الســودان الشقيق في محـــنة - أيمن النحراوى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الســودان الشقيق في محـــنة

نشر فى : الخميس 27 أبريل 2023 - 7:20 م | آخر تحديث : الخميس 27 أبريل 2023 - 7:20 م

يمكن أن نكتب دون مبالغة أنه لا يوجد بلدان مرتبطان فى هذا العالم مثلما ترتبط مصر بالسودان، والسودان بمصر، وهذه الكلمات ليست وصفا بلاغيا بقدر ما هى تعبير عن حقيقة أزلية حددتها الجغرافيا وسجلها التاريخ، فالبلدان اللذان يتدفق خلالهما شريان الحياة الخالد نهر النيل العظيم، يجمعهما التاريخ منذ أقدم العصور.

وما أثار الشجون فى هذه الأيام هو المحنة الراهنة التى يمر بها السودان، فى وقت وظروف صعبة ومتغيرات معقدة يمر بها العالم، وإذا بالسودان يصبح عرضة لتفجر الأوضاع بصورة غير مسبوقة، تهدد حاضره ومستقبله، ولا نبالغ بالقول إنه لا توجد دولة فى العالم يعنيها السودان سلاما واستقرارا بقدر مصر، وللسودان وقت الشدائد إن التفت حوله فلن يجد شقيقا معينا مثل مصــر.

• • •

نستحضر حدثا تاريخيا له دلالاته العميقة لكل من يفهم ويعى، فعندما تمكن السودانيون من قتل الجنرال الإنجليزى غوردون باشا وأتوا برأسه إلى المهدى، قال لهم المهدى: «ليتكم تركتموه حيا وكنا نأسره ونطلب فى مقابله أن يفرج الإنجليز عن الزعيم المصرى أحمد عرابى»، الذى كان محتجزا ومنفيا فى جزيرة سيلان لدى الإنجليز آنذاك، هكذا فى لحظة انتصار المهدى لم تغب مصر عن خاطره.

فى حدث تاريخى آخر، كتب الزعيم مصطفى كامل فى جريدة اللواء، إن أكبر أيام الشقاء فى تاريخ مصر، وأسوأ تذكار يُهيج فى نفوس المصريين الأحرار الآلام والأشجان هو يوم 19 يناير 1899م، بعد أن فرضت بريطانيا اتفاقية الحكم الثنائى التى مكنت البريطانيين فعليا من استبعاد مصر من السودان، والانفراد البريطانى بحكم السودان وتركيز جميع السلطات فى أيدى الحاكم العام البريطانى.

وعندما أراد البريطانيون مفاوضة الوفد المصرى بزعامة مصطفى النحاس باشا حول العلاقات المصرية البريطانية، محاولين الفصل بين قضية السودان والوجود البريطانى فى مصر، قال النحاس باشا قولته الشهيرة: تُقطع يدى ولا يقطع السودان.

وعندما سافر د/ على باشا ابراهيم، مؤسس الطب الحديث فى مصر، بطائرة بدائية فى رحلة خطيرة إلى السودان منذ 100 عام لإجراء جراحة دقيقة لشيخ الطريقة الختمية، أحد أكبر زعماء السودان، استقبله عشرات الآلاف من إخوتنا السودانيين بحفاوة تاريخية، أما الشيخ البرعى الكردفانى الزعيم الدينى السودانى فبعد أن منَّ الله عليه بالشفاء بعد علاجه فى مصر فقد كتب قصيدة «مصر المؤمنة» وهى من أشهر القصائد فى السودان.

وليس أدل على ذلك الارتباط بين مصر والسودان، أكثر من الرئيس محمد نجيب، أول رئيس لمصر، وهو من مواليد مدينة الخرطوم عاصمة السودان، والرئيس جمال عبدالناصر قضى عدة سنوات من خدمته العسكرية فى السودان، أما عضو مجلس قيادة الثورة صلاح سالم فهو من مواليد مدينة كسلا فى السودان، والرئيس السادات أمه الحاجة ست البرين سودانية الأصل من دنقلة.

كل ما سبق ليس سوى جزء من كل، وقطرة فى محيط شاسع اسمه التوءمان مصر والسودان، لذلك فما يجرى الآن فى السودان يعنينا ويؤلمنا، فالسودان مؤمل له الأفضل من السلام والخير والازدهار، بحكم شعبه وأرضه وموارده، 200 مليون فدان من أجود الأراضى التى تجرى من تحتها الأنهار، وموارد طبيعية ضخمة، وشعب طيب وواعٍ ومثقف، كل ذلك جدير بالاعتبار.

• • •

واقع الأمور للأسف يشير إلى غير ذلك، فما وصل إليه السودان اليوم من محنة، تضافرت لتحقيقها عوامل عدة، لا يمكن أن نغفل فى مقدمتها المخططات والمطامع الدولية المستمرة على هذا البلد منذ أمد طويل، منذ عام 1983 وقبله، عندما وضع برنارد لويس مخطط تقسيم الشرق الأوسط، والذى قسم بموجبه السودان إلى أربع دويلات، دولة الشمال المسلم، ودولة الجنوب المسيحى، ودويلة دارفور، ودويلة شرق السودان، أما الدولة المركزية فى الخرطوم فقد اعتبر أنها أيضا قابلة للتقسيم بموجب الصراعات العرقية والقبلية.

ولأكثر من ثلاثين عاما تالية تحققت فيها المرحلة الأولى من خطة برنارد لويس، بانفصال الجنوب عن الشمال، فى ظل نظام البشير الذى سار بالسودان فى دروب جرداء وعرة، كانت أبرز ملامحها اتخاذ خط معادٍ لمصر ومناقض للأسس التاريخية الراسخة التى تقوم عليها العلاقات المصرية السودانية، وأخطر ما فعل كان الشحن المسموم لنفوس السودانيين ضد مصر فى ظاهرة غير مسبوقة.

الأخطر من ذلك كان موقف البشير والحكومات الإخوانية من مسألة السد الإثيوبى، وهو الموقف المفترض فيه أن تتحالف وتتفق وتنسق مع الدولة المصرية فى تلك المسألة المصيرية للبلدين، ولاسيما فى مواجهة طرف عنيد ومتعنت تسانده أطراف دولية لها مخططات خبيثة، إلا أن ذلك لم يحدث، وباتت المنظومة الإعلامية الإخوانية تعمل على عقول السودانيين بأن هذا السد الإثيوبى فيه منافع للسودان.

السقطات الكثيرة للبشير لم تقتصر على ذلك، فاضطراب الأمور فى البلاد وتضافر العوامل الداخلية الحرجة مع متغيرات السياسة الدولية الصعبة، دفعته لتبنى إنشاء وتسليح ميليشيات الدعم السريع، التى أخذت تنمو عاما بعد عام وتتوسع بطريقة براجماتية حتى باتت قطبا سياسيا وقوة عسكرية لا يستهان بها، ولا سيما بعد سيطرتها على موارد دارفور وموارده المعدنية الكبرى، ودخولها فى شبكة معقدة من التحالفات والمصالح مع دول إقليمية تقاطعت مصالحها معها.

كل ذلك جاء على حساب الدولة السودانية والشعب السودانى، باتت ميليشيات الدعم السريع ندا للجيش السودانى، وبات ما تحت هيمنتها وسطوتها من الثروات والموارد المعدنية والطبيعية يتدفق بعيدا كل البعد عن الاقتصاد السودانى، ولا يصب فى صالح عموم البلاد وشعبها، وباتت القوة المتصاعدة لهذه الميليشيات تغرى أصحابها بالمزيد من السلطة والتطلع لحكم السودان بأكمله، لذلك فالمواجهة كانت حتمية وإن لم تكن ستحدث اليوم فستحدث غدا لا محالة.

• • •

الصورة فى مرآة السياسة الدولية لها بعد آخر، فعدد من الدول العربية لها مصالحها الاقتصادية فى السودان، وهى ولا شك تسعى للحفاظ عليها مع تحقيق توازن دقيق بين تلك المصالح وبين الاعتبارات الاستراتيجية والأمنية للسودان نفسه والدول المجاورة له، وفى ذات الوقت هناك مخططات كبرى لدول مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا بشأن السودان، كبوابة استراتيجية لشرق ووسط أفريقيا وكمصدر هام للموارد والثروات الطبيعية.

الأحداث الجارية ليست بعيدة أيضا عن إثيوبيا والسد الإثيوبى، ومجريات الأمور على هذا النحو تمثل إنهاكا للسودان وضعف مقدراته فى فترة حاسمة قررت فيها إثيوبيا ضرب عرض الحائط بكل المواثيق والأعراف الدولية والاتفاقات مع قرارها الأحادى بالبدء فى الملء الرابع للسد، وبرغم أن المتضرر الأول المباشر سيكون السودان من أى كوارث سيسببها ذلك السد فى يوم ما، فضلا عن إغراء ذلك الوضع للإثيوبيين للاستيلاء على الأراضى والمقاطعات السودانية فى دائرة مطامعهم.

الدولة المصرية والسودانية وأجهزتها تدرك ذلك، وكل فرد مصرى وسودانى مخلص يعلم ويؤمن بأن سلامة مصر من سلامة السودان، بقدر ما هى سلامة السودان من سلامة مصر، وإن غدا لناظره قريب.

أيمن النحراوى  خبير اقتصاد النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات
التعليقات