ما بيـن الثورة والتحول الديمقراطى - رباب المهدى - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 6:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بيـن الثورة والتحول الديمقراطى

نشر فى : الجمعة 25 فبراير 2011 - 2:24 م | آخر تحديث : الجمعة 25 فبراير 2011 - 2:24 م

 مازال البعض من النخبة الثقافية والسياسية يصر على اختزال فهم الثورة المصرية التى بدأت فى 25 يناير على أنها فقط عملية تحول ديمقراطى. ويظهر ذلك الفهم المختزل فى أمرين: أولا، دعاوى وقف الإضرابات والاحتجاجات الفئوية تحت شعار «مصر أولا» وهى دعوى على ما تنطوى عليه من سذاجة ــ وكأن مصر هى كيان بذاته منفصل عن جموع المصريين أو أن الناس تتحرك فقط من منطلق أفكار وليس الواقع المادى المعاش ــ تنطوى أيضا على مفهوم سلطوى لشكل وتوقيت تحرك الجماهير. ثانيا، تركز اهتمام هذه النخبة على عملية تعديل الدستور والناحية الإجرائية فى التحول السياسى ــ على أهميتها ــ على حساب الاهتمام بإجراء وتيسير حوار مجتمعى حول النسق الاقتصادية والاجتماعية الحاكمة وعلى رأسها التفاوت الطبقى الحاد
.
والمثير للدهشة أن معظم هذه الأصوات المطالبة الآن بوقف الاحتجاجات الفئوية والتركيز على تغيير الدستور هى نفس من قالت من قبل بوقف المظاهرات بعد 28 يناير بدعوى الاكتفاء بتغيير الحكومة ثم بفض اعتصام التحرير بدعوى تحقيق مطلب تغيير النظام بعد وعد الرئيس المتنحى بأنه لن يرشح نفسه ووعده بتعديل بعض مواد من الدستور. وفى كلا الموقفين لم يتعلم هؤلاء أن هذه الدعوى ببساطة غير مجدية ليس فقط الآن هذه الجماهير تتحرك بدافع واقع مادى معاش، ولكن والأهم لأن هذه الاحتجاجات التى تكاثفت منذ 25 يناير تتجذر منذ سنوات.

بل على العكس كانت ثورة 25 يناير وعلى مدى أكثر من اسبوعين هى تفعيل لقطاعات واسعة من الجماهير. بدأت بروفات الثورة منذ عدة سنوات بانتفاضة المحلة فى 2008 وقبلها مظاهرات الحرب على العراق فى 2003، ثم اعتصامات العمال والموظفين أمام مجلس الشعب منذ 2007. لقد كان تحرك أكثر من 8 ملايين على مدى أسابيع للمطالبة بإسقاط النظام وقمته (حسنى مبارك) هو مؤشر على مستوى السخط ليس فقط من شكل النظام السياسى ورموزه ولكن أيضا من مستويات المعيشة المتدنية والنظام الاقتصادى والاجتماعى المصاحب. إذن فمن العبث التصور أن هذه التحركات من الممكن أن تتوقف بتوجيه نداء «مصر اولا» أو حتى بإجراء تغيرات فى المنظومة السياسية بمعناها الإجرائى
.
إن الفرق الجوهرى بين التحولات الديمقراطية فى دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية ــ باستثناء بولندا ــ عن مصر يكمن فى حجم واتساع الحراك الجماهيرى الذى أدى إلى سقوط النظام. ففى دول أمريكا اللاتينية جاء التحول الديمقراطى عبر مفاوضات مع النخبة التى كانت ولاتزال فى الحكم وإلى حدٍ ما ممسكة بزمام الأمور (وهى الحالة المصرية أثناء الحوار بين أجزاء من المعارضة السياسية وعمر سليمان). ففى تشيلى كان الديكتاتور السابق بينوشية هو المهندس لهذه المفاوضات فى 1988ــ 1989. وحتى فى البرازيل التى اجتاحتها حركات اجتماعية مناوئة للنظام منذ 1974 وحتى التحول الديمقراطى فى 1985 وبولندا التى شهدت حركة تضامن وضمت الملايين فى تحركات للضغط على النظام الحاكم، حتى فى هذين البلدين، جاء التحول الديمقراطى عن طريق مفاوضات مع النظام القابض على السلطة والتى فى الحالتين لم ينجح الضغط الشعبى ــ لأسباب تاريخية لسنا بصددها ــ فى تقويض دعائمه
.
إذن نحن فى مصر بصدد حالة مختلفة تخطت بالتعريف أطر وإجراءات التحول الديمقراطى المتعارف عليها التى مرت بها دول أخرى وأصبحت هذه الإجراءات هى مجرد جزء من عملية تحول أكثر اتساعا وشمولا. هذه العملية فى تقديرى تبدأ بإقرار أن جزءا أساسيا من الديمقراطية، هو قدرة قطاعات مختلفة من المواطنين على تنظيم أنفسهم والتحرك بشكل جماعى منظم للتأثير فى عملية اتخاذ القرار والسياسات الناتجة عنها.

وهنا يكمن الدور الأكبر للمشتغلين بالعمل العام سواء كانوا نشطاء سياسيين أو قيادات عمالية حقيقية ظهرت فى موجة الإضرابات والاحتجاجات فى السنين الأخيرة أو حتى أجزاء من أحزاب المعارضة التى لم يزل لها جزء من المصداقية. فبدلا من التسابق على الفوز بشرف تمثيل «الثورة» التى واقعيا لا يملكه أيا من هؤلاء، عليهم توجيه الجهد نحو تنظيم القطاعات المختلفة من الجماهير وصياغة طموحاتهم.

فقد رأينا على سبيل المثال فى البرازيل كيف أن القيادات العمالية وأجزاء من يسار المعارضة لم تكتف بتنظيم إضرابات واحتجاجات، ولكن تبعت ذلك بتشكل حزب العمال ــ الذى أتى فيما بعد بالرئيس «سيلفيا دى لولا» ــ ليعبر عن رؤية هذة القطاعات فى التغيير ويصوغها بشكل سياسى. ورأينا كيف كانت حركة تضامن البولندية ــ التى كان قائدها الرئيس ليخ فاونسا ــ، ليس فقط تدير المفاوضات مع النظام، ولكن كانت قد نجحت فى خلق أطر تنظيمية بديلة للعمل النقابى المستقل
.
ما تحتاجه هذه العملية الثورية التى بدأت فى مصر منذ عقد، ووصلت إلى ذروتها منذ 25 يناير ليس فقط عملية إدارة تحول ديمقراطى إجرائى على أهميته، ولكن تحتاج إيضا إلى أُطر وتيارات متعددة على الأرض تنظم قطاعات الجماهير، وتعبر عن شعارات الثورة (حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية) بشكل مطلبى سياسى. باختصار، هذا وقت بناء الأحزاب والنقابات المختلفة لأول مرة فى مصر

التعليقات