الجاهلى المقدس - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجاهلى المقدس

نشر فى : السبت 25 مارس 2017 - 10:35 م | آخر تحديث : السبت 25 مارس 2017 - 10:35 م
يعصر تلاميذ الجزائر أمخاخهم لحفظ أشعار من العصر الجاهلى وحفظ حياة الشعراء وسنوات ميلادهم ونسبهم وقبائلهم وبيئتهم والمناسبات التى قالوا فيها أشعارهم إن كانت غزلا أو مدحا أو هجاء أو وصفا.. يحفظون كل شىء عن ظهر قلب حتى أسماء عشيقاتهم مثل عنيزة وعبلة، لأنه مطلوب فى الامتحانات الفصلية وفى الامتحانات المصيرية العامة. يتحول التلاميذ إلى ببغاوات يرددون أقوالا لا يفهمونها مضى على قولها أزيد من 15 قرنا بلغة غير لغتهم الحالية التى ينطقون بها أو يكتبونها. العصر الجاهلى فصل مقدس فى مناهج التعليم بالجزائر، وهو حاضر فى مدارسنا أكثر مما هو حاضر فى أى منهج آخر فى بلاد العرب. يأخذ من الوقت الكثير وينهك الأعصاب لمئات الساعات قبل أن يرمى فى سلة المهملات كون الطلاب لا يحتاجونه فى حياتهم الدراسية المستقبلية وفى حياتهم المهنية. تعليم العصر الجاهلى هدر للوقت وتنكيل بالقدرة الفكرية للناشئة، فماذا لو تشجعت الوزيرة نورية بن غبريط وقررت شطب كل ما يتصل بالجاهلية من برامجنا الدراسية إن كان تاريخا أو أدبا؟ فذلك الأدب لا ينفع لا لغويا ولا معرفيا حتى أنه يخدش الأخلاق والحياء والكبرياء والذكاء أحيانا، هو بالقياس إلى عصرنا جملة تفاهات أكل عليها الدهر وتقيأها ألف مرة.
ولا يصلح تاريخا لأنه غريب عن تاريخنا فقد وقع فى مكان محدد بعيد عنا وفى بيئة غريبة عنا. فحين كان الجاهليون يدفنون بناتهم كان هذا البلد تحكمه امرأة.

أليس اعتماد هذا العصر فى مدارسنا انفصاما وتقمصا لشخصية الغير معالى الوزيرة؟ بالتأكيد تعلمين أن تعليم هذه الحقبة التاريخية وعلى مدى سنة دراسية كاملة بالنسبة لطلاب الثانوى لا يسمن ولا يغنى من جوع. ففى السن التى ينكب فيها تلاميذ الجزائر مجبرين على حفظ صدى الهتيت لدى امرئ القيس وزهير بن أبى سلمى وعنترة بن شداد وطرفة بن العبد وباقى شعراء المعلقات، بدأ مارك زوكربيرغ التفكير فى إسعاد العالم بأحد أكبر الإنجازات العلمية لبداية القرن الواحد والعشرين.. موقع الفيسبوك الذى قرب الناس من بعضهم وجعلهم يجتمعون ويتحاورون وهم على مسافة آلاف الأميال. تطلب الأقسام الأدبية والعلمية والتقنية من التلاميذ حفظ تلك المعلقات، لكنها تحرمهم من الاطلاع على أدبهم القديم.. فهل يعرف التلاميذ والمعلمون والمدراء ومستشارو التربية والمفتشون وطلاب كليات الآداب والقانون فى الجامعات شيئا عن «التحولات ـ الحمار الذهبى» الذى صنف على أنه أول رواية فى التاريخ صاحبه جزائرى اسمه أفولاي؟ وأن أشهر مرافعة قضائية هى «مرافعة صبراتة» التى دافع فيها عن نفسه أمام كوكبة من القضاة؟ الغريب أن أفولاى أو أبوليبوس هو ابن مادور أو مداوروش كاتب وخطيب نوميدى وفيلسوف وعالم طبيعى وكاتب أخلاقى وروائى ومسرحى وملحمى وشاعر غنائى.. لا يعرف عنه التلميذ الجزائرى أى شىء مع أنه يجمع بين كل هذه الخصائص والتخصصات، لكنه بالمقابل يعرف تفاصيل حياة رجل تفاعل لسانه مع الهتيت فى الربع الخالى. وفى قلب مدينة بجاية مدرسة باسم «الخلدونية» مر منها عشرات الآلاف من التلاميذ منذ الاستقلال دون أن يعرفوا أصل التسمية تماما كما لا يعرف معظم العنابيين أن القديس أوغسطين الفيلسوف الإنسانى الفذ ابن سوق أهراس حارب مع أهله دفاعا عن مدينته ضد الغزو الوندالى الهمجى إلى أن توفى تحت الحصار. فصول مشرقة من تاريخ الجزائر وأدبها القديم محجوبة على التلاميذ والطلاب وأكلها غبار الزمن فيما لا يجرؤ أحد على تجاو قدسية العصر الجاهلى. فهل من جرىء يفعل؟

الفجر ــ الجزائرية
السعدى نصر الدين

 

التعليقات