ثورات صغيرة وانتصارات لو تعلمون عظيمة - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 2:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثورات صغيرة وانتصارات لو تعلمون عظيمة

نشر فى : الإثنين 27 أغسطس 2012 - 7:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 27 أغسطس 2012 - 7:35 ص

لا أعرف كم مرة ضبط أحدكم نفسه هذه الأيام وهو يقرأ إحدى الجرائد يرفع بصره تلقائيا لأعلى الصفحة لكى يتأكد من تاريخ اصدار الجريدة، بعد أن يكون قد اختلط عليه الأمر، وتصور أنه يقرأ نسخة قديمة، دست بين يديه خطأ. هذا ما حدث لى كثيرا بعد الثورة. ولكن ما زاد هذه المرة، وأنا اقرأ إحدى الجرائد القومية اليومية فى يوم أغسطسى حار، قد جعلنى أفرك عينى، ولا أتركها إلا وهى متورمة لتصديق أن هذه الطبعة لا يعلوها مانشيت يتصدره صورة حسنى مبارك وهو يزور أحد رجال الأعمال فى مصنعه، أو يلقى بخطبة فى مجلس الشعب، أو يجلس فى مقدمة الصفوف مستمعا لأحد الوزراء يشرح له مزايا افتتاح أحد المشروعات العملاقة.

 

وما أقوله ليس بعيدا عن مبادرة أطلقتها إحدى الصحف مؤخرا لوقف الاعتصامات والإضرابات العمالية تحت دعوى أن العمال لا يراعون الأوضاع الاقتصادية للبلاد. وأن جهات خارجية تحرض العمال على تحقيق أهداف مشبوهة، وأن النقابات المستقلة كارثة تهدد الإنتاج. والحقيقة لا أعرف هل العمال (والذين كانت اضراباتهم هى الشرارة الحقيقية للثورة) عندما يطالبون بحقوقهم المشروعة من اصحاب العمل أو الحكومة، وهم الذين حرموا منها طويلا أيام نظام آل مبارك هم الذين لا يراعون الظروف. أم رجال الأعمال، الذين كان ظلمهم للعمال، واحتماؤهم وراء حاشية مبارك، سببا رئيسيا لانفجار قطاعات واسعة من العمال قبل الثورة، عندما يطالبون بكل تبجح بزيادة حجم الأموال المرصودة لهم فى الموازنة لدعم صادراتهم. بل ويحصلون على 400 مليون جنيه زيادة مضافة ليصبح إجمالى ما يحصلون عليه 3.5 مليار جنيه من اللحم الحى للموازنة (تدخل جيوب 1800 صاحب شركة فقط)، هم بذلك يراعون المصلحة العامة. خاصة وهم يعرفون أكثر من غيرهم أن إجمالى المبلغ الذى يكفى لتحسين أجور كافة العاملين بالدولة لو طبق الحد الأدنى للأجور لا يزيد على 9 مليارات جنيه، وهو ما جعل الحكومات التى أتت بعد الثورة تتلكأ فى تطبيقه تجنبا لتوفير هذا المبلغ من الموازنة.

 

والحقيقة التى كشفت عنها هذه المبادرة الظالمة التى تسحب الحق الوحيد من يد الحلقة الأضعف، أن جميع الأطراف مازالت تفكر بنفس المنطق. وأن تغيرا واحدا لم يطرأ عليهم بعد الثورة. فهذه المبادرة تدعو العمال «إلى تغيير الكثير من الثقافات والنظر إلى المصلحة العامة اولا». والمصلحة العامة التى يراها أصحاب الأعمال، وقدامى النقابيين الذين تربوا فى عز وخير مبارك هى احتكار اتحاد العمال للساحة العمالية دون غيرهم، والوقوف ضد صدور قانون النقابات المستقلة. حتى لا يظهر جيل جديد من النقابيين يعرف أنه لا انفصال بين المصلحة العامة، وبين حقوق العمال المشروعة. وأن نضالا مشروعا للحصول على هذه الحقوق هو عين الثورة.

 

ولحسن الحظ أن هذه المبادرة تحمل فى طياتها كل عوامل الفشل منذ اللحظة الأولى لأنه لا أحدا، وزيرا، أو نقابيا ولا «صحفيا يعمل لدى رجال الأعمال مستشارا» يجرؤ أن يدعى أنه يستطيع أن يوقف حركة العمال عندما يقررون أمرا يخص حقوقهم. أصحاب المصلحة الحقيقيون هم وحدهم الذين يقررون ما يفعلون.

 

ولذلك كان موقفا رائعا من اتحاد النقابات المستقلة أن يسارع للإعلان عن رفضه الموافقة على هدنة لمدة عام من الإضرابات والاعتصامات بالقول بأن «لا يمكن لأى جهة أو كيان الوعد بوقف الإضرابات إلا بعد حصول العمال على حقوقهم».

 

والحقيقة أن ما فهمته قيادات النقابات المستقلة، وجعلهم يرفضون الهدنة هو ذاته ما فهمه الآخرون فى اتحاد العمال المنحل، وجعلهم يتحمسون للتهدئة. ما فهمه الطرفان هو الحقيقة، وهى أن ما يفعله العمال هو عين الثورة. ثورات صغيرة يفهمها الثائرون الحق على أنها حلقة جديدة من حلقات الثورة، فيهرولون إليها سعيا، ويعيها المناهضون لها فيخشونها، ويجرون لايقافها بأى شكل. ولكنها واقعة.. واقعة مهما بلغ مكر الماكرين.

 

قد لا يصدقنى الكثيرون حين أقول إن ما يحدث حاليا هو ثورات صغيرة تحقق الثورة الأم. ولكن ما يجعل لدى يقينا على ما اقول، ليس كتب التاريخ التى سجلت مشاهد مشابهة كثيرة من الثورات الصغيرة، والانتصارات التى قد يعتبرها البعض صغيرة، ولكنها عظيمة فى دلالتها. ليس كتب التاريخ هى ما تجعلنى على يقين من صدق ثورات الناس العادية. ولكن ما سمعته بأذنى من أحد المهندسين الكبار الذى كان يقف وحده وسط عمال إحدى الشركات، أمام قصر الاتحادية، مرددا وراءهم شعارات تطالب بحقوقهم المهدرة فى شركتهم. وعندما استغربت مشهده، ووجدت الكثير من العمال يطالبونه بالبعد عنهم خوفا عليه من عقاب رئيس الشركة. لأنه لا ناقة له ولا جمل فى هذه الوقفة الاحتجاجية. فهو من الفئة التى تحصل على كافة حقوقها داخل الشركة. بل على العكس هو ربما يكون أحد المضارين لو حصل العمال على مزيد من الأجور، التى قد تأتى على حساب تخفيض راتبه الذى يقسم انه كبير. عندما سألته ما الذى يدفعه إلى هذه المخاطره قال لى «أفعل ذلك تكفيرا عن ذنبى فى أننى لم اشارك ولو يوما واحدا فى ثورة يناير. الخجل من نفسى هو ما جعلنى أشارك فى غضبة أخرى ليس لى فيها أى مصلحة. لأننى جبنت فى الثورة الأولى فإننى على استعداد أن أدفع ثمن شجاعتى الآن». صدقته جدا، وآمنت بأن ما تقوله كتب التاريخ عن ثورات الناس العادية صحيحا.

 

أليست ثورة أن يتحدى العاملون فى مصلحة الضرائب رئيس المصلحة، والتى كانت تحميه زوجة الفريق سامى عنان بنفسها وهى التى تعمل رئيس قطاع هناك. بل ويتم إيقافهم عن العمل، ويحرمون من مرتباتهم شهورا دون أن يقبلوا الاعتذار له أو لها؟. أليس انتصارا أن يصدر وزير المالية بيانا ينفى فيه التجديد لرئيس مصلحة الضرائب، بل ويعتبر نشر خبر التجديد له يحدث بلبلة وإحباطا للمجتمع؟. والأهم أليس انتصارا أن زوجة عنان حتما ستلحق به إلى التقاعد، وسيعود العاملون لأشغالهم رافعو الرأس؟.

 

أليس ما فعله خمسة من البحارة فى شركة سوميد من تحدٍ لجميع من طالبوهم بالتخلى عن نقاباتهم المستقلة والإعلان عن حلها، وتقبلوا فى سبيل ذلك التعذيب، والرمى بهم فى السجن عقابا عن دفاعهم عن شركتهم، أليست تلك ثورة؟.

 

وعندما يرفع رجل أعمال قضية يطالب فيها عاملة فقيرة كانت تعمل لديه فى أحد مصانعه ببورسعيد بتعويض مليون جنيه جراء ما حققه من خسارة، بسبب قيادة هذه العاملة لغضبة عمالية ضده. ولم يكتف بفصلها وتشريدها ولكن طالبها بتعويض. أليست ملاحقتها هى قمة الاعتراف بأن ما يحدث من هذه العاملة هو الثورة التى يخشاها كل رجال الأعمال؟.

 

الثورات كثيرة. أما الانتصارات فهى آتية لا ريب فيها، وستكون عظيمة بأكثر مما تتصورن.

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات