السدود الضخمة لا تستحق التكلفة - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 5:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السدود الضخمة لا تستحق التكلفة

نشر فى : الأربعاء 27 أغسطس 2014 - 7:50 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 أغسطس 2014 - 11:49 ص

نشرت جريدة نيويورك تايمز مقالا للكاتب جاكوس ليزلى، وهو مؤلف كتاب «المياه العميقة: الصراع الملحمى على السدود، والمشردين والبيئة»، تناول فيه مخاطر بناء السدود وآثارها السلبية.

استهل الكاتب مقاله بالإشارة الى رأى ثاير سكادر، الخبير الرائد فى العالم بشأن تأثير السدود على الفقراء، الذى أعاد النظر فى رأيه حول السدود. فمن خلال خبرته العملية التى استغرقت 58 عاما من عمره، كمستشار لعدد من مشروعات السدود الضخمة، عقد السيد سكادر الأمل على أن تخفيف حدة الفقر عبر السدود التى تبنى وتدار بشكل صحيح سوف تفوق الضرر الاجتماعى والبيئى، الذى تسببت فيه. أما الآن، فى الرابعة والثمانين من عمره، فقد خلص إلى أن السدود الضخمة ليست فقط لا تستحق تكلفتها، بل إن العديد مما هو قيد الإنشاء حاليا «ستكون له عواقب بيئية واجتماعية واقتصادية وخيمة»، كما كتب فى رسالة إلكترونية مؤخرا.

ويعرض الكاتب وصف سكادر، أستاذ الإنثروبولوجيا فى معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، لخيبة أمله فى السدود بأنها حدثت تدريجيا. فقد كان من دعاة بناء السدود عندما بدأ أول مشروعاته البحثية فى عام 1956، لتوثيق تأثير إعادة التوطين القسرى على 57 ألف مواطن فى وادى جامبيا (زامبيا وزيمبابوى فى الوقت الحاضر). حيث استلزم بناء سد كاريبا، الذى اعتمد على ما كان فى ذلك الحين أكبر قرض فى تاريخ البنك الدولى، انتقال أهالى تونجا من منازل أجدادهم على طول نهر زامبيزى إلى أرض مجدبة. وكان سكادر يتتبع تشتتهم منذ ذلك الحين.

ومن حين لآخر، يتعرض أهالى تونجا التى كانت من قبل دولة متماسكة ومكتفية ذاتيا، للجوع، وتفشى إدمان الكحول ومعدلات البطالة الفلكية. ونظرا لانعدام فرص الحصول على دخل، لجأ البعض إلى زراعة المخدرات وتهريبها، وصيد الأفيال غير المشروع، والقوادة والدعارة. ولا يزال القرويين يفتقرون إلى الكهرباء.

•••

وأوضح ليزلى أن مهمة سكادر الأخيرة كمستشار للعمل فى سد نام ثيون الثانى فى لاوس، كانت سببا فى خيبة أمله نهائيا. فقد أيد مع اثنين من زملائه المستشارين، المشروع لأنه يتطلب من ممولى السد تنفيذ برامج من شأنها أن تترك النازحين بسبب السد، فى وضع أفضل مما كانوا عليه قبل بدء المشروع. ولكن العمل فى السد انتهى فى 2010، من دون تحقيق أهداف البرامج. وينقل ليزلى ما قاله سكادر فى مقابلة صحفية، أن مالكى السد الثلاثة يدرسون تسلم جميع المسئولات إلى حكومة لاوس «قريبا جدا». وأضاف: «تريد الحكومة بناء 60 سدا خلال السنوات الـ20 أو الـ30 المقبلة، فى حين أنها لا تملك القدرة على التعامل مع الآثار البيئية والاجتماعية لأى من هذه السدود. وأضاف سكارد: «أكد لى نام ثيون الثانى، شكوك القائمة منذ فترة طويلة فى أن مهمة بناء سد ضخم، معقدة للغاية وضارة جدا على الموارد الطبيعية التى لا تُقدر بثمن». وهو يعتقد الآن أن أهم إنجاز له، لم يكن تطوير أحد السدود، وإنما وقف واحد منها: فقد تولى قيادة بحث فى 1992 ساعد على منع بناء سد من شأنه الإضرار بدلتا أوكافانجو، فى بوتسوانا، وهى واحدة من الأراضى الرطبة فى العالم.

ومن بين ما دفع سكادر لإعلان تعديل تقديراته، ما وجده من تأييد لوجهة نظره، فى دراسة مذهلة نشرتها جامعة أكسفورد فى مارس عن سياسة الطاقة. وتشير الدراسة إلى تكلفة 245 سدا كبيرا، بنيت بين 1934 و2007. ووجدت الدراسة أن «تكاليف البناء الفعلية من السدود الكبيرة مرتفعة جدا بحيث لا تسفر عن عائد إيجابى». بصرف النظر عن الآثار الاجتماعية والبيئية، وهى آثار سلبية دائما على نحو واسع النطاق.

وأشار ليزلى الى قول معدو الدراسة ــ ثلاثة من علماء الإدارة والإحصاء ــ أن المخططين لهذه المشروعات ينحازون للإفراط فى التفاؤل، وهو ما يستغله المروجون بالخداع أو الفساد الصارخ. ووجدت الدراسة أن النفقات الفعلية للسد كانت تقترب فى المتوسط من ضعف تقديرات ما قبل البناء، وتتجاوز عدة مرات الإنفاق على أنواع أخرى من بناء البنى التحتية بما فى ذلك الطرق والسكك الحديدية والجسور والأنفاق. وفى المتوسط، استغرق بناء السدود 8.6 سنوات، بزيادة 44 فى المائة من المدة التى كانت متوقعة ــ وهو وقت طويل كما يقول معدو الدراسة، يثبت أن السدود الكبيرة «غير فعالة فى حل أزمات الطاقة العاجلة».

•••

وذكر الكاتب أن السدود عادة ما تستهلك حصة كبيرة من تنمية الموارد المالية للبلدان، حيث يهون مخططو السدود من شأن تأثير التضخم وانخفاض قيمة العملة. وتصل نسبة كبيرة من الأموال التى تدعم السدود الكبيرة فى شكل قروض إلى البلدان المضيفة، ويجب فى نهاية المطاف أن تسدد بالعملة الصعبة. ولكن معظم إيرادات السد تأتى من مبيعات الكهرباء بالعملات المحلية. وعندما تنخفض العملات المحلية مقابل الدولار، كما يحدث غالبا، يزيد عبء هذه القروض.

ومن أسباب إغفال هذه الديناميكية أن دراسات سابقة قيمت الأداء الاقتصادى للسدود من خلال النظر فيما إذا كان المقرضين الدوليين مثل البنك الدولى، استردوا قروضهم ــ وهو ما حدث فى معظم الحالات. ولكن التأثير الاقتصادى على البلدان المضيفة منهك فى كثير من الأحيان. وتعتبر مشروعات السدود ضخمة لدرجة أنه بداية من الثمانينيات، أصبحت الزياة فى الإنفاق على السد م المكونات الرئيسية لأزمات الديون فى تركيا والبرازيل والمكسيك ويوغوسلافيا السابقة. وقال لى فليفبريج ــ أحد معدى الدراسة ــ «الاقتصاد القومى فى كثير من البلدان، هش للغاية، حتى إن الإنفاق على سد واحد يمكن أن يؤثر سلبا تماما على الاقتصاد الوطنى».

ويؤكد ليزلى هذه النقطة، بالإشارة إلى ما أبرزته دراسة سد ديامر باشا، الجارى إنشاؤه الآن فى باكستان. وكانت التكلفة المتوقعة للسد 12.7 مليار دولار (بسعر الدولار عام 2008) على أن يكتمل إنشاؤه فى 2021. لكن الدراسة لا تتوقع استكماله قبل 2027، وأن تصل التكلفة بحلول ذلك الوقت إلى 35 مليار دولا (بسعر الدولار فى 2008 أيضا) ـ وهو ما يمثل ربع الناتج المحلى الإجمالى فى ذلك العام.

ويضيف ليزلى أنه وفقا لمعايير الدراسة، تعتبر معظم السدود الضخمة المخطط لها فى العالم غير فعالة من حيث التكلفة. وهذا صحيح بلا شك بالنسبة لمجمع إنجا العملاق، المقرر إنشاؤه من ثمانية سدود بامتداد نهر الكونغو ــ تجاوز الاثنان الأولان منها التكاليف الضخمة ــ وسد بيلو مونتى فى البرازيل، الذى يُقال إنه سيكلف أربعة عشر مليار دولار، وسوف يحل محل رقعة من الغابات المطيرة فى الأمازون كثالث أكبر سد فى العالم لتوليد الطاقة الكهرومائية.

ويشير الكاتب إلى توصية واضعى الدراسة باللجوء إلى «بدائل رشيقة للطاقة»، مثل الرياح والطاقة الشمسية والطاقة المائية المصغرة. ويقول عاطف الأنصار، أحد معدى الدراسة: «نحن عالقون فى وضع الخمسينيات، حيث يتم عمل كل شىء بطريقة مفصلة للغاية، الطريقة اليدوية»، ويتابع الأنصارى: «نحن بحاجة إلى الأشياء ذات المعايير السهلة الموحدة، والأشياء التى يمكن وضعها داخل حاوية، ويمكن نقلها بسهولة».

•••

وفى ختام المقال يرى الكاتب أن كل ما سبق يتعارض مباشرة مع الطفرة الحالية فى بناء السدود حاليا. حيث تقوم شركات البناء الصينية والبرازيلية والهندية بإنشاء مئات السدود فى مختلف أنحاء العالم، وأعلن البنك الدولى قبل عام أنه تم إحياء الاستراتيجية المحتضرة لتمويل السدود الضخمة. ولا شك أن البنوك الضخمة تبدو مغرية جدا، ومبهرة، لدرجة أن الأمر استغرق منا أجيال لملاحظة: انها قوة غاشمة؛ تحف العصر الصناعى التى نادرا ما تحقق المتوقع منها.

التعليقات