تعد ضمانات تعزيز الحقوق وحريات الأفراد فى مقدمة المؤشرات على شرعية النظم السياسية، ومن ثم فإن العلاقة بين شرعية أى نظام تتناسب طرديا مع مقدار ما يحصل عليه الفرد من هذه الحقوق والحريات، لكن أيضا كما أن النظم الديمقراطية المعاصرة لا تقبل بمفاهيم السلطة المطلقة، فإن هذه الحقوق والحريات أيضا، لا يجب إلا وأن تكون مقننة وبعيدة عن مفاهيم الإطلاق، وعليه كان متوقعا أن يتم الاتجاه ناحية القانون الأكثر حساسية بالبلاد، من أجل التعاطى معه وإعادة صياغته وبما يخدم على المواطن والوطن بشكل عام. ولعل هذه النوعية من القوانين تتطلب فلسفة خاصة فى التعاطى معها، سيما أنها تتعلق بالفرد وأهم ما يحفظ أمنه ويصون كرامته، وأن ضمان نزاهتها وفعالية تطبيق هذه القوانين، من شأنه أن يخلق حالة كاملة من الاستقرار بالبلاد وعلى المستويين السياسى والمجتمعى.
غير أن أحد أبرز أوجه الضرورة لمثل هذه النوعية من القوانين المؤثرة على المستويين المجتمعى والسياسى كما ذكرنا، هو أيضا مدى خطورة تطبيقها وتداعياتها على المتقاضى ومستقبله إن لم يكن أفراد أسرته، ومن ثم لم يتم الاكتفاء بالتوصيات الصادرة عن الحوار الوطنى، وإن كان يحسب له إعادة القانون إلى دائرة الضوء، بل إن الدولة بكل مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والوطنية أيضا تعكف على الانتهاء من هذا القانون، وكلها تحركات فى مجملها تعكس الرغبة السياسية الحقيقية لدى الدولة، أيضا التفعيل الجاد والتعاطى السريع مع عدد من الملفات المرتبطة بالقانون.
وربما قبيل الحوار الوطنى وتوصياته التى رفعت إلى السيد رئيس الجمهورية، وعليه تصديق الرئيس السيسى على مجمل هذه التوصيات، ومن ثم رفعها إلى الحكومة للبت فيها، ولعل الحبس الاحتياطى أبرز مضامينها مع كيفية خلق حالة من التوازن ما بين طبيعته وبدائله من جانب، وبين حتمية إتمامه من أجل اكتمال الإجراءات وعدم تحوله إلى عقوبة من جانب آخر، أيضا جاءت نصوصه سواء المتعلقة ببدائل الحبس ومدته أو التعويض عنه ضمن مشتملات التوصيات، إلى جانب تعديلات تعلقت بخفض الحدود القصوى لمدده، والأهم مطالبة الرئيس بضرورة تفعيل بدائله مع التعويض المادى والأدبى للمتضررين، ما يعكس إرادة سياسية حقيقية فى إعمال أحكام الدستور المصرى، وبما يتعاطى جيدا مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
قبيل الحوار الوطنى، أقدمت أيضا اللجنة التشريعية بمجلس النواب على إعداد مشروع لنفس القانون أى الإجراءات الجنائية، عبر صياغة اعتبرت هى الأخرى متسقة مع الدستور؛ حيث تم تعديل أكثر من ثلثى مواد القانون، ليتماشى مع متطلبات الاستراتيجية المرجوة لتفعيل حقوق الإنسان وضمان تعزيزها، وبديهى أن النصيب الأكبر كان للحبس الاحتياطى كونه أول إجراءات التقاضى ــ واتفاقا مع التوصيات أعلاه ــ فمن المقرر تخفيض مدد «الحبس الاحتياطى» بواقع 4 أشهر فى قضايا الجنح بدلاً من 6 أشهر، و12 شهرا فى قضايا الجنايات بدلاً من 18 شهرا، و18 شهرا فى القضايا التى تصل عقوبتها للإعدام أو المؤبد بدلاً من 24 شهرا، على ألا تتخطى أطول مدة 24 شهرا، وذلك حسبما جاء فى التعديلات المنتظرة من قبل الأجهزة التنفيذية.
غير أنه يتحتم على مختلف أجهزة الدولة، وفى ضوء الإرادة السياسية الواضحة، إتمام عدة من المستهدفات ضمانا لإنجاز المهمة الدستورية والقانونية والتى تعد ضمن محددات العلاقة ما بين الدولة وأفرادها، وعلى نحو يتماشى مع توجيهات الرئيس السيسى. أولا، التوازن ما بين حقوق المتقاضين عبر جميع إجراءات التقاضى وبين حتمية إتمام العدالة الناجزة حفاظا على المجتمع واستقراره. ثانيا، تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بكل مضامينها. ثالثا، تأمين المتقاضين وحفظ حقوقهم وصون كرامتهم. رابعا، سرعة تنفيذ التعويضات المادية والأدبية وجبر الخواطر بحسب تصريحات الرئيس السيسى مع من تضرروا جراء إجراءات التقاضى خصوصا الحبس الاحتياطى. خامسا، والأهم حسم التعديلات والاستقرار عليها وطرح مشروع القانون بتعديلاته الجديدة على مجلس النواب فى الانعقاد القادم، مع سرعة التنفيذ والعمل بالتعديلات الجديدة. سادسا، وبالنهاية مراعاة التوازنات مرة أخرى أو بشكل عام الخطوط الرفيعة بين إنفاذ القانون وإقرار العدل وبين ضمان حقوق الأفراد وحرياتهم.