أول شىء يلفت نظر أى زائر للبلد الذى يزورها هو الشارع وحركة السيارات فيها وسير المشاة ووضوح اللافتات الإرشادية ونظافة الشوارع ودقة المواعيد المعلنة للمواصلات. باختصار الانضباط فى شارع أى دولة هو مرآة لحضارة البلد وتحضر الشعب، لماذا نحن منبهرون باليابان مثلا أو نقول إنها «كوكب آخر»؟ «لدقة انضباط شعبها والنظام الدقيق جدا لحركة الشارع»، والفراعنة الذين نتشدق بحضارتهم كل يوم لو لم يكونوا منضبطين لما كانت الحضارة المصرية العظيمة قائمة، ولا كانت دقة بناء الأهرامات التى تعد هندستها إحدى عجائب الدنيا والإنسانية مازالت واقفة شامخة منذ الآلاف السنين وتتحدى الزمن.
لكن عندما ننظر إلى شوارع مُدننا فى مصر نبكى ونتباكى على الزمن الجميل فى الماضى فعلينا أن نعترف أن الشارع المصرى أصبح مرآةً للعشوائية والفهلوة التى يعيش فيها وبها المصرى للأسف، والانضباط غائب والمرور سداح مداح، انظروا إلى كم الصور والفيديوهات التى تشيّر على مواقع التواصل الاجتماعى والتى توثق سير عدد كبير من السيارات عكس الاتجاه حتى فى الشوارع الجديدة ذات ال 8 حارات ثم تقع كارثة مثل التى جرت على الطريق الإقليمى بنطاق مركز أشمون فى محافظة المنوفية، والتى قتلت فتيات فى مقتبل العمر ولكن العشوائية مستمرة، أين دقة مواعيد العمل فى المصالح الحكومية والإدارات التى تتعامل مباشرة مع الجمهور؟، أين تشغيل عدادات «التاكسى» ولا يكون الركوب بالمقاولة ؟ وهذه أبسط الأمور ألا تستطيع وزارة الداخلية ظبطها؟
أين الانضباط فى المدارس والجامعات وحتى عروض الأوبرا والمسارح التى فى الغالب لا تبدأ فى الميعاد خاصة لو«باشا» أو «باشوية» سيحضر؟ وقانون الإيجارات الجديد ليس بعيدا عن تلك العشوائية وذلك باعتراف الرئيس المحترم لمجلس النواب، فالقانون تم سلقه ولم يتم طرحه للحوار المجتمعى ولا لتحضير ذهنية الناس فأصبح قانونا أعرج نتمنى من الرئيس ألا يوقعه إلا بعد تصحيح العوار القانونى والاجتماعى الذى فيه، ولن أكتب عن الأحياء فى مدن كثيرة من مدن معمورة قد تحولت إلى عشوائيات وقد كتبنا عن ذلك قبلا ولكن يبدو أن هناك من لا يقرأ.
لماذا يُطلب من القوات المسلحة تنفيذ مشروعات مدنية معينة لأنها، ببساطة، المؤسسة الوحيدة فى مصر المنضبطة بفعل تكوينها والقطاع الخاص لن يكون منضبطا وسريعا فى إنجاز مشروع ما مثل القوات المسلحة ولكن إلى متى؟
هل نحن قادرون أن ننضبط؟ لا ينقصنا شىء فالكوادر موجودة والمهندسون المتخصصون موجودون والمعلمون والمربون حاضرون، ولكن تبقى الإدارة فى عمل إصلاح جماعى بدءا من الحكومة والشعب ودور الإعلام مهم جدا بدلا من تضييع الوقت فى الكلام عن فساتين الممثلات ومن طلق ومن تزوج، يستطيع الإعلام أن يوجه بعدة طرق شعبنا لنتخلص من آفات تعطل تحضرنا فى الزمن الحالى.
أدعو لدراسة اجتماعية تطرح هذا السؤال وتقوم عليها دراسات «ماذا ينقصنا لنكون شعبا منضبطا؟» لماذا المصرى عندما يكون أو يعمل فى الخارج ينضبط وينجز وفى بلادنا نتعشوأ أظن أنها دراسة مهمة حتى يتمكن صاحب القرار أن يتخذه إذا أردنا أن نسير إلى الأمام.