حين لا يمانع الرئيس فى خسارة حزبه الانتخابات البرلمانية - محمد المنشاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حين لا يمانع الرئيس فى خسارة حزبه الانتخابات البرلمانية

نشر فى : الأربعاء 27 أكتوبر 2010 - 9:43 ص | آخر تحديث : الأربعاء 27 أكتوبر 2010 - 9:44 ص

  بالطبع لا أقصد هنا الرئيس المصرى حسنى مبارك ولا حزبه الوطنى الديمقراطى، بل أقصد الرئيس الأمريكى باراك أوباما وحزبه الديمقراطى.

وقد جرت العادة فى واشنطن على أن يمنى حزب الرئيس بخسارة بعض قوته التشريعية فى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، ويعزز من هذه العادة هذا العام استياء شعبى واسع من عدم تحسن الأوضاع الاقتصادية.

ورغم ما يقوم به أوباما وزوجته ميشيل، من حملات دعائية وانتخابية من أجل دعم مرشحى الحزب الديمقراطى قبل أيام قلائل على موعد إجراء انتخابات التجديد النصفى للكونجرس، والمقررة يوم الثلاثاء المقبل. إلا أن أوباما لن يشعر بالاكتئاب إذا ما فقد حزبه الأغلبية فى الكونجرس. ويسيطر حزب الرئيس الآن على 257 مقعدا فى مجلس النواب مقابل 178 مقعدا للجمهوريين، ويحتاج أى من الحزبين فقط إلى 218 لتحقيق الأغلبية البسيطة. أما فى مجلس الشيوخ فيتمتع الحزب الديمقراطى بأغلبية 59 مقعدا من المقاعد المائة مقابل 41 مقعد للجمهوريين.

ويرى الكثير من الخبراء أن خسارة الحزب الديمقراطى المؤكدة لمجلس النواب، ستمثل فرصة حقيقية وكبيرة تدعم حظوظ أوباما فى إعادة الانتخاب عام 2012.

لكن كيف ذلك؟ وألا تعد هزيمة الحزب الديمقراطى استفتاء بفشل سياسات الرئيس أوباما نفسه؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك فى وقت تبلغ نسبة الرضاء الشعبى على سياسات الرئيس نسبة أقل من 40% فى اغلب الاستطلاعات؟

من مبادئ علم وممارسات السياسة فى الولايات المتحدة أن يكون لدى السياسى أو لدى الحزب عدو، ويفضل أن يكون العدو قويا!

ويرى مارك جرينباوم، الكاتب الصحفى فى الشئون الأمريكية، أن سيطرة الجمهوريين على أغلبية مقاعد مجلس النواب من شأنه أن يزيد من مساحة المناورة السياسة لأوباما، إذ لن يكون مسيطرا على الحياة السياسية بنسبة 100% كما هو الحال الآن عند سيطرة حزبه على مجلسى الكونجرس. وقد أبدى أوباما استعدادا لهذا السيناريو، إذ ذكر فى مقابلة صحفية مؤخرا أنه «يرى مؤشرات كثيرة على تعاون مستقبلى مع الجمهوريين بعد الانتخابات».

ولا تمنح الأغلبية البسيطة فى الولايات المتحدة 50% + 1 صاحبها سيطرة حقيقية على مجريات الأمور، إذ قرر الدستور الأمريكى أن تمر مشروعات القرارات المهمة بعد حصولها على أغلبية 60 صوتا فى مجلس الشيوخ، وهى نسبة عالية جدا بالمعايير الأمريكية، ومن الصعوبة بمكان أن يحصل عليها أى من الحزبين.

ويرى بيتر موريسيا، أستاذ السياسة بجامعة ميريلاند «أن فرص أوباما لإعادة انتخابه عام 2012 تزيد إذا ما فقد حزبه الأغلبية فى الكونجرس أو على الأقل فى مجلس النواب». كذلك تمنح هزيمة الديمقراطيين أوباما فرصة لالتقاط أنفاسه، وإعادة حساباته، حيث من الطبيعى أن يحتفل الجمهوريون بالنصر ويهدءون من هجومهم الضارى على أوباما وسياساته.

وبما أن المشكلة الأهم عند أغلب الناخبين الأمريكيين هى الاقتصاد، ومع استمرار معدلات البطالة مرتفعة عند 9.5%، ووصول الدين القومى لمعدلات غير مسبوقة، لا ينتظر أن يأتى الجمهوريون بحل سحرى للاقتصاد خلال سنتين فقط. لذا فيمكن لأوباما أن ينافس ويهاجم بقوة سياسات الجمهوريين فى الكونجرس كنقطة انطلاق قوية فى حملة إعادة انتخابه.

وعندما يسيطر الجمهوريون على الكونجرس أو حتى على مجلس النواب فقط، لن يكون أمامهم سوى التوافق مع الأقلية الديمقراطية ومع البيت الأبيض من أجل تمرير مشاريع القرارات المهمة. البديل الآخر أن يختاروا المواجهة والتى قد تؤدى لشلل النظام السياسى الأمريكى، كما حدث عندما سيطر الجمهوريون على الكونجرس تحت زعامة نيوت جينجريتش عام 1994، وأغلقت بعض المؤسسات الحكومية الفيدرالية أبوابها خلال عام 1995 عندما لم يتم التوصل لحل وسط لتمرير مشروع الميزانية. ولا ينسى الجمهوريون أن الدستور منح الرئيس حق تعطيل إصدار قرارات الكونجرس نتيجة تمتعه بحق الفيتو.

خلال النصف الأول من فترة حكم أوباما، عرفت واشنطن حكومة الحكومة الموحدة (Unified Government)، مع توحد حزب الرئيس مع الأغلبية فى الكونجرس، مما سمح للرئيس أوباما بتنفيذ معظم بنود برنامجه وتحويله إلى سياسات وقوانين. وينتظر أن يشهد الصف الثانى نوع آخر هو الحكومة المقسمة (Divided Government)، حيث سنتابع زيادة مساحة المناورات السياسية للتوصل لتشريعات مقبولة من الحزبين.

إلا أنه من الخطأ الاعتقاد أن وجود أغلبية ديمقراطية داخل الكونجرس مثل ضمانة للبيت الأبيض لتمرير سياساته دون معارضة واختلافات بين الإدارة والكونجرس. فالنظام الأمريكى يمنح الأقلية داخل الكونجرس بعض الآليات التى تمكنها من التأثير على الأغلبية. فقد يتمكن الجمهوريون أحيانا من عرقلة القوانين أو التأثير على بعض القوانين والضغط على الديمقراطيين لتقديم تنازلات.

العملية السياسة فى أمريكا من صنع بشر وليست سماوية أو مقدسة، ومن حسن حظ أمريكا أنها امتلكت شخصيات عظيمة عند استقلالها، فبالإضافة إلى جورج واشنطن (بطل الاستقلال الأمريكى)، هناك توماس جيفرسون الذى ساعد جورج واشنطن كثيرا وكان شريكه فى إعلان الاستقلال. لكن الأهم انه كان العقل المدبر الذى شكل الفكر السياسى الأمريكى فى هذه الفترة الحاسمة. وكان توماس جيفرسون من أكبر أنصار الديمقراطية والحرية. ويرى البعض أن تأثيره على سياسة الولايات المتحدة كان أعظم من تأثير أى زعيم سابق أو لاحق، وحتى هذا اليوم لايزال شبحه يخيم على السياسة الأمريكية ولا تزال مبادؤه تقود هذه القوة الكبرى، وغالبا ما يشار إلى الديمقراطية الأمريكية بالديمقراطية الجيفرسونية كدليل على ذلك.

ورغم حدوث انتكاسات تاريخية فيما يتعلق بمصير الهنود الحمر، وظاهرة عبودية الأفارقة، بالإضافة إلى تجاوزات وجرائم معاملة الأمريكيين من أصل يابانى أثناء الحرب العالمية الثانية، ومعاملة العرب والمسلمين بعد أحداث 11 سبتمبر. إلا أن إقراره وتأكيد جيفرسون لمبدأ الفصل بين السلطات يعد انجازا بكل المعايير الفلسفية حينذاك والآن أيضا.

وسمح هذا الفصل بين السلطات بالتمييز بين الحزب وأهدافه من ناحية وبين الرئيس وأهدافه من ناحية أخرى، حتى إن كان الرئيس هو أعلى شخصية فى الحزب الحاكم. ويؤدى ذلك إلى أن ليس كل ما هو جيد للحزب يعنى بالضرورة شيئا جيدا للرئيس، والعكس صحيح.

وهذا ما دفع العديد من المرشحين الديمقراطيين (حزب الرئيس أوباما) للنأى بأنفسهم عن الرئيس وقيادات الحزب الديمقراطى لتلافى تأثر فرصهم فى الفوز نتيجة تراجع شعبية الرئيس وكبار مساعديه. ولم يتهمهم أحد بخيانة الولاء الحزبى أو ضعف الوطنية، ولم يقترح أحد طردهم من الحزب الذى كان حاكما.

هل هذا ممكن فى مصر؟

محمد المنشاوي كاتب صحفي متخصص في الشئون الأمريكية، يكتب من واشنطن - للتواصل مع الكاتب: mensh70@gmail.com
التعليقات