‎الحريات تقتل الشائعات - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأحد 27 أبريل 2025 2:19 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

‎الحريات تقتل الشائعات

نشر فى : السبت 26 أبريل 2025 - 7:30 م | آخر تحديث : السبت 26 أبريل 2025 - 7:30 م

يوم الخميس قبل الماضى دعتنى جامعة الإسكندرية للحديث إلى طلابها عن «الشائعات فى العصر الرقمى.. التحديات وسبل المواجهة».
‎الدعوة جاءت من كلية الآداب عبر الصديق الدكتور أحمد فؤاد أنور أستاذ اللغة العبرية والكاتب المتخصص فى الشئون الإسرائيلية.
‎وتشرفت أننى كنت بصحبة أحد أصدقاء العمر الكاتب الصحفى أكرم القصاص رئيس مجلس إدارة اليوم السابع، وقبل بداية الندوة قدم لنا الدكتور هانى خميس عبده عميد كلية الآداب دروع التكريم.
‎تحمست لتلبية الدعوة للنقاش مع طلاب الجامعات لمعرفة كيف يفكرون ورؤيتهم للواقع.
‎اللقاء الذى استمر ساعتين وأداره باقتدار الدكتور أحمد فؤاد ضم طلاب عدد كبير من كليات الجامعة المختلفة وليس فقط من كلية الآداب وبعض الأساتذة.
‎ وخلال النقاش اكتشفت ارتفاع مستوى الوعى لدى غالبية الطلاب، لكنه كشف أيضا أن بعض الطلاب غارقون إما فى نظرية المؤامرة الكونية، أو التفكير النمطى.
‎فى كلمتى الأولية قلت إن الشائعات موجودة منذ بداية الخلق وسوف تستمر حتى قيام الساعة، فى كل بلدان العالم، لكن بدرجات متفاوتة، والمؤكد أن وسائل الإعلام الرقمية لعبت دورا رئيسيا فى زيادة حجم وتأثير الشائعات، وصار بإمكان شخص واحد مدرب جيدا أن يؤثر فى بلد بأكمله، عبر جهاز موبايل صغير.
‎ليست تلك هي المرة الأولى التى أتحدث فيها عن الشائعات سواء مع طلاب جامعات أو فى برامج تليفزيونية متنوعة.
‎ورأيى الذى أكرره دائما أنه لا يمكن لأى دولة أن تمنع الشائعات بنسبة مائة فى المائة.
‎لكن كلما كان هناك هامش حرية حقيقى فإنه يمكن مواجهة هذه الشائعات وتكذيبها أولا بأول.
‎رأيى الواضح أيضا أن الشائعات تنتشر فى الأجواء والبيئات المغلقة، وبالتالى فإن وجود الحريات أو القدر الأكبر منها هو أفضل علاج لمرض الشائعات.
‎وفى الماضى وقبل انفجار وسائل الإعلام الرقمية كانت دول كثيرة لا ترد على الشائعات حتى لا تزيد من انتشارها، لكن هذا الطريق لم يعد مفيدا، بل هو شديد الضرر، ويقود إلى زيادة حجم الشائعات بل يجعل المستهدفين يتعاملون معها وكأنها حقيقة.
‎الإحصائيات تقول إن الشائعة تنتشر ست مرات أكثر من الأخبار الحقيقية. وكلما كان الوعى غائبا والتعليم متدهورا والاقتصاد مأزومًا زاد انتشار الشائعات، وبالتالى فإن على وسائل الإعلام أن تحرص على تطبيق القواعد المهنية بكل صرامة، خصوصا فى التأكد من صحة ودقة الأخبار قبل نشرها. فى حين أن المواطن أو القارئ عليه مسئولية أساسية فى التأكد من صحة أى خبر يقرؤه والاعتماد على وسائل الإعلام الكبرى والموثوقة، وليس على وسائل إعلام لا تتمتع بالمصداقية أو وسائل تواصل اجتماعى، والأخيرة ليست مصدرا للأخبار الصحيحة، لكن دورها يزيد ويصبح أكثر تأثيرا فى حالة تراجع دور وسائل الإعلام التقليدية ونقص هامش الحريات.
‎هل وجود تعليم جيد واقتصاد قوى يمنع انتشار الشائعات والقدرة على التأثير على الناس؟
‎الإجابة هى لا، والدليل هو ما يحدث فى مناطق كثيرة فى العالم وسوف اختار مثالين على صلة بما يحدث فى منطقتنا.
‎الأول من أمريكا أقوى دولة فى العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا ولديها أفضل الجامعات والمعاهد البحثية وتتمتع بقدر وافر من الحريات. لكن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب نجح فى إقناع غالبية مواطنى هذه الدولة بأفكار وسياسات غاية فى التطرف. وظنى أن ذلك يكشف عن القدرة على التأثير على عقول مجتمع كامل بأفكار وسياسات غريبة.
‎المثال الثانى هو إسرائيل التى تدعى أنها «واحة الاستقرار والديمقراطية فى صحراء الديكتاتورية العربية الجرداء»، لكننا اكتشفنا أيضا وهى تنفذ أكبر مجزرة فى تاريخ الإنسانية ضد قطاع غزة، أنها تمارس أكبر قدر من الشائعات، وآخرها ما كشفه وزير الدفاع السابق يوآف جالانت بأن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو هو من اخترع شائعة غير صحيحة، بوجود نفق لتهريب الأسلحة من سيناء إلى قطاع غزة، حتى يتهرب من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
‎وبالتالى فالشائعات ليست حكرا فقط على الأغنياء أو المتعلمين، بل تنتشر فى كل الأجواء، وكلما كانت هناك حريات ورأى آخر ومحتوى جذاب ومصارحة الناس بالحقائق أولا بأول، تراجعت الشائعات.
‎شكرا لجامعة الإسكندرية ولطلابها وأساتذتها.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي