المؤامرة - بسمة عبد العزيز - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:29 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المؤامرة

نشر فى : السبت 29 مارس 2014 - 8:40 ص | آخر تحديث : السبت 29 مارس 2014 - 8:40 ص

تشغل فكرة «المؤامرة» مساحة معتبرة وسط الأفكار، والنظريات، التى يحاول أصحابها أن يجيبوا عن سؤالنا المزمن: ماذا يحدث لنا، ولماذا نحن هكذا؟ تابعت على الشاشة منذ أيام ضيوفا ومحاورين يتجادلون حول الأوضاع المتأزمة، ثم إذا بهم يخرجون عن مسار حوارهم، منتقلين إلى جدل فرعى حول المُسَمَّيات؛ أكد بعضهم أن الوصف الملائم لما تمر به البلاد هو: «مؤامرة»، بينما أصر آخرون على أنه: «مُخَطَّط»، وفى إطار الوصفين أُدرِجَت أحداثٌ ومواقفٌ كثيرةٌ.

بعض برامجنا التليفزيونية صارت بمقتضى المعايير التى وضعها الضيوف مؤامرة.. أنشطة المنظمات الحقوقية المحلية مؤامرة والمعارضون السياسيون بطبيعة الحال متآمرون.. إضرابات المهنيين واحتجاجات العمال على تدنى الأجور مؤامرة، حتى محاولة التثبت العلمى مِن الجهاز المُعجِز الذى قدمته المؤسسة العسكرية مؤخرا، صارت محاولة ملوثة برائحة المؤامرة.

•••

يُقَالُ إن «نظرية المؤامرة» مصطلح ظهر فى القرن العشرين، ثم شاع استخدامه وانضم إلى معجم أُكسفورد فى التسعينيات، وتشير نظرية المؤامرة فى تعريفها إلى اقتناع الأشخاص بوجود تنظيم ما؛ يتمتع بالسرية والقدرة على التأثير فى آن، هذا التنظيم مسئول عن خلق ظرف أو حدث غير مبرر بالشكل الكافى. أحداث كبرى على مر التاريخ تم عزوها إلى وجود مؤامرة، وربما تكون أحداث الحادى عشر من سبتمبر هى أشهر ما التصق به التعبير فى السنوات الماضية؛ إذ قيل أن الإدارة الأمريكية دبرتها كى تتخذ منها ذريعة لأفعال لا يمكن للعالم قبولها فى الأحوال العادية.

تحكى لنا وزارة الداخلية ليل نهار عن مؤامرة حيكت ضدها فى السنوات الثلاث الأخيرة، ويحكى الإخوان المسلمون عن مؤامرة أخرى حيكت لهم وقت أن تولى محمد مرسى الحكم، فى حين يُصَرِّح عددٌ مِن رجال الدين بأن ثورة يناير ذاتها كانت محض مؤامرة، ويؤكد كل من أصاب فشلا أو أدين بارتكاب أمر مشين أنه ضحية مؤامرة، دفاع يلقى التعاطف والاستجابة من الآخرين.

•••

يتعاظم الشعور بالمؤامرة فى أوقات بعينها، أوقات العجز وقلة الحيلة وإدراك الفجوة الرهيبة التى تفصلنا عمن سوانا، تلك الفجوة التى نكون فى أَمَسِّ الحاجة إلى تفسيرها دون أن نلقى على عاتقنا بمهام وأعباء ثقيلة. يعفينا وجود المؤامرة من الشعور بالتقصير، ويقدم لنا فرصة جيدة للتأسى على حالنا، فالآخرون لا يريدون لنا التقدم أبدا، الآخرون يعرقلون خطواتنا، ويحرموننا من النهوض.. الآخرون أكثر قوة وحنكة ومهارة، ولا حيلة لنا إذن فى مواجهة مكرهم.

صار وجود مؤامرة ما فى حياتنا شيئا بديها، ربما لفرط ما كررنا على أنفسنا الحديث. تأتى فى مقدمة المؤامرات الخارجية التى نلوكها منذ زمن طويل؛ تلك المؤامرة الغربية الواسعة على الشعوب الإسلامية. الرسوم الكاركاتيرية التى تسخر منا مؤامرة.. الإنترنت مؤامرة.. تقارير المنظمات الدولية التى تكشف عوراتنا مؤامرة.. القنوات العربية وغير العربية التى تنتقدنا مؤامرة. على جوجل عدد كبير من الروابط المتعلقة بكلمة «مؤامرة»، منها رابط لكتاب «المؤامرة الكبرى» للراحل مصطفى محمود، يحوز هذا الكتاب انتشارا واسعا، ويحظى بتعليقات واستحسانات كثيرة، ودعوات أكثر للقراءة، وتؤكد شعبيته تلك، تصريحات جاءت على لسان مسئول جناح أخبار اليوم فى معرض الكتاب الماضى، تفيد أن الكتاب يلقى رواجا وإقبالا هائلا من الرواد.

•••

عادة ما تهدينا كلمة المؤامرة مشاعرا سلبية، تحمل لنا أفكارا عن التواطؤ والخبث والكيد وإضمار الشر. هى فى الوقت ذاته أمر مخفىّ، يُفَضَّلُ ألا يجرى الإعلان عنه أثناء الإعداد حتى لا يفقد عنصر المفاجأة، وحتى يتحقق الهدف منه مباشرة، فلا يجد المُتَآمَرُ عليه فرصة للتفكير والتدبير وإفشال ما يُرَادُ به.. يتم التخطيط سرا ويبقى العمل محجوبا وراء الستار ما أمكن. عادة لا تنكشف تفاصيل المؤامرة إلا بعد مرور سنوات وربما عقود، وقد لا تنكشف أبدا فى حياة مَن حاكوها ومَن وقعت عليهم. فى بعض الأحوال يصبح أطراف المؤامرة معلومين منذ البداية، وتكون المؤامرة نفسها واضحة ومكشوفة أمام الجميع.

نشرت صحيفة الأهرام مؤخرا خبرا تحت العنوان التالى: «خطة المؤامرة الكبرى ضد مصر»، وعلى غرارها نشرت صحف مصرية كثيرة، كما فعلت أيضا بعض الصحف العربية فى تونس والبحرين وليبيا وسوريا. فى بعض المرات كانت أعداد المتآمرين وتفاصيل التآمر والمبالغ المالية المخصصة للتنفيذ، أمورا معلنة، مع ذلك كانت المؤامرة تستمر من الناحية النظرية على الأقل؛ يستمر الحديث عنها وعن مخاطرها، وعن التدابير الاستثنائية التى ستواجه بها. يصدق الناس ضرورة الانصياع لتلك التدابير مرحليا على أمل الخلاص، لكن المؤامرة لا تنتهى أبدا.

•••

أتذكر من حين لآخر وبحكم تخصصى أن الشعور الدائم بوجود مؤامرة ما هو إلا عرض رئيس فى بعض الاضطرابات النفسية المعروفة، عرض يقود صاحبه إلى ردود أفعال غير منطقية، تتسم أحيانا بالتطرف والمبالغة والعنف الشديد، وربما لا يظهر على من يعانى هذه الإضطرابات أى عرض آخر بخلاف اليقين التام بوجود مؤامرة؛ مؤامرة محبوكة التفاصيل والأركان. على كل حال يفصل بين المرض والصحة أدلة ومنطق وبراهين.

رغم ثقل وبؤس الجو المعبأ بنظريات المؤامرة، ورغم الركاكة المسيطرة على الأحداث والعقول، ما زلت أتذكر بجزل شديد كذبة أبريل؛ تلك المؤامرة الموسمية الصغيرة التى طالما دبرناها أطفالا، واستمتعنا بها، دون أن تكتسب لدينا أبعادا سوى جلب البهجة والسعادة الخالصة.

بسمة عبد العزيز طبيبة وكاتبة
التعليقات