الجماهيرية فى التحرير؟ - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:04 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجماهيرية فى التحرير؟

نشر فى : الإثنين 28 نوفمبر 2011 - 8:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 28 نوفمبر 2011 - 8:30 ص

أصبح من الصعب أن تأوى إلى فراشك أول الليل، على أساس أن رئيس الوزراء الذى عهدت إليه الدولة بإدارتها هو كمال الجنزورى.. لتستيقظ فى الصباح على أنه شخص آخر.. فليكن هو البرادعى أو موسى أو أبوالفتوح أو من شئت، لمجرد أن ميدان التحرير أراد شخصا آخر غير الذى وقع عليه الاختيار.. أو لأن الجنزورى لا يحظى بثقة الميدان لأنه خدم فى عصر مبارك.. هم لا يريدون شخصا ينتمى لعصر مبارك ولا لغيره. يريدون رئيس وزراء من الميدان لم تلمس يده ورقة وقعها مبارك.. أما متظاهرو العباسية فهم يؤيدون الجنزورى ومن يختاره العسكريون.. وهو ما انعكس بشدة على عناوين الصحف ونشرات الأخبار، الذى تغير  اسم رئيس الوزراء عندهم خلال 24 ساعة كما يتغير الليل والنهار.. الشعب المصرى يتفرج. والنخبة سعيدة لأنها تقابل بالتهليل والصهيل فى ميدان التحرير، دون أن يكون لأى واحد منهم تأثير أو وزن أو مقدرة على توجيه الحشود الحاشدة فى الميدان!

 

لقد بات أخشى ما نخشاه أن يتحول ميدان التحرير إلى جماهيرية كالتى عرفناها عند جيراننا. لا يعرف أحد من أين جاء رئيسها ومن صاحب السلطة فيها وعلى أى أساس يجرى اختيار المسئولين والوزراء، بعد أن أصبح ميدان التحرير أشبه باللجان الشعبية فى الجماهيرية.

 

وعندما اختارت جماهير الميدان عصام شرف فى البداية وكانت الثورة تباهى بأن رئيس الوزراء من اختيارهم وليس من اختيار  العسكريين.. ولم يمض وقت طويل حتى اكتشف الميدان أن عصام شرف يعمل فى خدمة المجلس العسكرى وينفذ أوامره ولا ينفذ رغبات ميدان التحرير. بينما بقى الحال على ما هو عليه: العشوائيات بأكوام قمامتها.. والصدامات الدامية بين الأقباط والمسلمين فى ماسبيرو وأقاصى الصعيد.. والمليونيات تنعقد كل أسبوع تطالب بإقصاء العسكر وعودة الحكم المدنى.. والجدل دائر بين المتشددين والسلفيين والمعتدلين حول السياحة والبكينى وفرض الشريعة.. والأمن منفلت ولا سلطان لأحد عليه بعد سقوط العشرات إما بنيران صديقة من الشرطة أو منفلتة من عناصر مندسة.

 

والواقع أن الثورة الأولى والحقيقية انتهت فى موعدها. ونحن الآن على أبواب ثورة ثانية لم تحقق أهداف الثورة الأولى. أصبح كل اهتمامها اختيار رئيس وزراء جديد من الميدان.. وعندما وقع اختيار المجلس العسكرى على كمال الجنزورى لم يجد الاختيار هوى فى نفوس ميدان التحرير. وحاول البعض منع رئيس الوزراء الجديد من الوصول إلى مقره..

 

فى ميدان التحرير لا يسأل أحد عن مؤهلات الجنزورى ولا عن برامجه ولا كيف سيواجه تلال المشاكل التى تراكمت أمام هذا الوطن، فأدت إلى ما نحن فيه من انهيار اقتصادى ارتفعت معه أمواج البطالة بعد أن توالى إغلاق المصانع واحدا بعد آخر. وجاءت التقارير الدولية تحذر من مصير مؤلم لا يعرف أحد كيف الخروج منه؟!

 

فى ميدان التحرير كل هم المتظاهرين هو المطالبة بعودة القوات المسلحة إلى ثكناتها، وتسليم السلطة إلى مجلس مدنى أو حكومة مدنية.. ولا يوجد من يمانع فى هذا الهدف، حتى لو حالت الظروف الأمنية دون ذلك لبعض الوقت. ولكن الحاصل هو أن الاستعداد لإقامة بنية دستورية فى ظروف ما بعد الثورة، فى أعقاب سقوط نظام حسنى مبارك، يستدعى إجراء انتخابات لإقامة نظام برلمانى يمكن الاستناد إليه فى اختيار لجنة المائة لوضع الدستور وانتخاب رئيس للدولة. وهو ما يطلق عليه خريطة الطريق التى تعهد المشير طنطاوى بالالتزام بها للتخلى عن السلطة حتى 30 يونيو المقبل.

 

وسط هذا المعترك، تقف مصر فى وضع لا تحسد عليه بالمقارنة بدول عربية محيطة بنا، قطعت أشواطا على طريق بناء الديمقراطية. وتبدو وكأنها عرفت طريقها.. فى تونس أجريت الانتخابات البرلمانية وتشكلت حكومة من الأغلبية بزعامة حزب النهضة الإسلامى. وحتى فى المغرب، هذه الدولة الملكية، نجحت الانتخابات البرلمانية التى فاز فيها حزب العدالة والتنمية ذو الميول الإسلامية.

 

أما فى مصر فالرجل القادم من الماضى ــ كما يقولون ــ يبدو أكثر عزما على عبور المرحلة الانتقالية، وما تحتاج إليه مصر الآن هو إتمام الانتخابات البرلمانية، وقطع الطريق على حالة الفوضى المستشرية. وننظر إلى تونس التى يتولى فيها المسئولية ثلاثى ممن تجاوزوا السبعين، ولكن كفاءتهم لا تقاس بالسن، ولكن بالقدرة على تحمل التحديات.

 

نحن لا نريد أن تتحول مصر إلى جماهيرية أخرى. إذ لن يغفر التاريخ لهؤلاء الذين وصلوا بها إلى هذا المصير!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات