نلوم من تسبب فى جهلهم وفقرهم - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نلوم من تسبب فى جهلهم وفقرهم

نشر فى : الأربعاء 27 أبريل 2016 - 10:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 أبريل 2016 - 10:22 م

هل نلوم الذين رفعوا علم السعودية أثناء الاحتفال بعيد تحرير سيناء يوم الاثنين الماضى فى منطقة وسط البلد، أم نلوم الذين طلبوا منهم أن يفعلوا ذلك؟!

مبدئيا السعودية دولة عربية شقيقة، ورفع علمها ــ مثله مثل أى دولة عربية أو حتى اجنبية ــ ليس عيبا، بل هو يعبر فى احيان كثيرة عن مشاعر عروبية وقومية أصيلة.

العيب هو التوقيت، فحينما تكون هناك مشكلة عميقة بسبب موافقة الحكومة المصرية المفاجئة على نقل السيادة فى جزيرتى تيران وصنافير مع السعودية، وحينما يعلن بعض المصريين معارضتهم لذلك ويؤكدون أنهم سيتظاهرون فى هذا اليوم، فإن رفع العلم السعودى فى هذه اللحظة تحديدا هو استفزاز منقطع النظير، ويسىء إلى السعودية وإلى مصر ويتسبب فى توتير العلاقات بين الشعبين، وبالتالى فإن السؤال الرئيسى هو: من الذى فكر أو اقترح هذه الفكرة الحمقاء؟!

بغض النظر عن مضمون قضية الجزر ومن الأحق بالسيادة عليهما، فإن الطريقة التى تصرفت بها الحكومة المصرية ووسائل الإعلام التابعة أو المؤيدة لها كانت كارثية، كان يمكن لهؤلاء ان يصمتوا ولا يتحولوا إلى هذا النوع من الدعاية الفجة، والإلحاح على أن الجزر سعودية، حتى لو كانت كذلك فعلا.

كان يمكن لهؤلاء المتظاهرين ان يكتفوا بحمل العلم المصرى فى هذا اليوم المشحون. حملهم للعلم السعودى لا يغيظ المعترضين، بل يتسبب فى جرح عميق للجميع.

الصديق الروائى والكاتب الصحفى ناصر عراق كتب على صفحته على الفيسبوك مساء الاثنين الماضى يقول: «لا تلعنوا الناس التى رقصت بسذاجة، ورفعت علما غير العلم المصرى، العنوا من تسببوا فى فقرهم وجهلهم وبؤسهم».

ما قاله ناصر عراق صحيح مائة فى المائة، وأغلب الظن أن من فعلوا ذلك لا يعلمون من أمرهم شيئا، لأن «الجهل هو فعلا أبو الرذائل».

أحد أكبر جرائم حسنى مبارك هو تدميره للتعليم بصورة ممنهجة، والذين فعلوا ذلك هم ضحايا تعليم مبارك. هم تخرجوا فى المعاهد الفنية أو حتى بعض الجامعات فى عهده ولا يعرفون أحيانا كتابة اسمهم.

بعض هؤلاء يمكن استئجاره ليشارك فى مظاهرة أو مؤتمر أو ندوة او تصويت انتخابى، سواء بسبب جهله او فقره. وللأمانة فإن الحكومة الحالية لم تكن الوحيدة التى تفعل ذلك. هذا الاستئجار فعلته غالبية الأحزاب والقوى السياسية المصرية فى الانتخابات، وأبدعت فيه جماعة الإخوان حينما كانت تستأجر المتظاهرين بعد ٣٠ يونيو لتحافظ على كوادرها، وتبدع فيه أكثر الجماعات الإرهابية فى سيناء الآن حينما تستأجر من يراقب الطرق او يزرع العبوات الناسفة.

لو أن هناك جهة رسمية مصرية أو حتى غير رسمية تفعل هذا الأمر، وتستأجر أو تقنع أشخاصا برفع العلم السعودى فى يوم احتفال سيناء، فعليها أن تتوقف فورا عن مثل هذه الحركات الصبيانية والتى تخصم من رصيدها هى أولا قبل أى جهة أخرى وتسىء إلى الجميع.

وإذا صح أن جهات رسمية هى من فعلت ذلك، أو حتى شجعت على ذلك، فتلك مصيبة كبرى، لأنها تكشف عن مستوى متدنٍ ورخيص من التفكير والسلوك. والأخطر أن ذلك يكشف عن الأخطار المحدقة بنا إذا استمر هذا النوع من التفكير مستقبلا.

طوال يوم الاثنين كان يمكنك رؤية كل أنواع المصريين فى منطقة وسط البلد: مؤيدون للرئيس والحكومة يحتفلون فى ميدان عابدين، ومعارضون له يحاولون التظاهر دون جدوى بسبب شدة الإجراءات الأمنية، و«مواطنون شرفاء»، يرقصون بفجاجة ويرفعون أعلاما غير مصرية ويتحرشون بأى شخص يجرؤ على قول لا، وأصحاب المحلات التجارية والعاملون فيها يتفرجون متوجسين من شبح أزمة قد تتسبب فى إغلاق محلاتهم، ومارة غير مكتثرين بأى شىء، وأولاد وبنات تحت سن الثلاثين يصطفون فى طابور طويل لمشاهدة فيلم هيبتا.. كل ذلك كان يحدث فى منطقة قطرها لا يزيد على نصف كيلومتر.. هى دى مصر.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي