الزعيم حين يفتى - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 6:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الزعيم حين يفتى

نشر فى : الإثنين 28 يونيو 2010 - 10:12 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 يونيو 2010 - 10:12 ص

 صدّق عادل إمام أنه «زعيم» حقا، فراح يفتى فى أمور الحاضر والمستقبل، وصدّق الصحفيون بدورهم أنه زعيم فأمطروه بالأسئلة حول قضايا الساعة وخيارات التغيير. ولا أعرف أيهما أكبر خطأ من الآخر، لكنى اعتبر أن الاثنين مخطئان يقينا، وأميل إلى تخطئة الصحفيين. لأن الرجل لم يتطوع بالخوض فى أمور ليس ضالعا ولا ناشطا فيها، وإنما يجيب عن أسئلة وجهت إليه، بمعنى أن الذى سأله هو الذى وجهه واستنطقه وورطه.

كان ذلك انطباعى حين تابعت الحوار الذى أجرته صحيفة «المصرى اليوم» مع عادل إمام، ومن قبله الحوار الذى أجرته مع السيدة فاتن حمامة التى هى بدورها زعيمة فى مجالها، وإن ظلت زعامتها مختزنة فى قلوب الناس ولم تستثمرها إعلاميا. فى الحوارين استغربت نوعية الأسئلة التى ألقيت عليهما فى القضايا العامة، خصوصا فى الأمور السياسية. وخطر لى أن أسجل تحفظا على توريط «الزعيمين» فى هذه الأمور، وتحويل الحوار إلى ما يشبه ثرثرة المقاهى، فى حين أن كلا منهما يمثل كنزا كبيرا فى حياتنا الفنية، ومرجعا يستطيع أن يقول كلاما مشبعا ومفيدا ومنيرا للقارئ فى مجاله.


لكنى أحجمت عن ذلك حتى لا يساء فهم كلامى، ويدرجه البعض ضمن المشاحنات التى تحدث بين الحين والآخر بين صحفيى المصرى اليوم و«الشروق». علما بأن هذا التوريط لا تنفرد به المصرى اليوم، لكنه شائع فى محيطنا الإعلامى الذى بات يبيع بالنجوم ويستثمر نجوميتهم إلى أبعد مدى، ولسبب لم أفهمه لاحظت أنهم جميعا جاهزون للكلام فى أى قضية خصوصا فى مديح الحكومة وهجاء معارضيها. مع أنهم فى غنى عن ذلك، إلا إذا كانت لبعضهم مصالح فى ذلك.

رفع عنى الحرج الدكتور حسن نافعة فيما كتبه يوم الخميس الماضى 27/6 منتقدا الشق السياسى فى الحوار الذى أجرى مع عادل إمام والطريقة التى أخرج بها، ووصفه بأنه «سقطة مهنية بأكثر منه خبطة صحفية». وهو تعبير صريح ودقيق اتفق معه تماما، وبقدر ما أنه كان موفقا فى نقده للحوار، فإن موقف الصحيفة كان مقدرا، حين احتملت نقده وأبرزته فى عناوين صفحتها الأولى. وأتمنى أن يعى هذه الملاحظة الصحفيون والمحاورون فى البرامج التليفزيونية، حين يتحدثون إلى المراجع المعتبرة فى عوالم الفن والثقافة والرياضة، فيميزون بين الحوار الذى يضيف إلى معارف المتلقى وينير عقله، وبين الثرثرة التى تتطرق إلى كل شىء ولا تضيف شيئا، وتعنى بالإثارة بأكثر مما تعنى بالتنوير والإضافة.

قبل عدة سنوات أصدر الدكتور عبدالرحمن بدوى أستاذ أساتذة الفلسفة مذكراته التى هاجم فيها كثيرين بصورة قاسية وجارحة أحيانا. ولأن مقام الرجل عالٍ وشامخ فى مجاله، فإننى أشفقت على صورته لدى من لا يعرفونه، فكتبت حينذاك داعيا إلى تقييم الرجل استنادا إلى إبداعه الحقيقى وعطائه الكبير فى عالم الفلسفة، وليس اتكاء على شهادته التى قد تدفع إلى اساءة الظن به وتصوره على نحو أحسب أنه لم يكن يرضى به، لا هو ولا تلاميذه ومحبوه.

وضربت مثلا بالموسيقار محمد عبدالوهاب (الذى منح لقب دكتور!) والأستاذ نجيب محفوظ والدكتور لويس عوض، وغيرهم من المبدعين الذين أثروا حياتنا الثقافية والفنية. وقلت إن كلا منهم يستطيع أن يقول الكثير فى مجال إبداعه ومرجعيته فى الموسيقى أو الأدب أو النقد، لكن شهادتهم لا يعتد بها فى غير تلك المجالات، وقد تكون خصما من رصيدهم، والحالة الوحيدة التى يمكن أن تقبل فيها شهاداتهم فى القضايا العامة هى أن يكونوا مشتغلين أو مشاركين فى الأنشطة المتعلقة بها.

فحين يكون الأديب أو الفنان من الناشطين مثلا فى مجالات العمل السياسى أو الدفاع عن حقوق الإنسان، فإن ذلك يوفر له خلفية تؤهله لأن يدلى بآرائه فيها، أما حين يكون مشغولا فقط بإبداعه الفنى أو الثقافى، فإن حديثه عن المجال العام يصبح ثرثرة لا قيمة لها، إذا أحسنا به الظن، وقد يدخل فى باب النفاق السياسى إذا أسأنا الظن به. وفى الحالتين، فالكلام يسحب من رصيده ولا يضيف إليه. وقد يحقق للجريدة بعض الرواج العارض، ولكن ذلك يكون على حساب حظها من التقدير والاحترام.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.