سلطنة : مع الثلاثية الريفية للموجي ومرسي جميل عزيز - ياسر علوي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:36 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلطنة : مع الثلاثية الريفية للموجي ومرسي جميل عزيز

نشر فى : الإثنين 27 أبريل 2020 - 11:40 م | آخر تحديث : الثلاثاء 28 أبريل 2020 - 12:11 ص

 

الثلاثية الريفية للموجي ومرسي جميل عزيز: يا مهون، أما براوة، الحلوة داير شباكها

 

-1-

أولا: الغناء الشعبي في بر مصر

عالمُ الغناء الشعبي في مصر المحروسة عالمٌ بالغُ الثراء، تندرجُ تحته ثلاثةُ أنماطٌ غنائية. فهناك أولاً الغناءُ الفلكلوري، مجهولُ المؤلفِ و/أو الملحن، الذي تُنتجه بيئاتٌ محلية مختلفة في أعمالِها وأفراحِها ومآتمِها. والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ، من أول الأغنية الشهيرة المنسوبة لعرسِ الأميرة قطر الندى، ابنة محمد بن طفج الإخشيد، مؤسس الدولة الإخشيدية في مصر، "يا حنة يا قطر الندى"، إلى التراثِ الكبير من أغاني الزرع والحصاد، وأغاني النحيب وتشييع الموتى، وهكذا.

هناك ثانياً، الأغاني التي وضعها فنانون اشتهروا أساساً في بيئاتهم المحلية وارتبطوا بها، ولم يُتح لأغلبِهم الوصولُ للجمهورِ القاهري، ومنه إلى سائرِ أنحاء مصرَ والوطنِ العربي إلا فيما نَدُر. من هذه الدرر، أغاني الفنانيْن السكندرييْن العظيميْن، بدرية السيد وعزت عوض الله، وأغاني كابتن غزالي وفرقة أولاد الأرض في السويس، وصولا لعباقرة السيرة الهلالية الشيخين سيد الضوي وجابر أبو حسين.

-2-

النوعُ الثالث، الأكثرُ ذيوعاً، والذي هو مربطُ اهتمامِنا في مقالِ اليوم، هو الأغاني القاهرية المستوحاةُ من الفلكلور، والتي تستلهمه وتعيد تقديمه للجمهور الواسع في مصر وبلاد العرب من خلال مؤلفين وملحنين ومنشدين يقيمون و/أو يعملون في التيار الرئيسي للغناء المصري، انطلاقاً من القاهرة.

 بعكس النوعين الأولين، فإن إنتاجَ المبدعين المقيمين في القاهرة، لغناءٍ مستوحى من الفلكلور، يحتفظُ بطزاجتِه وأصالتِه، ولا يبتذل التيماتِ الفلكلوريةَ، أمرٌ بالغُ الصعوبة. ويتألق فيه بشكلٍ خاص الفنانون المنتمون لبيئاتٍ مختلطة، تشتبكُ فيها المؤثراتُ الريفيةُ والحضريةُ، بحيث يحتفظوا بصلةٍ وطيدةٍ مع التراثِ الفلكلوري الريفيِ، رغم انخراطِهم العميق في تقاليد غناء المدن والتيار الرئيسي للغناء المصري.

إلى هذه الفئة ينتمي مبدعانا العبقريان، الشاعر مرسي جميل عزيز، والملحن محمد الموجي. فالاثنان ابنا منطقة الدلتا، ذات الكثافةِ السكانيةِ العالية، التي تتداخلُ فيها المدنُ والمراكزُ الحضريةُ الحديثة مع محيطِها الريفي بشكلٍ نَدُرَ نظيرُه في برِ مصرَ، ومن ثم ينتمي أبناؤها لعالمي الريف والحضر، ويتنقلان بين التراث الغنائي والموسيقي للعالمين بمنتهى السلاسةِ واليُسر.

-3-

مرسي جميل عزيز، الذي نشأ في مدينة الزقازيق، يمثلُ نموذجاً كلاسيكياً. فهو ابن مدينة الزقازيق، التي تمثل نقطةَ تقاطعِ ريفي/حضري كبير. فهي بالجغرافيا مركزٌ حضريٌ يتوسطُ القاهرة ومدن القناة ودمياط والمنصورة، ومن ثم يُتيح لقاطنِها التعرض لتقاليدٍ فنيةٍ وغنائيةٍ متنوعة. وهي بالاجتماعٍ والسوسيولوجيا مركزٌ حضريٌ (مدينةٌ عماليةٌ تعد مركزاً تقليدياً لصناعات الزيوت والصابون)، ولكنه محاطٌ بأهم مناطق زراعة الأرز والفاكهة في مصر. ومرسي جميل عزيز، ابن الزقازيق، دارس الحقوق أولاً، ثم لاحقاً خريج قسم السيناريو في معهد السينما، والذي عمل في بداية حياته "فكهانياً" مثل والده، بكل ما يتيحه ذلك من تماسٍ يومي مع موردي الفاكهة من الفلاحين، هو حالةٌ مثاليةٌ لهذا التداخل الريفي/ الحضري.

وقُل مثلَ ذلك على محمد الموجي، ابن مدينة كفر الشيخ الصناعية، المحاطة ببيئة زراعية، والتي تتوسط فرع رشيد لنهر النيل ومحافظتي الدقهلية والغربية حيث المناطق الريفية الصرف.

-4-

الخلاصة، أن مرسي جميل عزيز والموجي مؤهلان بشكلٍ استثنائي لإنتاجِ نوعِ الغناء الذي نتحدث عنه، المنتج في القاهرة وضمن تيار الغناء الرئيسي، ولكن المحتفظ في الوقت نفسه بنكهةٍ ريفيةٍ أصيلة لا تُخطأ، ولا تَفتعلُ صلتَها بتقاليدِ الغناء الفلكلوري الذي يُعد الريفُ المصريُ أهمَ منتجيه.

ثم إن الوسيط الذي تم من خلاله إنتاج ثلاثيتهما التي نتحدث عنها اليوم، وهو السينما الغنائية، يتيح بطبيعته، وفقاً لتنوعٍ الأفلامِ وقصصِها وأماكنِ انتاجِها، فرصاً للتجريبِ خارجِ اللون الغنائي العاطفي التقليدي السائدِ في التيار الرئيسي للغناء القاهري.

والحقيقة أن مرسي جميل عزيز بشكلٍ خاص، يعد شاهداً أساسياً على تراثِ السينما الغنائية المصرية، منذ موجتها الأولى في الأربعينات، والتي شهدت أول أغانيه الناجحة، وهي الطقطوقة البديعة "يا مزوَّق يا ورد في عود" التي غناها عبد العزيز محمود ورقصت عليها نعيمة عاكف في فيلم "ست البيت" عام 1949، ومروراً بالأفلام الغنائية في الخمسينات والستينات في الموجة الثانية (مثال: أغنية نعم يا حبيبي من فيلم شارع الحب)، وحتى آخر موجات السينما الغنائية المصرية في السبعينات، والتي كتب مرسي جميل عزيز أهم أغاني دُرّتِها العظيمة، فيلم "مولد يا دنيا"، متعاوناً مع ملحنين عظام من طبقة محمد الموجي (يهديك يرضيك)، وكمال الطويل (أغنية عبد المنعم مدبولي الرائعة طيّب يا صبر طيّب)، ومنير مراد (شُبيك لُبيك). فهو يكاد يكون الشاهد الحي على السينما الغنائية منذ ظهورها وحتى أفولها.

وعلى الرغم من أن مرسي جميل عزيز صال وجال في التيار الرئيسي للغناء المصري (من أول نعم يا حبيبي، ومرورا بكلثوميته الشهيرة سيرة الحب، وحتى وهابيته المعروفة مثل من غير ليه)، إلا أنني أعتقد أنه كان أكثر طزاجة في صوره الشعرية في الغناء الشعبي، بينما غلبت الصنعة في رأيي على كلمات أغانيه التقليدية (كسيرة الحب ومن غير ليه).

-5-

من ثمارِ تعاونِ الريفيَيْن/الحضريَيْن الكبيرَيْن، محمد الموجي ومرسي جميل عزيز، انتقيت لكم اليوم ثلاث روائع غنائية، هي، بترتيبِ ظهورِها التاريخي: الحلوة داير شباكها لمحرم فؤاد (من فيلم حسن ونعيمة لهنري بركات، إنتاج 1959) يا مهون للعبقري محمد قنديل (من فيلم صراع في النيل لعاطف سالم، إنتاج 1959)، وأما براوة لنجاة (من فيلم ابنتي العزيزة لحلمي رفله، إنتاج 1971).

الأغنياتُ الثلاث في مقام البياتي، وهو برأيي أحد المقامات الأقرب في التعبير عن الوجدان المصري بعامة، والوجدان الريفي بشكل خاص. ويلفتُ النظرَ مثلا، أنه كان تقليدياً أول مقام يخطر على بال الملحن الباحث عن لحن ريفي. فتجد ذلك مثلا في لحن سيد ملحني الموسيقى العربية محمد عبد الوهاب "محلاها عيشة الفلاح"، ولحن السنباطي العظيم لإبراهيم حمودة والذي غنته لاحقا لأم كلثوم "على بلد المحبوب"، وفي لحن بليغ حمدي الرائع لمحمد رشدي "عدوية". وتجد الفكرة نفسها في ثلاثية اليوم.

-6-

الحلوة داير شباكها: أنشودة الغزل الخالص

استمع هنا

هذه الأغنية نموذج رائع للون الغناء الشعبي الذي نتحدث عنه اليوم. فهي ليست فقط استلهاماً لتيمات الفلكلور الريفي كلماتٍ ولحناً، وإنما أيضا جاء سياقُها الفني في فيلم حسن ونعيمة الذي صُنع تحيةً لمطربٍ ريفي مصريٍ عظيم هو حسن المغنواتي. فهي الأغنية الريفية الخالصة.

ولا سياقَ درامياً لها مرتبط بالفيلم، سوى أنها أغنية راقصة لفرحٍ يحييه "حسن المغنواتي". وبالتالي فهي أنشودةٌ للبهجة والأنس (تُغنى في فرح) وغزلٌ خالصٌ، مكتفٍ بذاته وغير معني بأي هموم تعبيرية أخرى، أو حتى بقصة العاشقين الشهيرين "حسن ونعيمة" التي يرويها الفيلم.

انعكس ذلك في الكلام الساحر لمرسي جميل عزيز، فهو غزلٌ في جميلةٍ ريفية، بصورٍ بالغة الطزاجة (وأثر عمل مرسي جميل عزيز فكهانياً في بداية حياته واضحٌ فيها)، تحتفي بجمال الحسناء الريفية وحسبها ونسبها (فبيتها محاطٌ بأشجار الفاكهة، وهي حلوةٌ تماماً كالصورة التي نقلتها الخاطبة على عادة أهل ذلك الزمان، ولم تكن "مقلباً" يتزوج العريس فيه بناء على صورة فتاة لم يرها، ثم يخذله الأصل)، وتتمنى قرب وصالها بأي ثمن (حتى لو دفع المغرم "مهرين" لا مهراً واحداً).

-7-

الكلام عبارة عن مذهب وكوبليهين، يختصران البساطة الماكرة والعذبة لكلمات مرسي جميل عزيز. المذهب مكون من مقطعين كل منهما به ثلاثة شطور، تتطابق قافيةُ الشطرين الأول والثاني، ثم يعود الشطر الثالث إلى القافية الأساسية للأغنية كلها.

فنجد في الشطر الأول "الحلوة داير شباكها/ شجر الفاكهة" ثم "ولا في البساتين"، ويتكرر الأمر في قوافي الشطر الثاني "الحلوة من الشباك طالة/ يحرسها الله" ثم العودة للقافية الأصلية "ست الحلوين" على وزن "ولا في البساتين". وسنلاحظ هنا أنه لا يوجد استسهال في القوافي، وإنما تلاعبٌ متمكنٌ بالطباقِ اللفظي في النطق المصري لكلماتٍ يختلف هجاؤها "طالة/الله" أو "شباكها/ الفاكهة".

ونفس الأمر في الكوبليهين، اللذين يتكون كلٌ منهما من 3 أبيات، وينشطر  كلُ بيتٍ بدوره لثلاثة شطور بنفس الطريقة. فتتطابق قوافي الشطر الأول والثاني في كل بيت، ثم يلتزم الشطرُ الثالث بقافيةٍ موحدة في كل الكوبليه. فنجد مثلا في الكوبليه الأول "سنيورة/ الصورة" ثم "تمام"، و"عنقودها/خدودها" ثم "الشام"، و"أبوها/أخوها" ثم "قوام". وتتكرر المسألة في الكوبليه الثاني.

-8-

وفضلا عن الجرس الموسيقي الجميل، الذي تتيحه هذه القوافي المتتالية، فإن التشابه التام في بنى الكوبليهات والمذهب، بالإضافة للسياق الدرامي "أغنية بسيطة لمغنٍ شعبي لا يفترض أن يتقعر لحنياً" دفع الموجي العظيم لاختيار قالب الطقطوقة التقليدي والأقدم تاريخياً (أي الأنسب لمرحلة غناء حسن المغنواتي في مطلع القرن العشرين)، ويقوم على مذهب، ثم كوبليهين يتطابق لحناهُما، ويعاد غناءُ المذهب بينهما.

وقد اختار الموجي للمذهب مقامَ البياتي الشجي الذي أوضحنا خصائصَه المصرية الصميمة أعلاه، دون أي تحويلات مقامية، لا يحتاجها بعد أن وجد الجملة الافتتاحية الساحرة والراقصة التي تحقق كل أغراض البهجة والسلطنة بدون ألعاب مقامية.

إلا أن الموجي، أنبغ تلامذة مدرسة عبد الوهاب التي تحتفي بالتنوع المقامي، لم يقاوم شهوة النقلات المقامية في الكوبليهات. فيبدأ الكوبليه الثاني بمقام البياتي "الحلوة حلوة وسنيورة". ثم يمر لمسا فقط على مقام الحجاز (مرسومة تمام)، قبل أن يقفل البيت الثاني في الكوبليه في مقامٍ مجاورٍ يكاد يتطابقُ إلا في نغمةٍ واحدةٍ مع مقام البياتي، وهو مقام الكرد (قفلة "تفاح الشام")، ومنها ينتقل إلى مقام الراست (يا مين يوصلني لابوها ولّا لأخوها) قبل أن يعود إلى مقام البياتي في قفلة التسليمة (وأدفع مهرين)، التي تسلمنا للمذهب الذي يغنى مجددا في البياتي. ويتكرر الأمر بحذافيره في الكوبليه الثاني.

         بعبارة أخرى، نحن نجد مروراً على الطريقة الوهابية التي يمتلكُ ناصيتَها الموجي، على 4 مقامات، في أقل من دقيقة، بسلاسةٍ لا يشعرُ بها المستمع إلا من حيث ما تبعثه من بهجةٍ وطربٍ. شغلٌ قديرٌ لمعلمٍ مقتدرٍ يعرفُ بالضبط كيف ينتزعُ الطربَ من قلبِ البساطةِ والجملةِ السهلةِ، ويعرفُ أنّ ذلك هو تحديداً مصدرُ العبقرية في كنزِ الغناء الشعبي العظيم. وقد أجاد محرم فؤاد غناء هذا اللحن السهل الممتنع، وكان في أفضل مراحله الصوتية، التي تغيرت لاحقاً لأسباب طبية لسوء الحظ.

ولا يكتمل الحديثُ عن الأغنية دون إشارةٍ سريعة للرقص الساحر لنعمت مختار بطريقة غوازي الريف المصري، التي تُكمل متعة مشاهدة الأغنية. ونعمت مختار في رأيي هي ثالثة الثلاثة الكبار، أصحاب المدارس الأساسية في الرقص الشرقي المصري. فهناك أولا مدرسة تحية كاريوكا، وهي تمثل ما يمكن تسميته "تقليد الرقص المديني"، أي رقص الطبقة الوسطى، الذي تقوم بها سيدات المدن في المنازل، حيث المساحات الضيقة، ويكون التحدي هو أن تبدع الراقصة في أضيق مساحة ممكنة على طريقة تحية كاريوكا الشهيرة. وهناك من جهة ثانية، مدرسة سامية جمال/نعيمة عاكف، ذات الطابع المسرحي الأكثر تأثرا بتقاليد الباليه والحركات الاستعراضية (تلاحظ مثلا أنه بعكس تحية كاريوكا، لم تؤد سامية جمال ونعيمة عاكف رقصات إلا في سياق استعراضي وأفلام استعراضية، وليس لأي منهما مشهد رقص عابر دلالته الدرامية مرتبطة بسيناريو فيلم لا مجال فيه للاستعراض، كمشهد الرقصة الشهيرة لتحية كاريوكا مثلاً في فيلم شباب امرأة والذي يمثل نقلة درامية مركزية في سيناريو فيلم صلاح أبو سيف المعروف). وهناك أخيراً مدرسة نعمت مختار، وأمها الفنية الراقصة نبوية مصطفى، وهي المدرسة الأكثر التصاقا بتقاليد رقص الغوازي والريف الدلتاوي بشكل خاص. ولن يفوت القارئ أثر نعمت مختار، في هذه الرقصة تحديداً، على تشكيل التصور المصري، القاهري بشكل خاص، لرقص الغوازي، وهو التصور الذي استلهمه لاحقا الثنائي العظيم (رحمي صانع العرائس، والمخرج صلاح السقا) عندما صمما رقصة الغازية في أوبريت الليلة الكبيرة (على لحن "طار في الهوا شاشي" للثنائي العبقري صلاح جاهين وسيد مكاوي).

-9-

يا مهون: الاستعانة على الشقاء بالغناء

استمع هنا

مقابل تيمة "غناء الأفراح" التي تناولتها أغنية "الحلوة داير شباكها" تتناول هذه الأغنية العظيمة تيمةً أخرى من تيمات الغناء الشعبي، وهي أغاني العمل، أي الأغاني التي يغنيها العاملون في الريف أثناء العمل، فيستعينون على الشقاء بالغناء. وفي التراث الغنائي للمحروسة ثروةٌ لا تُصدق من هذا النوع من الأغاني، ومن استلهام هذا التراث بنى العظيم سيد درويش مثلاً مجدُه في الطقاطيق، بما عُرف وقتها "بأغاني الطوائف" والمقصود أغاني أهل الحرف المختلفة.

ومن أهم أوجه روعة هذه الأغنية، بجانب صوت محمد قنديل الساحر، سيد الأصوات الرجالية في رأيي في القرن العشرين، هو أنها تعاملت بذكاء مع مشاكلٍ بنيويةٍ صنعها سياقُها الدرامي. فهي تُغنى في فيلم صراع في النيل، على لسان راكبي "المركب" المنطلقين من الصعيد في مهمة "حداثية" لشراء صندلٍ حديثٍ من القاهرة وتطوير قدراتهم الإنتاجية استفادة من الزخم المصاحب لبناء السد العالي، ويعكس مضمونُها رغبةَ البحارة في أن "يُهون" الله عليهم مهمتَهم الحداثيةَ تلك ويقيهم وعثاءَ سفرِهم، على نحو ما صور هذا الفيلم الجميل بعذوبة وبساطة شديدتين.

-10-

تمثل التحدي الذي اقتضاه السياقُ الدرامي في أن تُغنى الأغنية على مشهدين منفصلين، بما كاد أن بنية اللحن ووحدته العضوية، ويظهره كأنه شراذم غنائية متفرقة. غير أن معلماً قديرا مثل مرسي جميل عزيز كان على قدر التحدي. فركّب الأغنية بشكلٍ فريدٍ يلتزم بطريقةٍ فضفاضةٍ بقالب الطقطوقة، مع بعض المرونة التي يقتضيها انقسامُ الأغنية لمشهدين يفصلهما مشهدُ ارتطام المركب بالشاطئ في غفلةٍ من عمر الشريف الذي شَغَلَه افتتانُه بهند رستم عن السيطرة على الدفة.

فالأغنيةُ تبدأ بصيحة يا مهون، التي تُقال لمرةٍ واحدةٍ في مطلعٍ الأغنية ولا تتكررُ لاحقاً إلا في ختامِ المشهد الأول الذي يُؤدى فيه قسمٌ من الأغنية. أما بالنسبة لبُنيانها الشعري فيُمكن اعتبارُ أن كلمة يا مهون الأولى خارجه. فالأغنية تبدأ شعرياً من بعد هذه الصيحة، من خلال مذهبٍ مكون من بيتين، يتطابقُ شطرُ كلِ بيتٍ مع عجزِه على النحو التالي: "هونها، هونها وقول/ يا مهون هون على طول"، "وتروح بلدك يا غريب/ وتلاقي عالبر حبيب". قبل أن نصل للقفلة التي تذكرنا بالصيحة الافتتاحية "مستني يقولك سلامات..هون". هذا هو المذهب الذي يتكرر بين الكوبليهات.

ويلي ذلك كوبليهان متمايزان في بنيتهما الشعرية (بشكل يوازي الانفصال في المشهدين اللذين ينقسم الغناء بينهما – شغل شاعر كبير كان أيضا قد درس السيناريو كما قلنا في معهد السينما، وتخرج منه عام 1960، بجانب موهبته الشعرية الكبرى، ويعرف بالضبط كيف يجب أن تعكس أغنية الفيلم بنية السيناريو، ووظيفتها الدرامية فيه).

هكذا نجدُ الكوبليه الأول يتكون من 3 شطورٍ فقط، متطابقةِ القوافي (نور/بحور/تدور).. ثم يعود إلى التسليمةِ البديعةِ (وتروح بلدك يا غريب...) ومن ثم يُعاد غناء المذهب. وفي الفيلم، يحدث ارتطام مفاجئ للمركب بالبر، يوازي في انقطاعه وفجائيته قصر أبيات هذا الكوبليه.

أما الكوبليه الثاني، الذي يتم بعد أن تم إنقاذ المركب، واستقام الإبحار، فهو كوبليه أطول بالضعف بالضبط. فهو مكون من ثلاثيتين. كلٌ منهما من 3 أشطر متطابقة القوافي كما كان الحال في الكوبليه الأول. الشطر الأول (موال/طوال/البال) ثم الشطر الثاني (آه/الله/تتمناه) وبعد ذلك نعود من حيث بدأنا للتسليمة (وتروح بلدك يا غريب...). وسنلاحظ أيضا أن التسليمة طويلة نسبيا (فهي تساوي في طولها حجم الكوبليه الأول بأكمله، أي 3 شطور). ورأيي أن هذا الطول النسبي للتسليمة كان مطلوبا لمعالجة الانفصال الدرامي للأغنية على مشهدين، وتذكيرنا في النهاية أننا أمام أغنية واحدة. وليس برأيي من دليل أسطع على عبقرية هذا الشاعر العظيم.

-11-

         وعلى قدرِ عزمِ الشاعرِ الفذ مرسي جميل عزيز جاءت عزائمُ العبقري محمد الموجي، الذي أتحفنا بلحنٍ خالدٍ، نجح في أن ينحت لنفسِه مكاناً في ذاكرةِ السميعةِ كلحنٍ واحدٍ، رغم الانفصالِ الدرامي الذي اقتضاه الفيلم الذي وُضع له.

         فبدأ الموجي بلازمة بسيطة وبالغة الشجن، وبإيقاع متأرجح يفيض فيه الناي شجناً وبطريقة توازي إيقاع المركب وهي تتهادى على النيل، ويبقى في مقام البياتي من أول المذهب لآخره (أي من الصيحة الافتتاحية "يا مهون" وحتى التسليمة "مستني يقولك سلامات.. هون").

         ثم يبقينا الموجي في الكوبليه الأول مع نفس مقام البياتي، مع مرور ناعم لا يكاد يحس على أحد أفرع مقام النهاوند، ولكننا بشكل عام نظل طوال كل الكوبليه داخل مقام البياتي. وهكذا يمثل البقاء في المقام الواحد، من ملحن عبقري يجيد البهلوانيات المقامية على الطريقة الوهابية، قراراً واعياً من ملحن استوعب وظيفة اللحن في الفيلم، وقرر مخالفة مزاجه الموسيقي وغرامه التقليدي بالتنويع المقامي، للحفاظ على الوحدة العضوية للحنٍ سينمائيٍ اقتضت ضروراتُ السيناريو شرذمتَه على عدة مشاهد.

أما في الكوبليه الثالث، الذي يبلغ فيه الكلام ذروةَ الشكوى من الغربة (غنينا ألفين موال/ عالغربة وليالي طوال)، فيتجاوب الملحن مع هذه الذروة بذروة لحنية، إذ يُغني قنديل العظيم من جواب مقام الراست (أي نغماته العليا) ويرتفع برشاقة بالغة في جواباته (وصولا لذروتها في "وبعون الله") لينتقل منها بسلاسةٍ مذهلةٍ إلى مقام البياتي (هتنول اللي بتتمناه)، ومنه إلى التسليمة الرائعة وينتهي اللحن العظيم، الذي نجح في تجاوز مقتضياتِ السيناريو ليبقى في ذاكرةِ السميعة كإحدىِ روائع العبقري العظيم قنديل.

والعبقري قنديل في رأيي، هو أحد ثلاثة أصواتٍ رجالية هي الأعظم بنظري في القرن العشرين (مع وديع الصافي ومحمد عبد الوهاب)، يمتلك ناصية الغناء بشكل مطلق، ويؤدي أعقد الألحان وأصعب النقلات المقامية بسلاسةٍ واقتدار، لا يظهران إلا عندما نشاهدُ مطرباً آخر يؤدي أغانيه. وفي حالة قنديل مثلا، أنصح بمشاهدة المطربِ المغربي الممتاز فؤاد زبادي (وهو مطرب مميز، قوي الصوت والبنيان) وهو يؤدي أغاني قنديل بإتقان، لتتبين قدر المشقة التي يكابدها في أداء ألحان بدا قنديل دائما وكأنه يغنيها وهو نصف نائم!!

-12-

أما براوة: حكايةُ شوقٍ لا يسكُن للحب

استمع هنا

الأغنية الأخيرة، التي تكمل المثلث الذهبي للأغاني الريفية لثنائي الموجي/ مرسي جميل عزيز، هي الطقطوقة الساحرة "أما براوة"، وهي أيضا لحنٌ سينمائي نجح في أن يرسخ في ذاكرة السميعة، وكان عمرُه أطولَ كثيراً من عمر فيلم "ابنتي العزيزة" الذي غنته نجاة فيه.

من حيث الشكل، الأغنية مصممة كاستعراض غنائي، يفترض أن تؤديه نجاة مع زملائها في الجامعة، وبالتالي فهو منبت الصلة بالبناء الدرامي لسيناريو الفيلم. ويتيحُ ذلك للملحن مساحةَ حركةٍ أكبرَ للتطريبِ والتنويعِ المقامي، دون ضروراتٍ درامية يقتضيها دورُ الاستعراضُ في الفيلم (كما كان الحال في يا مهون مثلا). أما من حيث المضمون، فالأغنية تروي حكاية حب ريفية على غرار أغنية "الحلوة داير شباكها"، ولكن الأغنية تُروى على لسانِ العاشقة هذه المرة. عاشقةٌ جريئةٌ لا تخجلُ من حكايةِ حبِها، بل ومن المبادرةِ بالذهاب لمحبوبِها (ولو بذريعة كونها عطشى تريد أن تشرب من "قلته الملآنة").

ومن ناحية البناء الدرامي، الأغنيةُ مصممةٌ في شكلِ مشاهدٍ تحكي جوانبَ من قصةِ الحب، فتبدأ كلماتُ الأغنية بمذهبٍ يتغزلُ في دارِ المحبوبِ ويمدح "طراوتها" التي يقدرُها كل من عاش في قيظِ الريف في الصيف المصري العتيد، في معارضةٍ طريفةٍ لتقليدٍ شعريٍ عربي أصيلٍ عن الغزلِ في بيتِ المحبوب، كنايةً عن الغزلِ بساكنيه.. وفي هذا المعنى يقولُ مجنونُ ليلى مثلاً "مررتُ على الديارِ ديارِ ليلى/ أقَّبلُ ذا الجدارَ وذا الجدارَ/ وما حبُ الديارِ شغفن قلبي/ ولكن حبَ من سكن الديارَ".

 ثم تفكر العاشقةُ في الكوبليهِ الأولِ في زيارةِ محبوبِها بغرضِ الشربِ من قلتِه كما قلنا، لتنتقل في الكوبليه التالي فيما يشبه "الفلاش باك" لروايةٍ سابقةٍ قامَ فيها الحبيبُ بسقايةِ محبوبتِه، ليطرف عينها بدون أن يقصد (وبشكلٍ حانٍ وهادئ كما تروي)، لتثبِّت استعارةَ "السقاية" كاستعارةِ حبٍ مركزيةٍ في الأغنية (وهي استعارةٌ متكررةٌ في التاريخ الشعري العربي، الذي يبدو أن مرسي جميل عزيز اختار أن يحييه ويعارضه طوال هذه الأغنية، فيقول الشاعرُ العباسي مُسلم بن الوليد مثلا، الذي اشتهر بلقب "صريع الغواني" في نفس المعنى: سقتني بعينيها الهوى وسقيتُها/ فدب دبيبُ الراحِ في كلِ مفصلِ). وفي الكوبليه الثالث، تؤكد العاشقةُ أنها لا تخشى لومَ العاذلين بل تستعذبه (تيمة أخرى من تيمات الغزل العربي والغناء المصري، كقولِ أبي نواس مثلا "دع عنك لومي فإن اللومَ إغراءُ").

أما في الكوبليه الأخير، فتفاجئنا العاشقةُ بنقل أغنيتِها لمعنى أكثر تجريدا، فهي لم تكن تحكي بالضرورة عن قصةِ عشقٍ محددةٍ، وإنما عن شوقٍ لا يسكنُ للحب (والشوق الذي يسكن لا يعول عليه كما يقول ابن عربي)، بأملِ أن يُصالحها دهرُها بعد "العداوة". فإذا بأبيات القصيدة تكتسب مستوى إضافياً للدلالة، ويصبح الغزلُ هنا، غزلاً ريفياً في نموذج المحبوب، ساكنِ الدار "ذات الطراوة"، الشهمِ السقاء، فمثلُه لا يُخشى في عشقه لومُ العاذلين.  

بعبارة أخرى، نحن أمام خيالٍ بالغِ الانطلاق، لشاعرٍ يحافظُ على النَفَس والاستعاراتِ الريفية على ما هو مطلوب في الأغنية، ولكن أفكارَه وتعبيراتِه في هذه الأغنيةِ الفلاحية محملةٌ بثقافةٍ شعريةٍ عريضةٍ، وإيماءاتِ تحيةٍ لأشهرِ تيماتِ الغزلِ العربيِ الفصيح. (وكأن في الأغنية ترجمةً عمليةً لما قاله قطبُ شعراء العامية العظيم فؤاد حداد في ديوان المسحراتي عن نفس المعنى وعلاقة الغناء العامي بالغناء الفصيح: ومن المعرة إلى بولاق/ أبو العلا من أبي العلاء/ من فنِنا جاءت الفنون/ ومن شاعرٍ جاء شاعرون).

على كل حال، فالكلمات، كما قلنا مقسمة لمذهب قصير من بيتين (أما براوة....وحتى "آخر طراوة"). وأربعة كوبليهات كلٍ منها يمثلُ رباعيةً تتكونُ من بيتين، الأول والثاني بقافية خاصة لا تتكرر بين الكوبليهات، ثم يعيدنا البيتين الثالث والرابع إلى قافية المذهب، من خلال تكرار الصفة التي تصف بها المحبوب وعلاقتها به في هذا الكوبليه. فنجد في الكوبليه الأول مثلا (عطشانة يانا/ أشرب حدانا، ثم بلاش شقاوة/على الشقاوة).. وفي الثاني (مريت قباله/طرف شاله.. ثم بس بهداوة/على الهداوة).. وفي الثالث (ما ترحموني/لما يلوموني.. ثم حلوين حلاوة/على الحلاوة)..وفي الرابع (فين حبيبي/ وأنا ونصيبي ثم بعد العداوة/أما براوة).. وبجانب الإيقاع الجميل لهذا التقسيم الهندسي للكلمات، فإن طزاجة التشبيهات، وتعدد مستويات الخطاب (من خطابٍ حميمٍ يُحكي لصديقٍ أو قريبٍ مثلاً عن قصةِ غرامٍ خاصة في الكوبليهين الأول والثاني، إلى خطابٍ ثانٍ متحدٍ للعاذلين في الكوبليه الثالث، ثم الخطاب المتفلسف للذات حولَ الشوق الذي لم يسكن بعد للقاء الحبيب، والذي يحول الأغنية لمعنى أكثر تجريداً كما ذكرنا)، كل ما سبق يجعل بنية الأغنية هي الأكثر تركيبا بين الثلاثية الذهبية التي تناولناها اليوم، والأكثر تعبيراً عن الخيال المنطلق لمرسي جميل عزيز، في ظل تحررِ الأغنية من ضروراتِ السيناريو على نحو ما أوضحنا.

-13-

مثل هذا التحرر أيضا أتاح للملحن العظيم محمد الموجي الفرصة لبناءٍ أكثر تركيباً وتنوعاً من الناحية المقامية. فالبداية مع مذهب في مقام البياتي الشجي، وبعدها يؤدى كلُ كوبليه من مقامٍ مختلف. وليست المسألةُ مجردَ "قصِ ولصقِ" مقاطعَ ملحنة من مقاماتٍ مختلفةٍ كيفما اتفق، بل بناءٌ محكمٌ يحافظ على وحدةِ القصيدة، رغم التنوع المقامي. كيف؟

يبدأ الكوبليه الأول بالبياتي مثل المذهب، ولكنه يُمهدنا لمهرجان النقلات المقامية الذي ستتضمنه الأغنيةُ من خلالِ انتقالٍ سريعٍ في البيتِ الثالث (مع تَغيُّر القافية كما أوضحنا أعلاه) إلى مقام الراست (في أروح له ولا أروح وبلاش شقاوة) قبل أن يعود مع التسليمة في البيت الرابع إلى مقام البياتي مجددا (أما براوة براوة على الشقاوة) ليلي ذلك غناءُ المذهب من نفس المقام.

أما الكوبليه الثاني، فيبدأ مباشرة من مقام العجم (حبيبي لما لقاني.. مريت قباله) ويبقى فيه مع البيتين الأول والثاني.. ثم يعود للبياتي في البيتين الثالث والرابع مع تغير القافية والعودة لقافية المذهب. فكأن العودة للبياتي هنا توازي العودة للقافية الأصلية للقصيدة.

محمد الموجي ملحنٌ يقظ، عقلُه يسطر على مزاجِه اللحني طوال الوقت، وهذا البناءُ الهندسي للحن الذي يوازي البناءَ الشعري للكلمات خاصيةٌ أساسيةٌ في جميع ألحان محمد الموجي.

ويتكرر الأمر في الكوبليهين الثالث والرابع.. فالكوبليه الثالث يبدأ في البيتين الأولين (حيث القافية المستقلة الخاصة بهذا الكوبليه) في مقام الصبا، ثم يعود إلى مقام البياتي مع العودة للقافية الأصلية للأغنية في البيتين الثالث والرابع.

وأما الكوبليه الرابع والأخير، فيغلق دائرة اللحن إذ يبدأ في مقام الراست (الذي مر عليه الملحن في أول كوبليه مروراً سريعاً كما قلنا) مع القافية المستقلة في البيتين الأول والثاني، ليعود في النهاية للبياتي في البيتين الثالث والرابع. ويلاحظ السميع المدقق أن الترتيب المقامي في الكوبليه الرابع (راست ثم بياتي) هو عكس الترتيب المقامي في الكوبليه الأول (بياتي ثم راست). فكأن الموجي العظيم يغلق الدائرة وينبهنا إلى نهاية الحكاية. وهي حكايةٌ تنتهي نهايةً دائريةً من حيث تبدأ، لتتوازى مع المعنى الذي ينقله لنا الكوبليه الأخير (فقصة الغرام، هي مجرد استعارة وشوق لغرام لم يبدأ بعد.. وكل المراد أن يبدأ لتُحكى الحكاية من جديد). بساطة وعمق هما العلامة المسجلة لهذا الفنان العظيم.

ولا يمكن أن ننهي الحديث عن هذه الأغنية العظيمة، دون إشارة إلى الأداء الرائع لنجاة، وهي بجانب صوتِها الدافئ الحنون ذي البصمة التي لا تتكرر، مطربةٌ راسخةٌ في فنون الغناء، وقادرةٌ تماماً على أداء العُرَب والحلى المقامية التي يمتلئ بها هذا اللحن. والحقيقة أن نجاة من الذين ظلموا من قبل بعض "المُستسهلين" الذين ركزوا على حلاوة أدائها ولم يعطوا قدرات صوتها التطريبية الرائعة حقها، وكان هذا الاستسهال في رأيي علامة على بداية عصر التراجع الفني حين أصبح "الأداء" كناية عند بعضهم لتبرير الضعف في القدرات الموسيقية. على كل، ستكون لنا عودة مع هذه الفنانة العظيمة في مقال قادم.

استمتعوا وتسلطنوا.. وإلى لقاءٍ قادم قريب.

 

ياسر علوي  كاتب وأكاديمي مصري
التعليقات