود، وبسبب تخصصه فى علم النفس حينما جاءوا به أمينا عاما للمجلس الأعلى للثقافة، أنهم جاءوا به لعلاج الثقافة من عُصاباتها النفسية المزمنة، فإذا به يكشف لنا وقد هرول للحصول على مقعد الوزارة، حتى فى وزارة الجنزورى المرفوضة من الثورة والثقافة معا، إنه تجسيد حى لأشد أدواء الثقافة المصرية بشاعة واستعصاء على العلاج، ألا وهو ضعف المثقف الهش أمام غواية السلطة، مهما كانت غير شرعية. وانخرط مع جمال الغيطانى وأضرابه فى ممالأة المجلس العسكرى، دون وعى بأن دور الثقافة هو أن تكون العقل النقدى الذى يقيم آداء المجلس ويقومه، والتعبير عن الضمير الجمعى الذى يستشرف له المستقبل، ويرود خطاه فيه.

 

فماذا حقق فى الوزارة حتى اليوم. عاد بها إلى تقاليد نظام مبارك العتيدة، فجاء بشخصية لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالحقل الثقافى، لتحل مكانه أمينة للمجلس الأعلى للثقافة التى استقالت، لم نسمع أن لها كتابا واحدا له علاقة بالأدب أو الثقافة، أو وجودا فى ساحتها من قريب أو بعيد. اللهم إلا ترجمة كتاب يسرد مذكرات ضابط شارك فى الحملة الفرنسية على مصر. لكن ليس كل من ترجم كتابا قديما من الفرنسية جديرا بأن يصبح أمينا عاما للمجلس، وإنما ما أهّلها للمنصب هو أنها جاءت من نفس الموقع الذى جهز كلا من أحمد فتحى سرور، ويحيى الجمل، وعاطف صدقى، وفاروق حسنى، وهانى هلال، لإطلاقهم للعمل العام، ألا وهو المكتب الثقافى المصرى فى باريس؛ حيث كانت هناك خير خلف لأسلافها «الكبار». وكان أول ما فعلته مع وزيرها الهمام هو إعادة تشكيل لجان المجلس الأعلى للثقافة، وهو أمر طالما طالب به المثقفون قبل الثورة وبعدها. فلماذا إذن كانت النتيجة تلك الاستقالات العديدة من الأعضاء الذين ضمهم الوزير الجديد وأمينته المستقيلة، بمنطق السلطة والاحتواء البغيض، دون استشارتهم فى الأمر، فانفجرت صلافتهما فى وجهيهما؟ وكيف يمكن للثقافة حقا أن تعبر عن الثورة؟ هذا ما سنتناوله فى الأسبوع القادم.

صبرى حافظ ناقد أدبي مصري مرموق، وأستاذ الأدب الحديث والمقارن بجامعة لندن. درّس في كبريات الجامعات الغربية. وله العديد من الكتب والأبحاث بالعربية والانجليزية، فاز أحدث كتبه بالانجليزية (السعي لصياغة الهويات) بجائزة (اختيار) الأمريكية لأهم الدراسات الأكاديمية لعام 2009.
التعليقات