الشورى لا أَثَرَة فيها ولا استكبار - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 12:00 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشورى لا أَثَرَة فيها ولا استكبار

نشر فى : الجمعة 30 مارس 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 30 مارس 2012 - 8:00 ص

يظن حسنو النية أن «الشورى» مستحبة أو «مندوب إليها»؛ لأن القرآن لم يركز عليها ولم يكرر الأمر بها؛ ولم يضع لها مقدمات وقواعد؛ وهذا ظن يجافى الحق ويسىء إلى القرآن إذا فهمنا أن إحدى فرائضه العامة كالشورى يمكن أن ينفذها المسلم حسب رغبته ورؤيته.

 

(1)

 

تحدث القرآن عن الشورى مرتين (إحداهما: 157 آل عمران؛ والأخرى: 38 الزخرف) ويلاحظ فى الأولى أن الأمر.. و«شاورهم فى الأمر» جاء عجيبا؛ حيث إن الله يأمر رسوله «بالشورى» أمرا مباشرا رغم الوحى الذى ينزله الله عليه، والأكثر عجبا أن يكون الأمر من مصدر الوحى إلى من يجيئه الوحى للإعلام أن «شورى الناس مطلوبة مع الوحى» والأشد عجبا أن تنزل هذه الآية فى مناخ سياسى سلبى تجاه الشورى، حيث إن أهل الشورى من الشباب قد أكرهوا رسول الله (ص) على الخروج خارج المدينة لمواجهة العدو بينما كان رأى الرسول (ص) أن يبقى الجيش فى المدينة؛ ونزل رسول الله (ص) على أمر أهل الشورى وتنازل عن رأيه وحقه، وجاءت النتيجة غير محمودة حربيا؛ وأجمع الناس على مسئولية أهل الشورى؛ كما بينت الآية الكريمة؛ فأهل الشورى فعلوا سيئة تحتاج إلى عفو الرسول (ص)؛ كما ارتكبوا ذنبا يحتاج إلى مغفرة الله.. (فاعف عنهم؛ واستغفر لهم..) ثم يشتد العجب بنزول حكم الله ــ رغم السيئة والذنب ــ يقرر عدم استبعادهم أو تجاهلهم رغم أن النبوة والوحى مع المستشير؛ والقصور والخطأ مع المستشار.. (فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر) ولا نتيجة لهذا الأمر إلا ضرورة الشورى وفريضة التزامها قبل أى قرار ورغم أى ظروف.

 

وهكذا تتصاعد الغرابة.

 

فرب الناس يأمر رسوله بالشورى ولم يلغ حق المخطئ فى التفكير والتعبير والتدبير 

 

والشورى فريضة حتى على الرسول (ص) الذى يشاور بشرا لا ينزل عليهم وحى..

 

وسلبية المناخ السياسى حيث افتقاد النصر المؤزر بسبب أهل الشورى.

 

والأشد من كل هذا أن المرشحين لتلك الشورى هم المعارضون السابق خطؤهم، وكانت معارضتهم غير حكيمة كما بينت الآية.

 

(2)

 

وفى الآية الأخرى جاءت صفات المؤمنين الموعودين بجنة الله (...وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (الزخرف: 38).

 

فقد جاء القرآن من أقصر طريق لإعلام الناس بمرتبة الشورى فى منظومة الشرع وكذلك إعلامهم بما يجب للشورى من قواعد وضوابط تجعلها صالحة مصلحة.

 

فأولا: قد وردت الشورى بين فريضتين كلتاهما فرض عين؛ فالصلاة لا تسقط عن أحد فى كل الظروف؛ والزكاة لا يعفى منها من يملك نصابا من المال؛ فهذا هو مركز الشورى ورتبتها فرض عين كالصلاة والزكاة.

 

ثانيا: أن الشورى جامعة عامة كالصلاة لا يحجب عنها أحد ولا توصد فى وجهها الأبواب ولا توضع أمامها الموانع.

 

ثالثا: أن الشورى شرط إيمان وليست نافلة ولا تطوعا.

 

(3)

 

ونلخص رؤية الفقيه فى الشورى فنقول:

 

 إن الشورى ركن فى العمل العام، وهى فرض عين يتعين على القيادة دوام فتح أبوابها بعلانية وشفافية لجميع القادرين الراغبين.

 

إن خطأ أهل الشورى ــ إذا حدث ــ لا يعطل الشورى ولا يمنعهم من ممارسة حقهم فى الشورى ولا تملك القيادة حق الاستقلال والاستبداد بالرأى.

 

إن الله جل جلاله وهو العليم بأحوال خلقه لم يدع ــ حتى للأنبياء (ص) ــ مجالا للانفراد بالقرار ــ رغم تحصنهم بالوحى ــ وذلك رحمة بالناس أن يستهينوا بأنفسهم أو أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة إذا استسلموا للتسلط كما استسلم المصريون قديما لفرعون ونعى القرآن عليهم ذلك الاستسلام

 

فقال: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْما فَاسِقِينَ (الزخرف: 54)، والحمد لله الذى لم يقل إنهم كانوا قوما كافرين.

 

(4)

 

 والشورى تحتاج إلى إعداد وتجهيز مثل الصلاة:.. فإذا لم تصح صلاة بغير ستر العورة؛ فلا شورى دون التنزه عن الخطأ، وكما لا صلاة دون استقبال القبلة؛ فلا شورى دون تصحيح الاتجاه، وأيضا لا صلاة بغير نداء مسموع فلا شورى بغير إعلان وانتظار للجميع، وفى الصلوات الجامعة لا يحجب أحد فلا شورى إذا استبعد أحد الشركاء الشرفاء؛ وأخيرا فإذا كان المسجد لا يسع إلا مائة والساحات حول المسجد تتسع للآلاف فإن الشورى بحاجة إلى ساحات مفتوحة يتواصل فيها الجميع داخل القاعات وخارجها لإنجاز فريضة الشورى.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات