الأمر بالمعروف (1-2) منحة لا محنة - جمال قطب - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 10:25 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأمر بالمعروف (1-2) منحة لا محنة

نشر فى : الجمعة 29 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 29 مارس 2013 - 8:00 ص

«الأمر بالمعروف».. أكبر آليات الدعوة الإسلامية سواء « لتصحيح المسار » داخل الأمة،  أو لفتح نوافذ جديدة للتعريف بالإسلام لدى «غير المسلمين». وقد اتفق الفقهاء على اعتبار «الأمر بالمعروف « فرض كفاية لابد من إنفاذه،  فإذا أداه وأحسنه وأتقنه بعض الأمة،  رفعت المسئولية عن جميع الأمة،  وإلا بقى هذا الفرض معلقا فى رقاب الأمة ويأثم الجميع كل حسب تقصيره فى إنجاز هذه الفريضة، وفقهاؤنا قد استخرجوا هذه الفريضة من القرآن الكريم،  فقد ورد لفظ « المعروف فى القرآن قرابة (40) مرة، بينها (10) مرات بلفظ

 

 «الأمر بالمعروف»، وقد تكفل البيان النبوى بإيضاح نماذج الأداء.

 

(2)

 

« والأمر بالمعروف » لا يعنى التسلط على الناس،  ولا إكراه أحد على فعل الخير،  كما أنه ليس مجالا مفتوح الأبواب لمن شاء أن يمارسه فى أى مجال أو زمان أو مكان،  « فشيوع المسئولية عبث لا يتصوره الإسلام،  ولا يقره العقل»، ولا يمكن أن يستقر مجتمع يتجرأ كل من تسول له نفسه أن يقتحم مجال غيره آمرا أو محاسبا أو حتى متهكما أو مستنكرا، فذلك أبعد ما يكون عن الإسلام والعقل. وتثير هذه الفريضة إشكاليات أبرزها « ما هو المعروف» الذى يجب الأمر به ؟ ثم ما هى مراتب هذا المعروف فيما بينها؟ وكيف نحدد الأولويات التى يجب تقديمها والتركيز عليها قبل غيرها ؟ وما دام

 

«الأمر بالمعروف » شائعا فى جميع الأعمال والمعاملات، فما هى مكانته من المنهج الإسلامى ؟ بمعنى هل هو «ولاية شرعية» أم عمل تطوعى ؟ وإذا كان ولاية، فمن الذى يتولاها ؟ وكيف تنعقد الولاية عقدا صحيحا لمن يقوم بها. وبعد هذه المهمات التى أشرنا إليها،  لابد من تحديد «أدوات الأمر بالمعروف» وكيفية استخدام كل أداة، وتحديد الفاعل والمفعول به والمفعول له والظروف المحيطة، وهل تتناسب جميع الأدوات مع جميع الأشخاص آمرين أو مأمورين؟ وأخيرا يجب تقرير الأركان والشروط اللازمة لإنجاز هذه الفريضة.

 

(3)

 

نعم هذه الفريضة ولاية شرعية من ولايات المجتمع، وهى جزء رئيس من « جسد الدولة» نظرا لشيوعها وانتشارها فى جسد المجتمع، وحتى نقترب من حقيقة هذه الفريضة، فإنها وظيفة من الوظائف العامة تقوم بها مؤسسات رسمية من مؤسسات المجتمع.

 

 «فالأمر بالمعروف» هو مجموع وظائف

 

 «الرقابة / المراجعة / التوجيه / التحقيق / المحاسبة». وهذه وظائف عامة تخصصية تختلف من مجال إلى آخر. فالرقابة على عمل الطبيب تختلف عنها فى عمل المهندس إلى عمل الموظف..الخ. لذلك فإدارات الرقابة والمراجعة والشئون الفنية والشئون القانونية هى المنوط بها دون غيرها المراقبة المباشرة وتوجيه المقصرين، ثم محاسبتهم من بعد.

 

(4)    

 

وحتى لا يجنح أحد فيظن أن « الأمر بالمعروف» أبسط أو أهون مما نقول. فالأمر بالمعروف فى حقيقته وظيفة فنية يقوم بها احد «خبراء التخصص» وليس مجرد الرغبة فى فعل الخير، فإن فتح باب الجهود الطوعية يسبب عشوائية ويحدث خللا لا يرضاه الدين ولا يقول به عقل.. فلابد من التفريق والتمييز بين مستويين من الأمر بالمعروف، أولهما قيام الخبير المتخصص والمكلف بالرقابة رسميا بمباشرة الرقابة على جميع مراحل العمل ومواطن التقصير فيه،  أما المستوى الثانى فهو حق المواطن فى الإبلاغ والشكوى إلى جهات رسمية متخصصة لتتبين صحة الشكوى وجديتها وجدارة الموضوع بالالتفات إليه.

 

(5)

 

فالرقابة عمل رسمى يتولاه متخصصون نالوا خبرتهم من طول ممارساتهم فى المجال. فالطبيب بعد اجتيازه لتخصصه العلمى يتلقى دورات فى الرقابة والجودة تؤهله لوظائف الإدارة فى تخصصه (مدير مستشفى / مدير مصحة.. إلخ)، أو تؤهله للرقابة على الجودة والإتقان والإحسان (التفتيش قديما والتوجيه حديثا). وقد عرفت الأمة وظيفة الشرطة ورقابتها للمرافق العامة حفاظا على الأمن العام، والشرطة المتخصصة والمتفرغة لرقابة أعمال محددة، كذلك عرفت الأمة وظائف التفتيش فى قطاعات (مفتش تموين / مفتش صحة / وردية المرافق / إلى سائر أعمال المجتمع ) فهذا هو الأمر بالمعروف المطلوب شرعا، وهو جزء مهم من كيان الدولة، أما الجانب التطوعى فشىء آخر.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات