لزوم ما لا يلزم - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 7:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لزوم ما لا يلزم

نشر فى : الخميس 25 أكتوبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 25 أكتوبر 2012 - 10:19 ص

ما بال رجال الحكم لدينا يتنافسون فى إصدار قرارات بغير سند من قانون أو على الأقل من الملاءمة السياسية، ويتخبطون فى اتخاذ مواقف يتناقضون فيها فيما بينهم، أو على الأقل تحرج بعضهم البعض، وكأنى بهم يتخيلون أنهم يسبحون فى الفراغ، فلا قانون يقيدهم ولا اعتبارات سياسية تدفعهم إلى التروى غير مدركين أن تبعات هذا الأسلوب فى إدارة السياسة والدولة فى مصر لن تنعكس بالضرر عليهم وحدهم وإنما سيكون لها أوخم العواقب على عملية بناء مصر الثورة التى طال انتظارنا لبدئها، وأصبحت أعدادا متزايدة من المصريين بسبب هذا الأسلوب فى الحكم تشك فى قدرة رجاله الحاليين على التصدى لها أصلا. فى أسبوع واحد رأينا عديدا من نماذج هذا السلوك المعيب، فالقيادى الإخوانى عصام العريان يصرح ــ تخويفا للنائب العام ــ بأن الرئاسة تسجل كل المكالمات الصادرة منها والواردة إليها، ورئيس مجلس الشورى يتخذ قرارا متسرعا غير مدروس بوقف رئيس تحرير الجمهورية بسبب ما نشرته بخصوص القائد العام السابق ورئيس أركانه، ورئاسة الجمهورية تتخبط فى مسألة الخطاب الذى وجهه رئيس الجمهورية إلى الرئيس الإسرائيلى بمناسبة اعتماد السفير المصرى الجديد فى تل أبيب، وغير ذلك الكثير. لم تكن المسألة إذن سقطة عابرة عندما أصدر رئيس الجمهورية قراره بعودة مجلس الشعب بعد أن حكمت المحكمة الدستورية بحله أو قراره بعزل النائب العام، وإنما هى أسلوب حكم ينذر بخطر داهم.

 

●●●

ولنأخذ تصريحات الدكتور عصام العريان التى أتت فى سياق سلسلة متلاحقة من التصريحات أساءت إليه وإلى جماعته. قال الرجل الذى عُرفت عنه قبل الثورة الحنكة والبراعة السياسية إن الرئاسة تسجل جميع محادثاتها الهاتفية من باب «التوثيق الشفهى»، وكان المعنى الكامن خلف هذه التصريحات تهديدا للنائب العام بأنه إذا استمر فى روايته عما حدث فإن التسجيلات سوف تفضحه. لم ينتبه الرجل أنه نسب بهذا للرئاسة فعلا يتصادم وصريح القانون، والمؤسف أن العريان فى دفاعه عما قال ذكر أن عبدالناصر كان يسجل كل المكالمات، فلماذا يكون التسجيل حلالا له حراما على جمهورية الثورة، وكأن ثورة يناير لا هم لها إلا أن تأخذ أسوأ ما فى النظم السابقة عليها. لم يكتف العريان بهذا وإنما أضاف أن من يخشى التسجيلات الرئاسية لديه ما يخفيه، ولست أرى مشكلة فى هذا. نعم يا سيدى لكل منا جانب ما فى مواقفه أو سلوكه لا يريد له أن يُعرف فما الضير فى هذا؟

 

كان من الطبيعى أن تؤدى هذه التصريحات إلى تناقض بين رجال الحكم حيث نفاها المتحدث باسم الرئاسة تماما، ولنلاحظ أن العريان واحد من مستشارى الرئيس، وهو ما يثير تساؤلات حول الطريقة التى يعمل بها هو وغيره من المستشارين. كما كان من الطبيعى أن يهتم بها النائب العام رسميا، فيرسل إلى ديوان رئيس الجمهورية متسائلا عما إذا كان العريان يشغل وظيفة بالرئاسة تتصل اختصاصاتها بإجراء هذه التسجيلات، ومطالبا إياه بأن يوافيه بالسند القانونى لهذه التسجيلات، خاصة وأن قانون العقوبات يجرم الفعل حماية لحرمة الحياة الخاصة إذا ما تم دون إذن من القضاء أو النيابة العامة ولا يستثنى من ذلك أحدا أبدا. والمشكلة التى خلقها العريان ــ غير إحراج رئيسه ــ تتمثل فى أن التحقيق قادم لا محالة، فإما أن تنفى الرئاسة صحة التصريحات وهنا يٌحقق مع العريان بتهمة نشر أخبار كاذبة ويُسأل عن مصادر معلوماته، وإما أن تتأكد فتستدعى النيابة المسئولين عن التسجيلات ومن أمر بها فى الرئاسة للتحقيق.

 

●●●

ننتقل إلى قرار رئيس مجلس الشورى وقف رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية» وإحالته إلى لجنة القيم بالمجلس الأعلى للصحافة بسبب ما نشرته الصحيفة عن القائد العام السابق ورئيس أركانه مما اعتبر إساءة بالغة للقوات المسلحة، وهى واقعة غير مسبوقة ــ بغض النظر عن مشروعيتها القانونية ــ منذ ولى مجلس الشورى أمر ما يعرف بالصحافة القومية، فاقدة تماما للملاءمة السياسية. وقيلت فى شرح ملابسات ما حدث وجهات نظر مختلفة، فرئيس الجمهورية وفقا لإحدى الروايات هاتف رئيس مجلس الشورى بعد أن أبلغه القائد العام باستياء أبناء القوات المسلحة على كل المستويات مما نشرته صحيفة «الجمهورية» (تأمل فى الدلالات لأن هناك من يستخفون بالواقعة استخفافا شديدا)، وقد يعزز هذه الرواية أن كلمة رئيس الجمهورية فى الجيش الثانى الميدانى عندما زاره للاطلاع على مشروعه التكتيكى الأخير قد تضمنت قوله بأنه «تم اتخاذ الإجراءات المناسبة تجاه الصحفى الذي نشر الكلام المغلوط عن قيادات القوات المسلحة السابقة، وأن ثمة تحقيقا فى هذا الكلام الذى لا أساس له من الصحة»، وفى رواية أخرى أن من فعل هذا هو أحد الأعضاء الحاليين فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. تتكرر بعد ذلك أزمة محاولة خلع النائب العام من موقعه، فيعلن رئيس التحرير الموقوف أنه موجود فى مكتبه رافض للقرار مؤيدا فى ذلك من مجلس التحرير ومجلس نقابة الصحفيين الذى اعتبر القرار سابقة خطيرة تفتقد المشروعية، وتنتهك قانونى النقابة وتنظيم الصحافة، وقرر المجلس بالإضافة إلى مساندته رئيس التحرير الموقوف فى الدعوى المرفوعة من قبله أمام القضاء لإلغاء القرار رفع دعوى ضد رئيس مجلس الشورى لعدوانه السافر على قانون نقابة الصحفيين، ناهيك عن قيام أعداد من الصحفيين بتنظيم وقفات احتجاجية مناوئة للقرار والحكم الحالى بوضوح شديد. ولم يعد متبقيا سوى الرجوع عن القرار.

 

●●●

ثم نأتى إلى خطاب رئيس الجمهورية إلى رئيس دولة إسرائيل بمناسبة اعتماد السفير المصرى الجديد لديها، وكانت الصحافة الإسرائيلية هى أول من كشف النقاب عن فحوى هذا الخطاب لنكتشف أن رئيس الجمهورية قد خاطب رئيس دولة إسرائيل واصفا إياه بالصديق العظيم وموقعا على الخطاب بعبارة «الصديق الوفى»، ناهيك عما ورد في الخطاب من تعبير عن «الرغبة الشديدة فى اطراد علاقات المحبة التى تربط بين بلدينا»، وعن تمنى رئيس الجمهورية لرئيس إسرائيل السعادة «ولبلاده» الرغد. وكالعادة ساد الارتباك الموقف، فنقلت وكالة أنباء الأناضول عن أحد مستشارى الرئيس قوله إن الرئاسة طلبت توضيحا من الخارجية، وستصدر بيانا بعد وصول ردها، وأن الخطاب غير صحيح بنسبة 95%. والمعنى الخطير فى هذه التصريحات أن رئيس الجمهورية لم يقرأ الخطاب قبل إرساله وهذه هى المصيبة الأعظم، ويتسق هذا مع ما ذكره نفر آخر من الإخوان من أن الخارجية هى المسئولة، وقال فريق ثالث إن الخطاب «تلفيق صهيونى».

 

ثم تأتى لحظة الحقيقة لتعترف الرئاسة بالخطاب وتدافع عن موقفها بأن هذه صياغات بروتوكولية متعارف عليها فى وزارة الخارجية، وأن تغيير الصيغة حسب علاقاتنا بهذه الدولة أو تلك يتسبب فى أزمات دبلوماسية. لم ير البعض فى تعليقه على موقف الرئاسة ضيرا من القول بأنه لم يكن هناك مانع من استخدام عبارات لا تخلو من الاحترام لكنها لا تصل إلى هذه الفجاجة. لكن لى مدخلا مختلفا إلى الموضوع. تضمنت رسالة رئيس الجمهورية ــ بالإضافة إلى شكليات المخاطبة الدبلوماسية ــ إشارة إلى رغبته الشديدة فى اطراد «علاقات المحبة التى تجمع بين بلدينا»، ولا أدرى ما هي علاقات المحبة تلك؟ اللهم إلا إذا كان الانتهاك المنتظم للسيادة يدخل في باب المحبة بين الدول، ثم إن رئيس الجمهورية يتمنى «لصديقه العظيم» الرغد «لبلاده»، فمن قال إنها بلاده؟ وما هي مبررات الموقف المصرى المساند للقضية الفلسطينية إذا كانت فلسطين بلد بيريز ومن معه؟ القضية باختصار منبتة الصلة بالبروتوكول أصلاً. إذ يفترض أن العلاقات مع إسرائيل تمر بأزمة، أو على الأقل ملبدة بالغيوم بسبب رفضها الرغبة المصرية في مراجعة معاهدة السلام معها، فلماذا لم يتم التفكير أصلاً في عدم إرسال سفير لإسرائيل في الوقت الحالي كتعبير صامت عن الغضب يُشعِر إسرائيل بأننا قادرون على اتخاذ المواقف ولو الرمزية، وأن هذه المواقف يمكن أن تمهد لاحقاً لما هو أخطر، وحتى إذا حصرنا المسألة في البروتوكول: ما الضير في أن نغير صياغة الرسالة بما يلائم مقتضى الحال؟ ولا بأس عندى وعند غيرى من أن تحدث أزمة مع إسرائيل، فهذا أفضل مما ورد من عبارات سيئة في الرسالة. إن الثورات لا تقوم لمراعاة قواعد البروتوكول، ولكنها تتوفر على خلق واقع جديد ومستقبل أفضل وإلا ما كان البلاشفة قد أقدموا على عمل غير مسبوق بعد نجاح ثورتهم أثناء الحرب العالمية الأولى من إعلان للاتفاقيات بين الحلفاء على قسمة غنائم الحرب من أراضٍ وأقاليم عربية بينما كانوا يعدون العرب بالاستقلال.

 

●●●

أقسم بالله أننى أتمنى التوفيق لأى حكومة طالما جاءت على أساس ديمقراطي، لكن مؤشرات المستقبل القريب تبدو مخيفة، وعلامات غياب التنسيق وانعدام الكفاءة تنذر بشر مستطير. وما لم ينتبه رجال الحكم الحالي إلى هذا ويعملوا على إصلاحه، ويشرعوا في عملية بناء المستقبل فإن مصيرهم لن يختلف بحال عن مصير سابقيهم، وتتحمل النخبة غير الحاكمة مسئولية خاصة في هذا الصدد لإحداث التغيير المطلوب وتحطيم إسار الاستئثار وغياب الكفاءة والاستخفاف بالقانون.

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير معهد البحوث والدراسات العربية

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية