الخلافــة: بين الإلهى والبشرى الشيخ - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الخلافــة: بين الإلهى والبشرى الشيخ

نشر فى : الخميس 26 يوليه 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 26 يوليه 2012 - 8:00 ص

 -1 ـ

 

كثير من الأزمات تبدأ حين تخلط الأمور، ثم يتصاعد الخلط حتى يألفه الناس ويظنونه دينا فيتمسكون به، ويتصدون لمحاولات التجديد والإصلاح. ومن أوسع الميادين التى حدث فيها تخليط وخلط ميدان التدين، إذ زحف الفكر البشرى على الوحى السماوى زحفا مخيفا جعل كلام البشر دينا واجب الاتباع مع ما يسببه ذلك من تشاحن وتخاصم يصل إلى مراتب العداوة والقتال. ونحاول الآن فرز الإلهى عن البشرى حرصا على وضع النقاط على الحروف.

 

ـ 2 ـ

 

بداية نؤكد أن الدين الإلهى هو القرآن الكريم وما تعلق به من صحيح البيان النبوى ونصوص هذا الدين هى وحدها التى تسمى عقيدة أو شريعة أو كليهما، أما تصورات البشر وفهوم الناس للوحى فلا تعتبر دينا بل نموذجا للتدين مقبولا أو مردودا عليه أو مرفوضا. وكل تلك الفهوم والتصورات يجب أن تسمى نفسها ويسميها الناس فقها وفكرا، وعلى ذلك فالعقيدة والشريعة هما ثوابت الوحى قطعية الثبوت قطعية الدلالة. أما الفقه والفكر فهما متغيرات العقول وهى ظنية الثبوت ظنية الدلالة وهى آراء بشرية مختلفة ومتعددة ولكنها ظنه الثبوت والدلالة وتخضع للمفاضلة والترجيح.

 

ـ 3 ـ

 

وعلى هذه القاعدة يتبين لك أن الشريعة الاسلامية قد فرضت إقامة الدولة لتنظيم ورعاية وإدارة شئون الناس، فإقامة الدولة شريعة لازمة ملزمة للجميع، أما اختيار اسم للحكومة كاسم الخلافة أو الإمارة أو الإمامة أو المملكة أو الجمهورية فكل تلك الأسماء إبداع فقهى يترجح أحدها على غيره من الأسماء بعدة ضوابط مثل:

 

1 ـ انضباط الاسم ووضوح دلالاته.. 2 ـ وضوح حقوق المواطن وواجبات الحاكم.. 3 ـ مدى توافق الاسم مع المسمى.. 4 ـ مدى مطابقة الاسم لمنظومة الفقه.. 5 ـ مدى تعبيره عن التراث المقبول.. 6 ـ مدى استقراره وتعبيره عن فلاح الأمة وصلاحها... إلخ فهل استوفى اسم الخلافة كل هذه الضوابط؟

 

ـ 4 ـ

 

وأيضا إقامة الحكومة كما ذكرنا فريضة واجبة بالعقل والشرع، أما سلطات ووظائف الحكومة فهى مسائل فقهية، فهل الحكومة المطلوبة حكومة مركزية تجمع جميع شعوب الأمة كحكومة لدولة موحدة؟ أم انها حكومة دولة اتحادية تتعدد فيها الشعوب والحكومات؟ وهل الحكومة إذا كانت لدولة «واحدة» هى حكومة تخطيط فقط أم أنها تخطيط وتنفيذ، كذلك وظائف الدولة ومدى اتساعها للتدخل فى جميع شئون الحياة أو اقتصارها على بعض الشئون دون غيرها، كل هذه الموضوعات وأكثر منها لا تزيد على كونها فقها بشريا يترجح بمدى اقتناع الناس به وتقبلهم له، وتحقيقه لغايات الأمة وأهدافها فهذه الموضوعات كلها بحاجة إلى نظام فقهى تتنافس فى تنظيمه وإبراز قواعده وضوابطه مذاهب وأحزاب وفقهاء، كما أنه بحاجة إلى اتساع نشره وشيوعه شعبيا وفكريا.

 

ـ 5 ـ

 

من أين تأتى الحكومة وما مصدرها؟ من بيعة أهل العاصمة كما رضى الناس ببيعة أبى بكر وعمر؟ أم بمجلس استشارى توافقى بين المتخصصين كما رضيت الأمة وساعة اغتيال عمر، فتم تشكيل مجلس اختيار ثم تلاشى هذا المجلس دون سبب معقول وكأن الأمة تمتلك نظاما سياسيا يغنيها عن تدعيم مجلس الاختيار.

 

لكن وبكل تأكيد فإن الأسس التى سادت فى مبايعة على بن أبى طالب ثم الحسن (رضى الله عنه) لا تقوى على الثبات أمام مبادئ الفقه حيث لم تكن الظروف تسمح ولا هيئة ومجلس للترجيح كما أن كارثة اغتيال عثمان أحدثت مناخا لا يشجع على شفافية الانتخاب، وما هو أبعد من ذلك، تلك النظم العجيبة التى قامت عليها الخلافة الأموية فى دمشق بمرحلتيها (السفيانية ـ المروانية) ومثلها الخلافة العباسية فى (بغداد والقاهرة) والأموية فى الأندلس، والفاطمية بمصر وشمال أفريقيا، وأخيرا الخلافة نظام العثمانية، فكل تلك الحكومات رغم تزينها باسم الخلافة إلا أنها نشأت استنادا للقوة والغلبة وذلك يتضاد مع صحيح الدين فهل الأمل المنشود هو عودة الخلافة أم أن الأمل المعقول هو تنظير النظام السياسى طبقا لقواعد الفطرة وقواعد الشريعة والأعراف الإنسانية الرشيدة فى زمننا؟ التفقه والتصحيح أولى من التمنى والبكاء على الأطلال.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات