الذكاء الاصطناعى لا يعوض العلاقات البشرية.. أثره السلبى على الصحة النفسية - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الثلاثاء 3 يونيو 2025 11:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

الذكاء الاصطناعى لا يعوض العلاقات البشرية.. أثره السلبى على الصحة النفسية

نشر فى : السبت 31 مايو 2025 - 9:30 م | آخر تحديث : السبت 31 مايو 2025 - 9:30 م

نشرت جريدة نيويورك بوست مقالا للكاتب أندرو ماكديارميد عن تصاعد مشاعر الوحدة والاكتئاب فى المجتمعات الحديثة، يطرح مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذى لشركة «ميتا»، حلًا غير تقليدى: «أصدقاء» من الذكاء الاصطناعى. لكنه، وفقًا للكاتب أندرو ماكديارميد، حل يزيد المشكلة تعقيدًا بدلًا من معالجتها. فى هذا المقال، يناقش ماكديارميد لماذا لا يمكن للأصدقاء الافتراضيين أن يعوضوا العلاقات الإنسانية الحقيقية، محذرًا من الاعتماد المفرط على التكنولوجيا فى تلبية احتياجاتنا النفسية والاجتماعية.. ونعرض من المقال ما يلى:
فى وقتٍ تتفاقم فيه مشكلات الصحة النفسية حول العالم، يقترح مارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذى لشركة «ميتا»، أن الذكاء الاصطناعى قد يكون الحل للوحدة والعزلة. ففى مقابلة له مؤخرًا، أشار إلى أن المواطن الأمريكى العادى لديه أقل من ثلاثة أصدقاء، بينما يرغب فى ما يقرب من خمسة عشر، وبحسب زوكربيرغ، فإن برامج الذكاء الاصطناعى قادرة على سد هذه الفجوة العاطفية والاجتماعية، بفضل ما وصفه بـ«حلقة التخصيص»، حيث يتعرّف الذكاء الاصطناعى على المستخدم بشكل متزايد ويصبح أكثر جاذبية فى تواصله.
لكن هذا الحل التقنى المثير للجدل يأتى من رجل يقود شركتين من أكبر منصات التواصل فى العالم – فيسبوك وإنستجرام – وهو بذلك يُقر ضمنيًا بأن هذه المنصات لم تعد كافية لتوفير التواصل الإنسانى الحقيقى. بل يمكن القول إن زوكربيرج يسعى الآن إلى تسويق العزلة نفسها وتحويلها إلى سلعة، بعد أن نجح لسنوات فى تسويق انتباهنا الرقمى.
المفارقة أن دعوته لاعتماد «أصدقاء» ذكاء اصطناعى تأتى فى وقت غير مناسب على الإطلاق. ففى عام 2023، أعلن الجراح العام الأمريكى، فيفيك مورثى، أن الولايات المتحدة تعانى من وباء وحدة وعزلة، مشيرًا إلى أن واحدًا من كل اثنين من البالغين يشعر بالوحدة، وأن النسب أعلى بين الشباب. وربط مورثى هذه الظاهرة بانتشار وسائل التواصل الاجتماعى والتفاعلات الافتراضية.
وليس هذا فحسب، فبيانات «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» (CDC) أظهرت أن معدل الاكتئاب تضاعف تقريبًا خلال العقد الماضى، من 8.2% فى عام 2013 إلى 13.1% فى عام 2023، خاصة بين الفئات العمرية الشابة. الأدهى أن شركة فيسبوك كانت على علم منذ سنوات بتأثير منتجاتها السلبى، خصوصًا إنستجرام، على الصحة النفسية للمراهقين – وفقًا لتحقيق نشرته صحيفة وول ستريت جورنال عام 2021 – لكنها تجاهلت هذه النتائج وامتنعت عن اتخاذ أى خطوات فعلية لمعالجة المشكلة.
ورغم كل هذا، يواصل زوكربيرج الدفاع عن منهجه، قائلًا: «الناس يعرفون ما هو مهم فى حياتهم». لكن الواقع يقول عكس ذلك، فإذا كانت الوحدة والاكتئاب فى ازدياد، فربما لا يعرف الناس فعلًا ما الذى ينقصهم – أو لعل أدواتهم لم تعد تساعدهم على الوصول إليه.
لكن هل يمكن حقًا أن يكون الحل فى أصدقاء ذكاء اصطناعى؟ الجواب ببساطة: لا، وإليك ثلاثة أسباب جوهرية:
أولًا: ليست جسدية
التفاعل مع الذكاء الاصطناعى يتم داخل الذهن فقط، لكننا لسنا عقولًا تطفو فى الفضاء، نحن كائنات جسدية نبنى علاقاتنا من خلال المشاركة الفعلية. نحن نضحك، نبكى، نتسوق، نطهى، نحاور الآخرين وجهًا لوجه. «الاتصال الاجتماعى حاجة إنسانية أساسية»، كما جاء فى تقرير الجراح العام، «وهو لا يقل أهمية عن الطعام والماء والمأوى».
ثانيًا: لا يتطلبون مجهودًا
أصدقاء الذكاء الاصطناعى متاحون دائمًا، لا يحتاجون إلينا، لا يغضبون، لا يخطئون، لا يطلبون شيئًا. قد يبدو هذا مغريًا، لكنه لا يساعدنا على تطوير المهارات الحقيقية لبناء علاقات واقعية. الصداقة الحقيقية تنطوى على جهد، وصبر، وتسامح، وأحيانًا خيبة أمل، وهذه كلها عناصر لا يمكن تعلمها من محادثة خالية من التحديات مع خوارزمية لطيفة.
ثالثًا: ليسوا حقيقيين
مهما بدا الذكاء الاصطناعى «بشريًا» فى لغته وتفاعله، فإنه يظل مجرد أداة حسابية. ما يقوله ليس نابعًا من وعى أو مشاعر أو فهم حقيقى. إنه مجرد محاكاة مبنية على بيانات سابقة، وهذا ما يجعل التواصل معه – مهما بدا لطيفًا – نوعًا من الصدى الفارغ. العلاقة مع «صديق» ذكاء اصطناعى تشبه الحديث مع مرآة تعكس ما تريده، لكنها لا تقدم أى جوهر إنسانى فى المقابل.
فى عالم زوكربيرج، قد يكون معظم أصدقائنا ذكاءً اصطناعيًا. لكن الحقيقة أن التفاعل معهم يتركنا أكثر وحدة، لأننا نظل فى النهاية محاطين بشىء لا يملك وعيًا، ولا روحًا، ولا احتياجًا لنا.
خلاصة القول، إذا كنت تبحث عن مزيد من الأصدقاء، فإن الذكاء الاصطناعى ليس الحل. الأفضل أن تنفتح على من حولك: تعرّف على الناس وجهًا لوجه، ابدأ محادثات بسيطة، وشارك الآخرين حياتك اليومية. تذكّر أن كثيرًا من الناس حولك يعانون من العزلة نفسها. قدّم لهم نفسك كما أنت – فى الزمن الحقيقى والمكان الحقيقى – وستفاجأ بما يعود إليك من دفء وتواصل حقيقى.

ترجمة وتحرير: يارا حسن
النص الأصلى:

التعليقات