على الإعلام الغربى وضع الإرهاب فى سياقه - صحافة عالمية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 6:13 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

على الإعلام الغربى وضع الإرهاب فى سياقه

نشر فى : الثلاثاء 29 مارس 2016 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 29 مارس 2016 - 9:50 م
نشرت مجلة سالون الأمريكية مقالاً للكاتب «باتريك ل. سميث» يحلل فيه سبل تناول الإعلام للقضايا والأحداث خاصة الإرهابية منها بطرق نمطية معتادة، وذلك منذ ظهور مصطلحى «الإرهاب» و«الحرب على الإرهاب»، والتى أخذ الإعلام فى تناولهما وإعادة إنتاجهما دون إدراك أبعاد كل منهما أو البحث فى المسئوليات الكامنة وراءهما. وإنما أخذ الإعلام فى تغطية الأحداث بسبل تبث «الصدمة والرعب»، ولا توجه نحو التفكير فى الأسباب الكامنة وراء الوقائع وكيفية الإجابة عنها من أجل التخلص من مثل تلك الهجمات، التى أصبحت تهدد العالم بأكلمه.

بدأ «سميث» المقال مشيرا إلى ما ورد فى وسائل الإعلام خلال الساعات التالية لأحداث بروكسيل وقسمها لنوعين من التناول؛ النوع الأول يدور حول الأسئلة النمطية والمعتادة «من وماذا وأين ولماذا؟» والتناول الثانى يدور حول ردود فعل الجميع حول العالم من تلك الأحداث. ويقول: «إن هناك العديد مما يمكن إضافته والحديث عنه بخصوص هذا الشأن». خاصة أن مدنا مثل نيويورك وواشنطن ولندن وباريس وموسكو وبيروت وربما سان برناردينو وكاليفورنيا، والآن بروكسيل ــ وبالتأكيد أماكن أخرى ــ تشير إلى ما يعاصره الجميع من أزمة عالمية. لم يعد الجلوس أما التلفاز أو وسائل الإعلام مريح على الإطلاق، فدائما هناك أخبار مزعجة عن كوارث وأحداث مؤسفة تقع فى مدن كثيرة بأماكن مختلفة. ويضيف الكاتب أن أحداث بروكسيل الأخيرة تؤكد فرضية أنه لم يتبقَ مكان آمن أو خالٍ من المشكلات والأزمات. خاصة أن الأحداث تلك المرة لم تحدث فى المناطق النائية أو الصحراوية أو العشوائية، ولكنها انتقلت لتقع فى قلب مدينة مليئة بالمحال الزجاجية ومعارض الأزياء والمبانى المصممة على الطراز البلجيكى.

ومع ذلك ورغم أن العديد من الروايات التى قُصت فى ذلك اليوم ــ والتى يبدو معظمها صحيح ــ فإنه لم تكن شاملة بما يكفى، ولكى يتم تناول الموضوع بشكل أكثر دقة وكى يكون الإعلام ذا بعد نظر، خاصة فى ضوء ترديده لمصطلح كـ«الإرهاب» لابد من ذكر مدن أخرى عديدة ــ الكثير لم يسمع عنها ــ تعرضت لمثل تلك الهجمات الإرهابية منها مثلاً: أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا ومصر وقطاع غزة وليبيا وغيرها من الدول التى يمكن أن ندرجها فى قائمة طويلة.

ويؤكد «سيمث» فى تحليله أنه لا يجوز اعتبار «الإرهاب» إرهابا فقط عندما تقع أحداثه فى المجتمعات الغربية أو عندما يُنفذ باستخدام الأدوات والطرق البدائية بدلاً من الأساليب التكنولوجية الحديثة (كأكياس المسامير المتفجرة بدلاً من القنابل باهظة الثمن). فبين ضحايا الإرهاب ومنفذيه، ليس هناك مكان فى العالم يحتوى على أحدهم دون الآخر. ويبرر سميث ذلك بأن الغرب دائما ما يتناول الأحداث بطرق تجعل التفكير فيها مختلف أو موجه، كأن يتم تناول تلك الهجمات من منطلق «الصدمة والرعب». مما يدفع الأفراد لطرح أسئلة من نوعية «لماذا يستهدف الإرهابيون مواقع المدنيين المليئة بالأبرياء؟» أو مثلاً «ألا يحاول الإرهابيون عرقلة تقدم الغرب وحضارته؟». وتعد تلك من الأسئلة الجيدة خصوصا فى ضوء ما يسعى الإعلام دفع الناس للاعتقاد به. فالإجابة عن مثل تلك الأسئلة ستكون «بالطبع هناك غرض ما وراء الأحداث» و«نعم يحاولون ذلك»، وتلك الإجابات نابعة عن فهم المعظم لما يجرى ولكن مع رفض الاعتراف: فتلك الهجمات وفقا لسميث هى ردود فعل قادمة من «أسفل»، فليست تلك الأحداث اعتباطية أو عشوائية، ولكنها ردود فعل لبعض السياسيات المتبعة.

وبالتالى، فبالنسبة للكاتب، تعتبر الإجابة عن سؤال «ماذا» بوصف الأحداث، بداية الفهم لما يجرى، ولكن سيكون على من يرغب فى الفهم تتبع الإجابة عن باقى الأسئلة.

***

هناك كلمتان أساسيتان تستخدمان فى الإعلام وتدلان على ما يعتقده الغرب منذ 2001، وهما «الإرهاب» بكل مشتقاته و«الحرب».

وأشار سميث هنا لكلمات المفكر ريتشارد بيرل والتى حاول بها إخراج الإرهاب من سياقه فقال: «إن أى محاولة لفهم الإرهاب هى محاولة لتبريره»، كما أن كلمة «الحرب» حتى إن كانت «الحرب على الإرهاب» تخدم نفس الهدف، فالتقليل من إنسانية الآخرين الذين يعدون «أعداء» أصبحت معتادة: فأصبح من السهل أن يطلق الجنود الرصاص على الأناس العاديين (كما حدث فى الفلبين فى مطلع القرن العشرين).

ويستطرد سميث قائلاً: «إن الغربيين قد أغرقوا أنفسهم فى أزمة هذين المفهومين. فصحيح أن «بوش الابن» عرف على أنه «رئيس الحرب» ولكن اللوم يقع على الصحافة فى قبولها لعبارته (الحرب على الإرهاب)، وإعادة إنتاجها وتوظيفها دون معرفة وفهم أبعادها. وقد أعيدت تلك المشكلة مرة أخرى فى الطريقة التى اتبعت فى تغطية أحداث بروكسيل. والتى عادت لتتناول الأسئلة المعتادة «من وماذا ومتى»، والتى تزود المتابعين بالمعلومات حول الحادثة وملابساتها، و«كيف وقعت الأحداث»، ولكنها لم تستفض فى الإجابة عن «لماذا» وقعت الأحداث بالقدر الذى يُمَكن من إدراكها بشكل كلى. فالبحث فى «لماذا» إنما يحتاج لأكثر من مجرد معلومات وبيانات حول الواقعة. فلابد أن يتعمق الفرد فى متابعة الأحداث منذ بدايتها ويضعها فى سياقها ليصل للمسببات والمسئوليات والدوافع الكامنة وراءها. ولابد أن يلم الفرد بالتاريخ كى يستطيع فهم وإدراك مسار الأحداث. وبالرغم من أهمية الإجابة عن «لماذا»، وبالرغم من كونها حجر الأساس فى الممارسة الصحفية الجيدة فإن القليل يلتفت إليها.

وبالتالى لم يعد لدى أحد شيئا جديدا يفيد به، لأن الإشارة إلى ما هو جديد ومفيد سيكلف خطر التعرض لسؤال «لماذا؟». وبالتالى أصبح ما هو مشترك فى سبل تناول الأحداث وعرضها هو «الخوف». وهذا يأخذنا للسؤال «مما الخوف؟». الخوف من الإرهاب الذى وصل إلى حيث لم يتوقع وجوده، وهذا أصبح واضحا ولا يمكن إنكاره. ولكن الكاتب يقصد هنا نوع آخر من الخوف يتمثل فى خوف الغرب من أنفسهم والخوف من التاريخ الذى يشير إلى مسئولية الغرب التامة عن تلك الأحداث التى تجاوزت قدراتهم وتوقعاتهم. ولذلك أكد سميث أن تجاهل السياق الذى دعا إليه «بيرل» لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.

***

ويؤكد سميث فى النهاية أن أنسب وسيلة لتكريم هؤلاء الذين شهدوا الهجمات وتعرضوا لها، وهؤلاء الذين الذين لقوا حتفهم من جرائها هى محاولة نشر الوعى وتسليح الخيال بالفهم سواء بتتبع الأحداث أو الرجوع للتاريخ والبحث فى مسببات تلك الهجمات وما يجب عمله بشأنها.
التعليقات