قل كلمتك - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 1:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قل كلمتك

نشر فى : الإثنين 29 فبراير 2016 - 10:40 م | آخر تحديث : الإثنين 29 فبراير 2016 - 10:40 م
مهما جاءت محدودة النطاق، ينبغى أن ندعم كل محاولة لرفع الظلم عن الضحايا وجبر الضرر الواقع عليهم وعلى ذويهم. عندما يعلن عدد من الصحفيين فى مصر، بدء اعتصام مفتوح داخل نقابتهم، احتجاجا على سلب حرية زملاء لهم وعلى المعاملة غير الآدمية التى يلقاها القابعون وراء أسوار السجون وأماكن الاحتجاز، فإن الاستعلاء على هذه المحاولة إما بسبب العدد الصغير للمعتصمين أو بسبب اقتصارها على الضحايا من الصحفيين يدخل فى باب البطولات اللفظية الفارغة من المضمون والمزايدات عديمة القيمة، التى لن تنجح أبدا فى رفع الظلم وإن عن ضحية واحدة.

عندما يطرح بعض المهتمين بالشأن العام والمدافعين عن الحقوق والحريات مطالب محددة تتجه للإفراج عن المسلوبة حريتهم لأسباب سياسية، ووقف ممارسات تهديد وتعقب وقمع غير الممتثلين للحكم التى تنفذها الأجهزة الرسمية، وغل يد الأجهزة الأمنية عن منظمات المجتمع المدنى المستقلة، وتطبيق سياسات واضحة للإصلاح الأمنى، لكى يساءل ويحاسب المتورطين فى انتهاك حقوق الناس وحرياتهم؛ فإن تسفيه الطرح كما كيل الاتهامات للطارحين واغتيالهم معنويا بادعاء «رغبتهم فى التعايش مع السلطوية» جميعها أفعال لا تتجاوز أيضا حدود البطولات اللفظية والمزايدات المتهافتة.

مدعو البطولة ومحترفو المزايدة يتناسون أن تعدد محاولات رفع الظلم، مهما ضاق نطاقها، يمثل عاملا أساسيا فى تحفيز الرأى العام على إدراك حقائق المظالم والانتهاكات المتراكمة وتدريجيا الجهر برفضها ثم سحب البساط المجتمعى من تحت السلطوية الحاكمة بأجهزتها الرسمية والأمنية وإجبارها على التغيير.

هم يتناسون أيضا أن صياغة مطالب محددة مثل إطلاق سراح المسلوبة حريتهم لأسباب سياسية أو التوقف عن محاصرة منظمات المجتمع المدنى غير المسيطر عليها أمنيا أو الضغط من أجل تحسين ظروف إعاشة القابعين وراء الأسوار والذين يتوالى تدهور الحالة الصحية والنفسية للكثير منهم، أن هذه الصياغة هى السبيل الوحيد للربط فى أذهان الناس بين مطالب عادلة يستطيعون إدراكها والتعاطف معها وبين الدعوة إلى الانعتاق من السلطوية والتغيير الديمقراطى.

وليس مآل محاولات رفع الظلم محدودة النطاق أو المطالب المحددة هو عدم التطور أو الجمود كما يزعم مدعو البطولة ومحترفو المزايدة. بل على العكس من ذلك تماما، تولد مساعى التغيير الكبرى من رحم المحاولات الصغيرة وتستمد منها عافيتها. وتتصاعد المطالب المحددة ما أن تلتف حولها قطاعات شعبية مؤثرة، لتصبح قلب حركة ديمقراطية عفية تستطيع أن تخلص مصر من السلطوية الحاكمة ولا تسقط فى غياهب عدم القدرة على إدارة شئون المواطن والمجتمع والدولة.

غير أن مدعى البطولات اللفظية ومحترفى المزايدات عديمة القيمة لن يفهموا هذه الحقائق أبدا، شأنهم شأن أصحاب الرأى العازفين دوما عن تبنى مواقف صريحة والخائفين على نحو مرض من صراخ المزايدين والعاجزين عن تمثل المغزى الحقيقى لعبارة قل كلمتك.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات