الحلحلة والفككة... ومفردات أخرى - امال قرامى - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحلحلة والفككة... ومفردات أخرى

نشر فى : الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 6:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 6:55 ص

ينتبه المتابعون للخطابات السياسية، والتعليقات الصحفية، وتصريحات السياسيين إلى التحول الدلالى لبعض المصطلحات، والتحريف المتعمد لبعض المفاهيم. بيد أن وجه الطرافة يكمن فى اعتقادنا، فى ظهور مفردات جديدة تتسرب إلى المعجم السياسى «لتطعمه بنكهة» جديدة أو لتربكه وتدخل عليه بعض التشويش من ذلك تداول كلمات من قبيل «حلحلة الأزمة»، و«فكفكة منظومة الفساد» وغيرهما.

ولئن اشتركت الشعوب التى خاضت «مسارا انتقاليا» فى اجترار بعض الكلمات التى شاعت فى البلدان التى عاشت تحولات مماثلة كـ«مسار التحول الديمقراطى»، و«العدالة الانتقالية» وغيرها فإن الفاعلين فى كل ثورة، آثروا الرصيد اللغوى بمفردات تعكس خصوصية تجربتهم، والثقافة السائدة. فكانت «الروح» التونسية أو المصرية أو اليمنية أو الليبية.. بادية للعيان فى المتلفظ والمدون على حد سواء.

وبالرجوع إلى الواقع السياسى التونسى نتبين وجود رصيد لغوى مثل المعين الذى تنهل منه النخب السياسية، والثقافية، والإعلاميون كالحديث عن «الهبة الشعبية» و«تجربة الترويكا»، و«التجاذبات السياسية، والحزبية»، و«أزلام النظام السابق»، و«الانتخابات النزيهة والشفافة»...، وهى كلمات تعبر عن السياق التاريخى، والسياسى، والثقافى، والاجتماعى الذى مرت به البلاد. فاليوم مثلا ما عاد بالإمكان التوقف كثيرا عند حكومتى «الترويكا وتوابعها» إذ دخلت هذه الكلمة طى التاريخ والنسيان، وصارت الجموع أكثر اهتماما بـ«الحكومة المحايدة» أو «حكومة التكنوكراط» أو حكومة «تصريف الأعمال».

•••

ولئن استمتع القياديون فى عهد «الجبالى» و«العريض» بالحديث عن «الحكومة الشرعية» فإن الأحداث سرعان ما شككت فى هذه الشرعية فبات الحديث بعد اعتصام باردو 2013 عن «الشرعية التوافقية» وعن دور الرباعى الراعى للحوار. وهكذا ندرك أن كل مفردة ارتبطت فى الذاكرة الجمعية التونسية بأحداث، وأزمات، وسجال، وصدام وصراعات، ومشاعر تنوس بين الإحباط والفرح... (فضيحة «الشيراتون غايت» فى إشارة إلى سوء تصرف صهر الغنوشى فى ميزانية وزارة الخارجية حين كان على رأسها، ومحاولات «تركيع» الإعلام، و«تركيع» القضاة...).

وما من شك فى أن هذا الرصيد الجديد من المفردات التى تلهج بها ألسن السياسيين، والإعلاميين، والمحللين، والمثقفين، وما كان لهم عهد بها (الدولة العميقة، العنف الممنهج، ازدواجية الخطاب، البراجماتية السياسية، المال السياسى، الشفافية، الحوكمة، الإفلات من العقاب، والأمن الموازى...) يتجاور مع رصيد قديم لا لون له ولا طعم «غير مفعل» كثيرا ما استمع إليه التونسيون دون أن يفقهوا كنهة (دولة القانون، البناء الديمقراطى، المواطنة، الحريات الفردية...) وها هم اليوم يستعيدونه فيدركون أهميته فى حياتهم.

•••

وبما أن الشعوب لا تنفك عن الخلق والإبداع فإن المتابع للغة الحوار على الفيس بوك ينتبه إلى سخرية التونسيين، وتعمدهم نحت بعض الكلمات كحديثهم عن «تونستان» فى إشارة إلى عمليات أسلمة البلاد، أو «حزب النهقة» أو النكبة عند حديث البعض عن حزب النهضة، أو الحديث عن الوهبنة، والأخونة، والانفلات الأمنى، وكتائب النهضة، وميليشياتها.

ويبدو أثر الاستقطاب جليا على لغة الحوار بين الخصوم السياسيين فإذا بالأصوات ترتفع مطالبة بالجمهورية الثانية، ودولة القانون والمؤسسات، وتحييد المساجد، ومراقبة تدفق المال السياسى... فى مقابل أصوات تدعو إلى إرساء دولة الخلافة، واحترام السلف، والثوابت، والخصوصية الإسلامية، والهوية العربية الإسلامية، وتطالب بالبنوك الإسلامية، ونظام الأوقاف، والتدريس الزيتونى، والفصل بين الجنسين.

•••

ويتضح أن اللغة السياسية الشائعة فى تونس ما بعد الثورة خليط هجين فيها اصطلاحات تنتمى إلى المعجم السياسى الحريص على الضبط والتدقيق ولكن ما إن استعملها السياسيون حتى شابها اللبس، والغموض، وتلاعب بها الماكرون وفيها جانب من «الاستعراضية»، و«الشعاراتية»، والتكلف، والاستعلاء على المواطن البسيط، وفيها أيضا نصيب من «اللغة الخشبية».

إن التلاعب بدلالات المصطلحات، وتضمينها حمولات جديدة، واستعمالها فى غير محلها هو فى نظرنا، لعبة سياسية بامتياز تنم عن التداخل بين الدينى والسياسى والأيديولوجى، وتجعل من اللغة مرآة عاكسة للصراعات السياسية والرمزية من أجل نيل السلطة. ولكن ما يتغافل عنه اللاعبون السياسيون أن اللغة ليست أداة طيعة بيدهم يتصرفون فيها وفق هواهم إنما اللغة نسق ومؤسسة موصولة إلى عالم السلطة قابلة لإنتاج رؤية للعالم وللكون.

التعليقات