تحولات فكرية عاصفة - يوسف الحسن - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:27 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحولات فكرية عاصفة

نشر فى : الأربعاء 25 مارس 2009 - 6:56 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 مارس 2009 - 6:56 م

 
مراجعة مهمة، على صعيد الفكر العربى، جرت فى الشهر الماضى فى بيروت، حينما اجتمع نحو سبعين مفكرا وباحثا عربيا لمناقشة ومراجعة آفاق الوحدة العربية فى المستقبل. كانت التجارب الاتحادية العربية، مفتوحة أمام المجتمعين.

بدءا من أول القرن المنصرم، حينما طرح عبدالرحمن الكواكبى فى كتابه «طبائع الاستبداد»، مفهوما جديدا للأمة والعروبة. ومرورا بكل الأفكار والمشروعات الوحدوية والاتحادية.

والاتجاهات التى تدعو للدمج أو اللامركزية، وتجارب التوحيد فى جزيرة العرب وليبيا واليمن، ومباحثات القادة العرب فى مطلع الأربعينيات بين مصطفى النحاس ونورى السعيد، وصولا إلى إقامة الجامعة العربية، وما تلاها بعد نحو عقدين من قيام الوحدة بين سوريا ومصر، وفشلها بعد ذلك بثلاث سنوات فقط.

كما تمت مراجعة حصاد القمم العربية فى إطار النظام الإقليمى العربى، وكيف كانت تتم انتهاء مفاعيلها تحت وطأة النزاعات العربية ــ العربية، التى تنشب وتشتعل فجأة، وتختفى فجأة فى ظل مصالحات مرنة لكنها غير دائمة.
وكانت تجربة مجلس التعاون الخليجى الناجحة ــ نسبيا ــ محل فحص ومراجعة فى هذا السياق، ومقارنتها بتجربة مجلس التعاون المغاربى، الذى ولد مشلولا بسبب النزاع المزمن والدائم بين المغرب والجزائر. لكن الجميع كان يقف بإعجاب وتأمل أمام نجاح التجربة الأوروبية فى بناء المؤسسات الإقليمية، والفوائد التى حققتها هذه المؤسسات، سواء من حيث ضمان مصالح الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، أو من حيث تعميق منسوب الاندماج والتكامل الأوروبى والسير على طريق «الفدرلة» الأوروبية.

المحصلة، أن الفكر العربى فى مطلع الألفية الثالثة، تراجعت لديه مسألة الوحدة العربية، وما عاد يعطيها على مستوى الخطاب أو الممارسة، الاهتمام الذى تستحقه. كما تراجع الاهتمام الرسمى العربى بهذه المسألة لصالح الأفق التضامنى الذى هو الآن سقف العمل العربى المشترك.

وفى ظل هذا التراجع، فإن الراصد لهذا الفكر يكتشف حدوث تطور هائل فى خطاب الوحدويين العرب، ومن أبرز ملامحه، حدوث مصالحة مع الدولة القطرية العربية، لاعتبارات عملية وواقعية. فلم يعد الخطاب ينفى وجود الدولة، بل صار يدعو إلى ترسيخ وجودها والمحافظة على الكيانات القطرية السياسية.

كما حدث تطور فى رؤيته لشكل الوحدة، فلم يتم التحدث عن الدولة الوحدوية الاندماجية المركزية، وإنما غلب على الخطاب صيغة الوحدة الفيدرالية، وقبول الوحدات الجهوية التى تأخذ شكل التجمعات الإقليمية الفرعية. بما فى ذلك الاتحادات الاقتصادية والدفاعية، وفق المصالح المشتركة والمتبادلة، وضمن متطلبات الأمن القومى العربى، وبخاصة مسألة التنمية الشاملة والمستدامة.
ومن بين التطورات التى حدثت فى مضمون الفكر العربى الوحدوى وخطابه، استبعاد الوسائل غير الديمقراطية فى تحقيق الاتحادات أو حتى الوحدة، والحاجة الضرورية لخيار الديمقراطية والموافقة الشعبية الحقيقية على شكل ومضمون الاتحاد أو الوحدة الجزئية بين أى بلدين أو أكثر. باعتبار أن هذا الاتحاد هو فى مصلحة الشعوب وباتجاه تحسين شروط معيشتهم، وتوفير الحقوق المدنية والسياسية وكفالتها لهم.
فى بيروت، وفى مطلع الألفية الثالثة، لم نسمع من أحد أن الوحدة العربية حتمية تصل إليها الأمة العربية تلقائيا، وإنما هى رهن بتوفير إرادة ومشروع سياسى يعملان من أجلها، ويعبئان جميع الموارد والإمكانات التى تهيئ الشروط لها.
وفى بيروت، كانت النظرة واقعية إلى الوحدة أو الاتحاد، وإلى المعضلات الموضوعية التى تعيق تحقيقها والوصول إلى التكامل التام، والتى من بينها التباين فى درجة التطور بين الأقطار العربية، ومعضلة هشاشة فكرة المؤسسة، فضلا عن معضلات أخرى ذات صلة بعدم التوازن فى القوة بين الشركاء المقترضين، ومعضلة التدخل الإقليمى للجوار، والخارجى البعيد القريب.
الوحدويون فى وقت معين ــ ربما مثلهم مثل غيرهم ــ كانت الوحدة كل قضيتهم، فلا تشغلهم مسائل العدل الاجتماعى ولا التنمية الاقتصادية ولا حتى الديمقراطية.
اليوم، المشهد الفكرى مختلف: فالدولة القطرية الوطنية هى القاعدة، والتسليم بها هو الأساس، وطمأنتها على نفسها، ودعوتها إلى علاقات وحدوية مصلحيه تعتمد الصيغة الفيدرالية هى المنطلق، والعمل على تقوية نسيجها المدنى والاجتماعى، الذى ربما يحول دون تهميشها أو تفتيتها، هو الآن مصلحة قومية حيوية.
ولا أحد يحتكر مفردات الأمة وميراثها ومستقبلها، لا الديمقراطية حكر لليبراليين، ولا الميراث الدينى حكر للإسلاميين، ولا الاتحاد حكر للوحدويين أو القوميين. إن كل هذه الرموز والقيم والآمال ملكية جماعية، وليست صكا مكتوبا لتيار فكرى دون آخر.
نعم.. هى تحولات فكرية عاصفة.

مفكر عربى من الإمارات

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات