من فقه الدعوة 1ــ السبيل قبل الغاية - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:29 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من فقه الدعوة 1ــ السبيل قبل الغاية

نشر فى : الجمعة 25 أكتوبر 2013 - 8:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 25 أكتوبر 2013 - 8:40 ص

(1)

الدعوة عمل الأنبياء، فالله يصطفى من يصلح لها من الخلق، ولا يترك الدعوة غنيمة يتخطفها كل مشتاق أو راغب، فالقرآن الكريم لا يقص أخبار الأنبياء لنتعلم منها تاريخ الأمم، بل لنتعلم جميعا شئون الدعوة وضوابطها، وخصائص الدعاة ومهامهم. فالدعوة الدينية ليست فريضة عامة واجبة على كل مسلم كالصلاة، بل واجبة على من يتأهل لها، ويتمكن منها، ويجتاز اختباراتها لينال «الإجازة الأولى» فى الفهم والإدراك و«الإذن» بمباشرة الدعوة.

وقد يتصور البعض أن الدعوة فريضة على كل مسلم ومسلمة، حيث أمر الله بها الأمة كما بين القرآن...: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وكما أشارت أحاديث الرسول، والحقيقة أنها ليست فرضا مطلقا بل مشروطة ولها ضوابط، لذلك أستخير الله أن أبدأ الكتابة فى «فقه الدعوة» بيانا لشئون الدعوة وشجونها.

(2)

وبداية فكل مؤمن يوقن أن الله اختار الأنبياء واصطفاهم، وصنعهم على عينه إعدادا لهم لتحمل المهام، حيث يقول: (اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلا وَمِنَ النَّاسِ).

ويقول: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى...).

لكن بعض الذين اكتمل لهم متاع الحياة الدنيا قد تجرأوا على تمنى النبوة أو ادعاء استحقاقها مثلما حاول زعيم قريش القوى الغنى العالم «الوليد بن المغيرة» وقرر أحقيته واستحقاقه للنبوة حيث اكتملت له أسباب العظمة (فهو عالم خبير وقته، غنى، قوى الشوكة منحه الله (وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودا (12) وَبَنِينَ شُهُودا (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدا)، فهو زعيم يميل الناس معه كيفما يميل، ويلجأون إليه ويأتمرون بأمره، كما أن الرجل قد بلغ من الحكمة ألا يعاقر الخمر ولا يفعل الفحشاء، فلماذا لا تكون «النبوة» تتويجا لزعامته إذ يقول: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).

هكذا يزكى نفسه للنبوة ثقة فى نفسه، فقال الله له (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).

فالإرادة الإلهية «تصطفى» النبى بعلمها وخبرتها، ثم بعد الاصطفاء تخصه «برسالة» ثم بعد ذلك قد «تأذن» له أن يمارس الدعوة ممارسة عامة، فالقرآن يخبرنا أن اصطفاء الله محمد ومنحه النبوة قد أذن له ــ بعد ذلك ــ فى «الدعوة» (وَدَاعِيا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ).

فوظيفة الدعوة إلى الله تبدأ بثلاث خطوات هى: «الاصطفاء» ثم «الإعداد» ثم «الإذن».

(3)

وما دام الاصطفاء هو مصدر النبوة فمصدر الدعوة هو «الانتقاء والاختيار»، فالله حينما يصطفى نبيا، يصطفيه ممن توافر فيهم صفات: «الأمانة والفطنة والصبر». فهذه هى «المؤهلات الدنيا» لمن يقوم بالدعوة، ثم يضاف إليها: «العلم ــ الفهم».

والمقصود من العلم: العلم بما يقال؟، وكيف يقال؟، ولمن يقال؟ ومتى يقال؟ وأين يقال؟.

والمقصود بالفهم: الإحاطة «بحقل» الدعوة الداخلى، «ومحيطها الملاصق» لها، ثم الإحاطة بما وراء «محيط الدعوة» من مؤثرات خارجية: القوى صاحبة المصلحة فى الوضع القائم والقوى الرافضة للوضع القائم... إلخ.

لكن الغريب أن كثيرا من المتصدرين للدعوة لا يعرفون ماذا يقال؟ أو ما هى الدعوة التى يوجهونها إلى الناس؟ فكثير من هؤلاء يتصورن أن الدعوة هى توجيه الناس إلى شئون الشعائر والعبادات، أو كما يفهمون من الحديث الصحيح بُنى الإسلام على خمس... «إلخ». وهذا فهم متسرع يحتاج إلى كثير من الصبر والتأنى، وإلى كثير من مشاورة «أهل الذكر» (الاختصاص).

(4)

تعالوا نقرأ الجملة الأولى فى آية من آيات الدعوة تقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ...).

ونكتفى بهذه الجملة فقط فالدعوة «إلى سبيل الله» مرحلة كبرى تسبق «الدعوة إلى الله»، فسبيل الله هو الطريق الممهد إلى الله.. طريق تجهيز الناس لتلقى دعوة الله... وتجهيز الناس يبدأ بإغنائهم عن الضرورات التى تحول بين الإنسان وبين حسن الفهم وحسن التلقى، فالجائع والخائف والمريض لا يحسن الإنصات ولا يستطيع الاستيعاب، فمن الضرورة بمكان أن يتحرر الإنسان من الفقر والجوع والجهل.

يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات