خذوا بالكم من عيالكم - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 12:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خذوا بالكم من عيالكم

نشر فى : السبت 28 فبراير 2009 - 4:14 م | آخر تحديث : السبت 28 فبراير 2009 - 4:14 م

 حين كانت وسائل الإعلام مشغولة بقصة الصبى الإنجليزى البالغ من العمر ــ 12 عاما ــ، الذى أنجب طفلا من فتاة عمرها ــ 15 عاما ــ كان أعضاء النادى القاهرى الكبير يتناقلون فيما بينهم قصة شاب مراهق عمره خمسة عشر عاما، حاول اغتصاب طفل فى السابعة من عمره، ولكن رجال الأمن سمعوا صياحه فأنقذوه فى الوقت المناسب.

ويبدو أن ذيوع الخبر استدعى ملف انحرافات سلوكية وأخلاقية أخرى، حيرت مسئولى النادى الذين حين فتحوا أفواههم صدموا الجميع. إذ لم يخطر على بال أحد منهم أن ذلك المكان الراقى والمحترم يمكن أن يشهد مثل هذه الانحرافات، التى تجاوزت إدمان المخدرات إلى حالات الاغتصاب والتحرش الجنسى وعلاقات الشذوذ بين الجنسين.. إلى آخر الرذائل التى تعرفها.

سألت، فقيل لى إن ما يحدث فى النادى له نظيره فى نواد أخرى، وأن الذى يحدث فى النوادى الكبرى استنساخ لما يحدث فى المدارس والجامعات الخاصة التى يدفع فيها الآباء عشرات الألوف من الجنيهات لتعليم أبنائهم.

حدثتنى أكثر من أم عن الرعب الذى يعشن فيه بسبب انتشار هذه الممارسات. وقالت إحداهن: إنها استقالت من عملها واختارت أن تقعد فى البيت لكى يكون أولادها تحت عينيها لأطول وقت ممكن ــ وذكرت أن أما غفلت عن ابنتها عشر دقائق فى ساحة لعب الأطفال بالنادى، وحين عادت قالت لها: إن صبيا عرض عليها أن يلعبا معا لعبة «الزوج والزوجة» ــ وفهمت أن أكثر ما يزعج الأمهات والآباء الآن أنهم لا يستطيعون أن يتابعوا أبناءهم داخل المدارس.

لست فى موقف يسمح لى بالحديث عن حجم هذه الممارسات، وهل هى حالات استثنائية أم أنها ظواهر اجتماعية؟ وهل هى مقصورة على فئات وشرائح بذاتها أم أنها سلوكيات عابرة للطبقات، أم أن لكل طبقة فسادها ورذائلها؟ وهل لهذه الممارسات وجود فى الحضر فقط أم أن لها صدى فى الأرياف أيضا؟

لم أجد إجابة عن تلك الأسئلة، وفهمت من خبراء مركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن عنايتهم موجهة نحو موضوع إدمان المخدرات فقط. وحين استطلعت آراء بعضهم فى هذه الحالات وجدتهم يجمعون على أنها قد تكون صادمة حقا، لكنها ليست مفاجئة. وقالوا فى هذا الصدد إن الأسرة لم تعد تربى الأبناء، بسبب ركض الآباء والأمهات طول الوقت خارج البيت لتوفير لقمة العيش، بحيث تكون النتيجة أن أولئك الأبناء يكتسبون ومعارفهم من التليفزيون أو مواقع الإنترنت أو الشارع أو الشغالات.

وإلى جانب غياب دور الأسرة، فإن المدارس التى لم تعد تعلم شيئا لا يتوقع منها أن تربى. كما أن أحدا لم يعد معنيا بتوفير أوعية بريئة لاستيعاب طاقات الشباب من خلال الرياضة أو نحوها، فى حين انتشرت المقاهى والخيام التى تروج للهو والعبث.

فى الحديث عن الإنترنت قال أحدهم: إن ثمة موقعا يشرح سلوكيات الولد الطيب. وفى الوقت ذاته، يعلم من يريد سلوكيات ومباذل الولد السيئ، من خلال توفير المعلومات والصور «الإيضاحية» التى تساعد على إتقان استيعاب «الدروس». فى الوقت ذاته، فإن الإعلام وهو يتنافس على جذب المشاهدين ودغدغة مشاعرهم أصبح لا يتردد فى بث البرامج الخليعة والكليبات التى تلقن الصغار والمراهقين أصول الغواية والتحرش. وقرأت أن مجلة جديدة تخصصت فى هذه «الثقافة» صدرت فى بيروت باسم «جسد» كتب على غلافها أنها لـ«الراشدين فقط».

أدرى أن الموضوع ليس سهلا، وأن السلوكيات الاجتماعية بوجه خاص لا تعالج بالأوامر والنواهى وفرمانات الحظر والمصادرة، لكنى أدعو فقط لأن يمنح الموضوع قدرا من الاهتمام من جانب الباحثين والمسئولين عن مستقبل الأجيال الجديدة (إن وجدوا!). وإلى أن يتحقق ذلك فلا بديل عن إعلان الطوارئ فى كل بيت يضم صبيانا وبناتا، بحيث يفتح الآباء والأمهات أعينهم جيدا على أبنائهم حتى لا يفجعوا فى أعز ما يملكون.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.